كريم احمد الساعدي
لم تعكس تجربة تعدد الفضائيات في العراق خلال السنوات الماضية حالاً أو واقعاً ثقافياً واجتماعياً يمكّن المشاهد العراقي من ان ينسى (فردانية) الرأي، التي كان يعيشها الإعلام في العراق عندما كان مقتصراً عمله بفضائية رسمية واحدة هي (فضائية العراق).هذه الفضائية التي كانت معبرة عن سياسة النظام الحاكم وفكره، و كانت كل شيء.بعد إنهيار الإعلام الحكومي العراقي بسقوط النظام عام 2003،وما صاحب ذلك من توسع في الاحداث، وسط فراغ إعلامي كبير كان لا بد من تغطيته بشكل حي في الكثير من المرات، متابعة للأحداث المتسارعة التي أصبحت سمة من سمات الوضع في الشارع العراقي. لم يكن العراق قد نهض إعلامياً في حينه، فتكفلت وسائل الإعلام الغربية والعربية (الى حد ما) القيام بذلك.نتيجة لهذا الفراغ والتغيير تمكنت العديد من الجهات والمؤسسات والشخصيات من أفتتاح قنوات فضائية مستفيدة من التغيير الذي حصل في العراق والانفتاح على العالم الخارجي فقد ظهرت العديد من المؤسسات والقنوات التلفزيونية والمحطات الإذاعية العراقية لكنها مالبثت ان تراجعت او انسحبت عن الساحة الاعلامية اما بسبب التمويل او بسبب عدم استقرار الوضع بالعراق, كما أن الكثير من المؤسسات الإعلامية والصحافية الكبرى تحتاج إلى موارد وإمكانات مادية وبشرية ضخمة فغالباً ما تلجأ هذه المؤسسات الإعلامية إلى جهات ٍ معينة وربما إلى دول لتمولها وهذا اعطى استمراريه لبعضها في الساحة الاعلامية, فتكون تابعه لجهات معينة أو تمثل جوانب سياسية معينة فيكون دورها دور البوق الإعلامي للجهة أو الجانب الذي تمثله وهدفها الرئيسي نقل الأخبار والأحداث التي تتوافق مع توجهات وتطلعات الجانب أو الجهة التي تتبعها.الإعلام في العراق حر ولكن لا يمثل السلطة الرابعة, كما ان الدولة لا تملك اجهزة رقابة على وسائل الاعلام وإعلامها غائب وليس هناك رسالة اعلامية واضحة رغم تعدد المؤسسات والهيئات الإعلامية واللجان العليا منها ما هو مرتبط بمجلس النواب ومؤسسات مرتبطة بمجلس الوزراء يجهل المواطن والمشتغلون في الإعلام طبيعة عملها, والسبب هو اما قلة الدعم او افتقارها للكوادر الاعلامية من ناحية العدد والكفاءة او تدار من قبل اشخاص بعيدين كل البعد عن العمل الإعلامي وضعت المحاصصة والمحسوبية بعضهم على قمة هرم هذه المؤسسات, فاخذت تتخبط من دون ان تضع ستراتيجية واضحة لعملها, هذه احد غياب الاعلام الحكومي الرسمي. المؤسسات الإعلامية والصحافية تمثل أدوات ناجعة في خدمة مصالح الدول والأمم , كما أن الإعلام يمثل السلاح الحضاري الأبرز الذي تستخدمه كبرى الدول المتقدمة خدمةً لمصالحها, وبالتالي فهو ليس حراً بل هو محكوم بسياسات وتوجهات الحزب. لهذا السبب مثلاً نجد أن فضائية معينة لا تستطيع أن تحيد عن خط حركة الجهة التي تعمل لها، فقد عُرفت بعض الفضائية منذ نشأتها بأنها فضائيات معارضة للعملية السياسية و تعمل على عرقلة وتوجهات الحكومة الوطنية, وكذلك الأمر بالنسبة للصحف ,كما ان الأمر الأكثر أهمية أن مذيعي ومعلقي ومحرري ومراسلي فضائية ما هم من إيديولوجية معينة،ومن المستحيل أن تجد مذيعا أو مراسلا في تلك الفضائية ينتقل للعمل في فضائية اخرى ، أي إنه معجون فكرياً وإيديولوجياً مع خط المؤسسة الإعلامية والعكس كذلك. للأسف انه إعلام مغلق على ذاته ويخاطب مناصريه وعناصره كأداة رئيسية في الحشد والتوجيه السياسي في إطار الصراعات الداخلية ولا يرتقى إلى تناول الهموم الوطنية الرئيسية.الإعلام حراً ومبدأ الحرية هذه بعد التحول الديمقراطي في العراق يجب ان تكون حرية مسؤولة لا حرية منفلتة تتحول فيها الوسائل الإعلامية لتمرير أفكار مسمومة ومنابر لإثارة الفتن او لترويج الإشاعات، ومراعاة القواعد الأساسية التي يجب على الإعلاميين إتباعها وهي قواعد معروفة عالمياً، كإحترام الأديان والطوائف والقوميات وعدم النيل من الشخصيات وعدم الترويج والتحريض، فالإعلام المسؤول لايزج نفسه في مخالفة تلك القواعد المتعارف عليها.المطلوب من الفضائيات ان تكون مستقلة عامة تركز على المواطن والمواطنة وتسعى للنهوض بالمستوى العام الثقافي والاجتماعي والسياسي للمواطن، ونسعى ان تكون الفضائية المنبر الحر للرأي والرأي الاخر عبر انتهاج الشفافية والموضوعية في عملها.... ومن اهم البنود التي نركز عليها في عملها هو الابتعاد عن الخطاب الطائفي والتجريح والتحريض.. ونحن لا نعبر عن جهة معينة ونحاول قدر الامكان منح فرصة للاطراف المختلفة للالتقاء والحوار عبر طرح الآراء بمحبة وقلب مفتوح لاننا في النهاية عراقيون وعلينا بناء حوار مبني على الثقة والواقعية لكي نعالج كل المشاكل الموجودة في مجتمعنا بطريقة حضارية.نتطلع ان يكون هناك إعلاماً مسؤولاً ضمن رسالة واحدة يعمل الجميع على تحقيقها بما فيهم الساسة العراقيين, وعلى وسائل الاعلام العراقية ان تعيد النظر في سياستها وتتخذ من رسالة دولة رئيس الوزراء الى رئيس الاتحاد الدولي للصحفين محورا لعملها وتعمل على إظهار الجرائم التي ترتكب بحق العراقيين وبكل شرائحهم وطوائفهم لايقاف عجلة الحياة الماضية نحو بناء دولة المؤسسات التي تضمن للفرد والمجتمع حقوقهم وتكفل ممارسة الحريات العامة وعلى رأسها حرية العمل الصحفي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق