وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

الأحد، تشرين الأول ٢٥، ٢٠٠٩

العـراق الجـديـد..سـيـسـتـانيـا (ج 1)

نـــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

توطئة

هذا المقال، هو جزء من بحث نشر في الفصل الرابع، تحت عنوان؛ آراء المعاصرين، من كتاب (الامام السيستاني، شيخ المرجعية المعاصرة في النجف الاشرف) لمؤلفه الباحث العلامة السيد محمد صادق محمد باقر بحر العلوم، والذي نشرته مؤخرا في العاصمة اللبنانية بيروت، دار المحجة البيضاء.
ارتايت نشره، بتصرف، تعميما للفائدة
...........................

ما اجتمعت كلمة العراقيين على احد، كما اجتمعت اليوم على المرجع السيستاني، الذي ترك بصماته الايجابية بشكل واضح على مسيرة العراق الجديد، منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان.
اذ سيشهد التاريخ بان المرجعية الدينية هي التي رسمت معالم العراق الديمقراطي الجديد، باصرارها على امرين هامين، ما كنا لنشهد ولادة الديمقراطية من دونهما:
الاول، هو اصرارها على اجراء الانتخابات، بالرغم من كل المعوقات وضغط المعترضين وتهديد الارهابيين ومن تحالف معهم من ايتام النظام البائد والطائفيين.
الثاني، هو اصرارها على ان يكتب العراقيون دستورهم الجديد بانفسهم من خلال جمعية وطنية منتخبة وغير معينة تعيينا من قبل اي طرف كان، عندما رفضت، وباصرار، ان يستورد دستورا للعراقيين من قبل الاخرين.
كذلك، فان التاريخ سيشهد بان المرجع السيستاني جنب العراق من مخاطر عدة حروب:
الاولى: هي الحرب الطائفية التي حاول اشعال اوارها التكفيريون وبالتحالف مع ايتام النظام البائد، وقد جاءت ذروة محاولاتهم بهذا الصدد عندما اقدموا على ارتكاب فعلتهم الشنيعة والبشعة بتفجير مرقدي الامامين الهمامين العسكريين في سامراء، فلقد لامس الشارع العراقي الحرب الاهلية لولا لطف الله تعالى والموقف الانساني الحكيم الذي بادر اليه المرجع السيستاني، والذي لقي، بحمد الله تعالى، استجابة منقطعة النظير من ابناء الشعب العراقي الذين تعودوا على ان يلجاوا الى حصن المرجعية الحصين، دائما.
الثانية: هي الحروب القومية والدينية التي دفع باتجاهها، كذلك، الطائفيون والمتحالفون معهم من العنصريين العرب وغيرهم من بقية القوميات التي يتشكل منها المجتمع العراقي، اولئك المتعصبون الذين حاولوا استغلال الظرف الخطير والاستثنائي الذي مر بالعراق اثر سقوط الصنم، لتفجير الازمات وبالاتجاهات المختلفة، ليتعكر الماء فيكسبوا فرصة التصيد به، الا ان اصرار المرجعية الدينية في دعوتها لكل العراقيين بالتريث والتعقل ومنح انفسهم الوقت الكافي قبل التسرع في حل المشاكل التي ورثوها من النظام البائد، والتزام العراقيين بنصيحة المرجعية، اغلق الباب امام كل المتصيدين بالماء العكر، وبالتالي فوت عليهم الفرصة.
وكلنا يتذكر ما قاله، بهذا الخصوص، المرجع السيستاني لوفد علماء كردستان الذي زاره في منزله في مدينة النجف الاشرف، باحثا عن حل لمشاكل كركوك وبقية المناطق المتنازع عليها، وكذلك مشاكل المرحلين منها واليها، منذ زمن النظام البائد الذي مارس اقسى الوان التعريب والتغيير الديموغرافي ضد الشعب العراقي وضد العديد من المحافظات والمناطق العراقية، عندما دعاهم المرجع الى التحلي بالحكمة قبل اتخاذ القرار بشان مثل هذه القضايا الخطيرة، والتي لها جنبة انسانية هامة لا يجوز التغافل عنها، على قاعدة {لا تظلمون، بفتح التاء، ولا تظلمون، بضم التاء} و{لا ضرر، بفتح الضاد، ولا ضرار، بكسر الضاد}.
الثالثة: وهي الحرب التي اطل شبحها على العراقيين، من دون ان يلمسها ابن الشارع لمس اليد، كما يقولون، والتي يمكن تسميتها بالحرب الباردة.
انها حرب الاقصاء والابعاء والاستحواذ التي خيمت بضلالها على سياسات بعض التنظيمات السياسية وقادة الاحزاب التي استخلفهم الله تعالى بعد ان اهلك الطاغية.
لقد حاول هؤلاء ممارسة سياسة الاقصاء لكل من خالفهم الراي والموقف، محاولين الاستفراد بالدور في العملية السياسية، وتاليا بالسلطة، الا ان موقف المرجع السيستاني واصراره على وجوب وضرورة منح الجميع الفرص المناسبة والمتساوية في المشاركة في العملية السياسية، ان من خلال انتخابات الجمعية الوطنية او في لجنة كتابة الدستور او في كل المراحل الاخرى التي مرت بها حتى الان العملية السياسية، اجهض كل المساعي السلبية الخطيرة التي حاولت ممارسة الاقصاء والتهميش والاستفراد والاستئثار بكل شئ جديد في العراق الجديد، ما ساعد، وبشكل واضح، في تحقيق مبدا الشراكة الحقيقية بين العراقيين، مكونات اجتماعية كانت او احزاب سياسية او اتجاهات وتيارات فكرية وسياسية او غير ذلك.
الرابعة: هي حرب الانفلات غير المتعقل، الذي اصاب بعض قادة التيارات التضحوية الشعبية، من ضحايا النظام الشمولي البائد، والتي لا زالت تعتقد بانها الى الان لم تتحسس التغيير، ان على مستوى واقعها المعاشي، او على مستوى المشاركة السياسية.
لقد نجحت المرجعية بانتزاع فتائل هذا الاندفاع غير المحسوب، اكثر من مرة، عندما كادت الامور تصل الى مستوى الانفجار العام الذي، لو حصل، ما كان ليبقي او يذر شيئا.
ترى، كيف تمكنت المرجعية الدينية من تحقيق كل ذلك واكثر؟ وهي التي كان يتصورها البعض بانها لا تنفع الا للتدريس في الحوزة وللافتاء في مسائل الحيض والنفاس والصوم والصلاة؟.
صحيح ان المرجع السيستاني، تحديدا، وريث مرجعية غير سياسية، لم يعهدها المراقبون انها تتدخل في الشان العام، خاصة السياسي منه، ولكن الصحيح، كذلك، انها، المرجعية، سليلة مدرسة تنبري لتحمل المسؤولية الدينية والتاريخية العظمى، كلما تعرضت الامة الى الخطر ومن اي نوع كان، ليس بمعنى التهالك على السلطة، ابدا، وانما بمعنى اظهار العلم عند ظهور البدع، والسياسية من اخطرها، انها مدرسة اهل البيت عليهم السلام التي تحملت على عاتقها اعظم المسؤولية بقول المعصوم {اذا ظهرت البدع، فعلى العالم ان يظهر علمه} حتى اذا اقتضى الامر ان يضحي السائر في ركاب هذه المدرسة، بحياته ودمه وبكل ما يملك، كما فعل السبط الامام الحسين بن علي بن ابي طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) في العاشر من المحرم عام 61 للهجرة.
و سنكمل التتمة غدا بإذن الله

ليست هناك تعليقات: