وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

السبت، تشرين الثاني ٠٨، ٢٠٠٨

النفاق الوظيفي

د محمد العبودي

ابتلي العراقيون منذ قرون بعيدة بأنتشار ظاهرة النفاق الاجتماعي والتي لست بصدد التعرض الى اسبابها الان وان كان محور هذا النفاق هو القمع والاضطهاد الذي رافق العراقيون منذ ذلك الزمن . اريد التحدث عن مظهر من مظاهرهذا النفاق وهو النفاق الوظيفي حيث أستشرى هذا الداء في جميع مفاصل الدولة وأتمنى أن أستغل الجو الديمقراطي الحالي – الذي لن يبقى طويلا كما يبدو- للاشارة الى اسباب ومظاهر هذا السلوك . ان الانسان جبل على الظلم والاستحواذ والتملك وحب ذاته كطفل صغير وجاءت القوانين السماوية والوضعية لتحد من هذا السلوك وتلجمه وان غياب قانون الخدمة المدنية في العراق وعدم فاعليته هو – بأعتقادي-اساس النفاق الوظيفي . اذ ان الفرد وبدون قانون ينظم علاقاته مع الموظفين الاخرين يقوم بالاستحواذ على مؤسسات الدولة التي يعمل فيها ويجري ما يعرف ب (شخصنة المؤسسات ) فتصبح الوزارة ملكا صرفا للوزير الفلاني وينقسم الموظفون الى من هم مع الوزير فتنهال عليهم النعم أو من هم ضد الوزير لتنهال على هؤلاء النقم. سيصبح أكبر هم الموظف هنا ليس العمل وانما التفاني من أجل ان يبدو من جماعة المدير أو الوزير ويبدأ التزلف والنفاق واسدال صفات الربوبية على المدير أو الوزير وأغماض العين وقطع اللسان عن زلات المدير وسرقات ابن اخت الوزير الذي يمتلك ثلثي الوزارة عملا بالقاعدة الوراثية (ثلثين الولد عل الخال). ستتحول هنا هواجس الوزير وأرهاصاته الى قوانيين تسير الوزارة ويصبح منطق (الولاء ) لا الكفاءة هو المعيار في ترقية الموظفين أو معاقبتهم ويكون مثلا كيفية استقبالهم للوزير أو طراز ملابسهم وحلاقة ذقونهم هي المعيار لا الاخلاص في العمل وخدمة الناس . ان الموظف لا يشعر الان انه والوزير موظفان في مؤسسة واحدة تحكمها قوانيين تنظم علاقاتهما وانما أجير في ملك الوزير. ان النفاق الوظيفي هو الوسيلة المثلى لانتعاش وازدهار الفساد حيث يخشى الموظفون من سطوة المدير وردود افعال الوزير المنفلته اذا ما حاولوا الوقوف على او حتى الاشارة الى مواطن الفساد داخل مؤسساتهم وهم أعلم من غيرهم بالفساد وربما يكونون جزا منه لحاجة المدير للاخرين لتمرير الصفقات الفاسدة .ان الخوف من بطش الوزراء المنحرفين هو العامل الاول في نجاح تمرير السرقات الحكومية والصفقات المشبوهة. لقد ورثنا ولعقود طويلة هذا السلوك النحرف وكان الاولى بنا ان ننتبه اليه ونحاول تقويمه لا تعزيزه حيث صدرت التوجيهات بأستخدام صيغ مخاطبة تعزز النفاق الوظيفي من امثال (دولة ) رئيس الوزراء أو (معالي )السيد الوزير (حيث يصر أحدهم على مناداته هكذا حتى مع افراد أسرته!) وكان الاولى ان نصر على استخدام كلمات مبسطة مثل (الاخ) الوزير و(الاستاذ)رئيس الوزراء كي نهدم جدار النفاق العالي في مجتمع غارق حتى اذنيه في النفاق ومن بعد اضمحلال هذا السلوك بالامكان استخدام مانشاء من الالقاب السامية(الا أسماء الله الحسنى طبعا!). أود أن ألفت عناية الاخوة مسؤولي مكافحة الفساد الى اهمية محاربة النفاق الوظيفي بكل صوره فهو رأس الفساد وضرورة ان يفعل قانون الخدمة المدنية حيث سيتحرر الموظفون من عبودية الوزراء والمدراء وانا الضامن عندها لظهور جيل نظيف من الموظفين يكون المسؤل عن وأد الفساد في عقر داره وقادرا على قول كلمة الحق بوجه الفاسدين والمفسدين في هذه الولاية المنكوبة.
د محمد العبودي

ليست هناك تعليقات: