وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

الجمعة، أيار ٠١، ٢٠٠٩

جدلية الفساد والمسؤول ... مستشار اعلام التجارة مثالا

صلاح بصيص

شهية المفسدين ما زالت مفتوحة، تطلب المزيد، ويبدو ان الجميع عاجز عن مواجهتها او تطويقها رغم سهولة التشخيص والفرز ، ويبدو ان الشعارات الرنانة التي سمعناه من رئيس الحكومة وبعض الشخصيات المسؤولة عن معالجة هذا الملف ومن ان هذا العام سيكون عام القضاء على الفساد والمفسدين، تحولت الى استمرار وتمادي ورغبة جامحة صيرت تلك الوعود الى فقاعة سرعان ما ظهرت واختفت بلمح البصر...
ففي خطوة كان من المفترض ان تكون بعيدة اتخذتها هيئة النزاهة العامة اخيرا بحق بؤر الفساد في وزارة التجارة التي لم تستجب للأمر في البدء وتم اثناء الاعتقال تبادل اطلاق النار كما في الخبر الذي اورده رايو سوا، والذي لم تتناوله جميع وسائل الاعلام الاخرى المرئية والمسموعة والمقروءة، لسبب بسيط ومعروف، وهو ان هذه المؤسسات تعلم علم اليقين بأن مصير هؤلاء المفسدين سيكون الخروج بكفالة يطلق بعدها المتهم حرا طليقا كما حصل مع عاصم جهاد المسؤول في وزارة النفط، لتحول التحقيقات التي تجريها النزاهة هؤلاء المجرمين الى ابرياء لا ذنب لهم ولم يرتكبوا جرما مشهودا، فمجرد الخوض في هذه القضية يعد مجازفة فمحمد حنون مدير اعلام وزارة ومستشار اعلامي وهذه المؤسسات ترتبط معه باعمال ومناقصات وعقود وسيارات واعلانات(ولا اعرف ما هو تاريخ محمد حنون الاعلامي ليتوصل الى هذه المناصب، المصيبة ان جميع الذين وقعوا لصدام بالدم هم الان في اماكن مرموقة، ونحن الفقراء ما زلنا في الدرك الاسفل من هذا البلد الذي قطعت اوصاله من قبل البعثيين والحكومة المحاصصاتية –حاضنة الفساد والمفسدين- "طالما كنت بعثيا فانت الأول"، القائمة طويلة وعريضة والبعثيين والمبوقين وجلادي صدام هم اليوم يتربعون على عرش القرار، ارأيتم مصيبة اكبر من ذلك) فهذا الحنون وغيره من الحنونين الاخرين هم اصل الفساد في هذا البلد، ولأن السيد وزير التجارة فلاح السوداني منتميا الى احد الاحزاب الحاكمة التي تغطيه بشرعيتها وتذود عنه بحصنها، فلا يتمكن الساعدي وغيره من محاسبته وادانته، فهنيئا للشعب بهذه الزمرة وهنيئا للسيد رئيس الوزراء بتلك الشخصيات الفطاحل الذين نجحوا في تحويلنا الى اسوء بلد في تاريخ البشرية... نخشى ان تكون النزاهة مبيضا للامول، فحتى تدفع الشبهات عن المفسدين تقوم باعتقالهم وتبرئتهم حتى تدفع ابصار الناس عنهم...(كلشي بهالبلد جائز، وكلشي ممكن يكون، عدوك يرحم بحالك، وعز احبابك يخون)...
يحتاج الفساد الى أدوات، وهو ليس بالأمر الطارئ، الذي يصيب جسد الدولة وبنيتها، وهو –أي الفساد- طرف غالب يقابله طرف مغلوب وهو ضعف القانون وغياب ممثله الحقيقي، وحتى لو كان دستور البلد او قانونه قويا يتمتع بروح المعاصرة والتطور فغياب المنفذ يجعل منه ضعيفا مترهلا يسهل اختراقه وتجاوزه... بالتأكيد فأن من يخترق القانون، دائما، هو المسؤول او المهتم بالشأن العام للبلد، من الذين يقع عليهم عاتق حمايته وهذا الاختراق يسهم في ديمومة البقاء والاستمرار لنفس المفسد الذي يتشكل من خلاله النظام، فالمواطن الاعتيادي لا يمكن ان يتساوى كما ونوعا مع الرئيس المفسد، مثلا، او الوزير او المدير العام او غيرهم، ربما يمثل البعض منهم الاصبع بالنسبة لجسد المفسد ولكنهم لا يمثلونه تماما، فكلما كثر الفساد ازدادت الحاجة لبقاء المسؤول...
هناك جدلية حتمية بين المسؤول والفساد كلاهما يكمل الأخر في ظل دولة المحاصصة الطائفية التي لا يمكن ان تكون الا ضعيفة ورخوة، ينفذ من خلالها الموظف صغيرا كان او كبير طالما يتكأ بالنهاية الى مسند يستند عليه وهي الاحزاب التي تتشكل منها الحكومة...فالظروف الموضوعية غير متوفرة اطلاقا للحد من هذه الظاهرة التي باتت تشكل حالة توافقية يجمع عليها أغلب المتصدين للقرار السياسي تقريبا، ربما تكون الدعوة الى مكافحة الفساد رغبة جامحة لاكتمال مراحل التطور الحكومي بعد استعادة الهيبة الأمنية، ولو بشكل نسبي مشوبة بالخوف والخطر، ولكنها ملفتة للنظر ومسجلة كمنجز للحكومة الحالية، ودعوة الشارع المضي في انجاز الملفات العالقة والمحرجة والتي تعد هذه المواجهة او المكافحة اهم تجلياتها، وهي تعتبر في ذات الوقت ورقة انتخابية مشجعة حتى لو كانت تنظيرا فقط، فكل المرشحين خدعوا الناس بوعود القضاء على الفساد وامتلئت الشوارع بشعارات منددة وبرامج اقتصادية وسياسية يُخيل لنا بعد تفحصها بأنها من ضمن (البرستيج) الانتخابي الذي يغري بها المرشح الناخب حالها في ذلك حال بقية الشعارات التي تطلق ولا تنفذ، فهذه الدعوة توصف بالمستحيلة اذا ما ظل الوضع على ما هو عليه، تمثيل قانوني ضعيف واختراقات وتجاوزات مستمرة من قبل حراسه.
قوة القانون تكمن في الاجتماع السياسي... والديمقراطية تعني ان ليس هناك سلطة مطلقة او حكم مطلق، دون الرجوع الى رأي الشعب الاغلب، وهذه الغلبة لا تعني اطلاقا مصادرة لراي الاقليات والاثنيات التي يشترك بها البلد الواحد، بل هي مزاوجة القرار وذوبانه ببوتقة المجتمع دون مساس بحقوق اي شريحة او طائفة، وهنا نجد ان ضعف القانون يعكس هذه المعادلة ويبخر مضامينها، فالفرقة السياسية الحاصلة في العراق هي اهم مسبب لانتشار الفساد وديمومته، والمسبب الآخر ان الاغلبية من الشعب تنصب مهمته على اختيار المفسد فقط وانتخابه، وبعد الاختيار يصار الى التغاضي عن حقوقهم، فالاغلبية والاقلية متساوون في هذا البلد من حيث مصادرة الحقوق، وهذه المصادرة بنفس القدر من المطالبة بتأدية الواجبات، اي انهم ملزمون بتنفيذ واجباتهم على اتم وجه ومن يمانع يعرّض الى المحاسبة، فالمطالبة بالحقوق تخضع الى المقاييس الاقتصادية العالية وارتباطها بارتفاع اسعار النفط وتحسن الوضع الامني وتطور البنية التحتية وانتعاش الاستثمار!!!.

ليست هناك تعليقات: