وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

الأحد، كانون الثاني ١٨، ٢٠٠٩

حتى يغيروا ... الماضي للحاضر

نـــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

قراءة في حلقات
ان العراق الجديد الذي يحتاج الى ثقافة جديدة، لا بد ان تعتمد التغيير الذاتي اولا.
هذا ما اتفقنا عليه في الحلقات الماضية من هذه القراءة.
وقلنا، بان من الثقافات التي يحتاجها العراق الجديد، هي؛

اولا: ثقافة الحياة
ثانيا: ثقافة التعايش
ثالثا: ثقافة المعرفة
رابعا: ثقافة الحوار
خامسا: ثقافة الجرأة
سادسا: ثقافة الحب
سابعا: ثقافة النقد
ثامنا: ثقافة الحقوق
تاسعا: ثقافة الشورى
عاشرا: ثقافة الاعتدال
حادي عشر: ثقافة الوفاء
ثاني عشر: ثقافة المؤسسة

ثالث عشر: ثقافة الحاضر

الناس ازاء التاريخ على ثلاثة انواع:
الاول، هو الذي يقف عند التاريخ، بمعنى انه يتكرر عنده كل يوم، فالحاضر نسخة طبق الاصل للماضي، وان كل ما لم يسجله التاريخ، بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
النوع الثاني، هو الذي يكفر بكل شئ اسمه تاريخ، اي انه محى الماضي من ذاكرته، فلم يعد يعترف به او يتعامل معه.
اما النوع الثالث، فهو الذي ينظر الى التاريخ بعين الحاضر، اي ان الماضي بالنسبة له دروس للحاضر.
لن اناقش النوعين الاول والثاني من الناس، فهؤلاء حجتهم باطلة، ولذلك لا اريد ان اشغل نفسي والقارئ الكريم بباطل لا طائل من ورائه.
انما الذي اريده هنا هو الحديث عن النوع الثالث من الناس، وهم، بالمجمل، العقلاء من بني البشر، الذين يتعلمون من التاريخ دروسا وعبرا، لان {الاعتبار منذر ناصح} على حد قول امير المؤمنين عليه السلام، ويتعلمون من الماضي تجارب ثرة يغنون بها حاضرهم، فيستفيدون من النجاحات ويوظفونها لتكرارها في حياتهم اليومية، ويتعلمون من اخفاقاته ما يجنبهم الفشل والتخلف والتراجع، وتاليا، يجنبهم ضياع الزمن والطاقات التي يصرفها الجهلة على قضايا فاشلة سلفا، فقط بسبب انهم لم يقراوا التاريخ ولم يستحضروا عبره ودروسه وتجاربه.
الذي يبعث على القلق هو ان النوع الثالث يخطا احيانا في التعامل مع التاريخ، بالرغم من ان اصل المنهج الذي يتبعه هذا النوع صحيحا وليس فيه خطا، انما بحاجة الى ترشيد من اجل ان لا يخطا في علاقته مع التاريخ، الذي اعتبره، انا شخصيا، كائن حي يتحسس الحاضر، ويفكر بالمستقبل.
وبرايي، فان الترشيد يبدا من الملاحظات التالية:
اولا: يقول العقلاء، ان كل شئ في هذا الكون، وكل حركة وسكنة للانسان، يفترض ان يكون لها اثر في حياة الانسان، والا فهي عبث ينبغي للعاقل ان يتجنبه.
فاذا ما حصل المرء على شغل افضل لمدخول شهري افضل، ينبغي ان يرى اثر ذلك على حياته اليومية، وعلى اهله واولاده، مثلا، سواء بالجانب المادي، او الجانب المعنوي، لا فرق.
وهكذا اذا حصل الانسان على شهادات علمية اعلى او على موقع رسمي افضل، وما اشبه.
كذلك، فاذا قرا المرء كتابا او طالع مقالا او سمع بخبر او حضر مجلسا بحثيا او محاضرة او اطلع على صور، فان كل ذلك يفترض ان يكون له اثر عليه، اي يجب ان يرتب المرء اثر ما على كل ذلك، والا فكل ما ذكرناه سيذهب هباءا منثورا.
فالعاقل يرتب على كل تطور في حياته اثرا ايجابيا، كما انه يرتب على كل انتكاسة في حياته اثرا سلبيا، من خلال التوقف لمدة معينة للانطلاق مرة اخرى مستفيدا من الانتكاسة او الفشل.
غير العاقل لا يرتب اثرا لا على التطور الايجابي ولا على التراجع، فالامران عنده سيان، لا يؤثران عليه وعلى تفكيره وتدبيره، ولذلك فهو، بالمحصلة، فاشل لا يتقدم ولا يتطور.
ذات الشئ ينسحب على التاريخ وينطبق على الماضي، فمن المفترض اننا نقرا التاريخ، بايجابياته وسلبياته، لنرتب عليه اثرا في حياتنا اليومية، ولتوضيح الفكرة، اقول:
نحن عندما نقرا تاريخ الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام، وندرس حياته الشريفة، ينبغي ان نرتب اثرا على ذلك، فنتعلم منه الشجاعة وسعيه لاقامة العدل وتحسسه من الظلم ومساواة نفسه مع اضعف الناس ونظافة يده التي كانت اامن يد على المال العام، وغيرها من الخصال العظيمة التي تميز بها عليه السلام.
اما انك ترى الواحد منا يتخاصم مع هذا وذاك دفاعا عن امير المؤمنين عليه السلام، ضد معاوية بن ابي سفيان، من جهة، ولا تلمس في سلوكه الا كل ما تركه الاخير، من صفات سيئة كالنفاق والعدوان والظلم والمكر والخديعة والولوغ بدماء الابرياء والتآمروما الى ذلك، فلا يعني هذا الا انه لم يفهم من التاريخ الا كلاما فارغا لا يغني ولا يسمن من جوع.
مثل هذا المرء، علوي في ثقافته الا انه اموي في تعامله اليومي وممارساته مع الاخرين، فماذا نفعه التاريخ اذن؟ انه لم يرتب اثرا على ما يقرا من عبر التاريخ وقصصه.
يجب ان يكون التاريخ بالنسبة لنا عبر ودروس ونموذج يحتذى، وبذلك نكون قد استفدنا منه، فلا نحن توقفنا عنده لنجتره بلا فائدة، ولا نحن قراناه وتخاصمنا حوله بلا التزام.
فلا يكفي ان نفخر ببطولات امير المؤمنين او ان نأسى على استشهاد الحسين السبط، اذا لم نقرا سيرهم ونتمثلها بما ينفعنا لحاضرنا ومستقبلنا، وكل هذا بحاجة الى ان نغير ثقافتنا وطريقة تفكيرنا، من ثقافة الماضي، الى ثقافة الحاضر والمستقبل، فالله تعالى عندما قص كل هذا التاريخ في القران الكريم، ليس لانه كتاب قصص وروايات وماضي سحيق، ابدا، وانما لان في القصة عبرة وفي التاريخ درس وفي الماضي حاضر ومستقبل.
لقد راينا في حياتنا كثير من الناس يعشق الحسين عيه السلام ويأسى على مقتله ويذم الطاغية يزيد على فعلته الشنيعة بقتله ابن بنت رسول الله (ص) الا انه يزيدي في افعاله واموي في صفاته، فاي حب هذا للتاريخ؟ واي احترام هذا للحسين عليه السلام؟.
يقول امير المؤمنين عليه السلام يصف مثل هذه النماذج السيئة بقوله {يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو احدهم} ثم يضيف {يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ، فهو بالقول مدل، ومن العمل مقل} ثم {يرشد غيره ويغوي نفسه، فهو يطاع ـ بضم الياء ـ ويعصي، ويستوفي ولا يوفي}.
ان من يحب احدا يتقمص شخصيته، وان من يقدر تضحية احد يحترمها بافعاله وليس بعواطفه فقط، ولاننا نقرا بعواطفنا ولا نقرا بعقولنا، لذلك راينا كيف ان حالنا يتدهور الى الوراء من دون ان نستفيد من عبر التاريخ وتجارب الماضي شيئا، والا بالله عليك قل لي هل يعقل ان يحكمنا مخلوق كالطاغية الذليل صدام حسين ونحن الذين نمتلك الامام الحسين السبط؟ الا ان يكون هنالك خطا في فهمنا له عليه السلام؟.
ثانيا: لا يشك اثنان على اننا، كأمة، ورثنا تاريخا مزيفا الى درجة كبيرة، حتى بتنا ضحية عملية تضليل تاريخية كبرى، اشترك في صياغة فصولها السلطات الظالمة التي استفادت من عملية التزييف هذه، تساعدها جوقة من فقهاء البلاط واصحاب الاقلام الماجورة التي باعت آخرتها بدنيا غيرها، فظلت تزور وتغير وتقلب الحقائق حتى وصل الينا تاريخ يختلف كليا عن حقيقة ما جرى آنئذ، وهذا الامر ينطبق على التاريخ الغابر والقريب.
والاخطر من هذا، هو اننا بنينا وعينا وفهمنا، وتاليا حاضرنا ومستقبلنا على هذا التاريخ المزور، وكان الامة وقفت على راسها لتفكر بقدميها، ولذلك انقلبت عندنا المفاهيم وتبدلت عندنا الحقائق، واستبدلت عندنا المصطلحات، فالنجاح عندنا فشل، والفشل عندنا نجاح، والاستبداد عندنا ديمقراطية والحرية عندنا عبودية، وهكذا.
والاشد خطرا من هذا وذاك، هو ان من يحاول تصحيح بعض فصول التاريخ، من خلال التذكير بالحقائق او الاشارة الى بعض التزوير، يتهم في دينه ويخون ويشهر به اعلاميا، وكان الامة رضيت ان تنام على الغش فهي تطرب على الخداع وترقص على التزوير.
فلماذا يتصدى البعض لاية محاولة للتذكير بمثل هذا التزوير؟.
التكملة غدا بإذن الله .. الى الملتقى

ليست هناك تعليقات: