وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

الأربعاء، كانون الأول ٣٠، ٢٠٠٩

غالبية المتورطين في الفساد فروا خارج العراق

زهير الدجيلي:
..............
قد تكون أشد الانتقادات التي وجهت للفساد ولحكومة نوري المالكي هذه الأيام هي تلك الشعارات والقصائد التي ترددت في المواكب الحسينية ايام عاشوراء هذا العام. رغم ان الحكومة هي حكومة الائتلاف الشيعي، غير أن ما تردد يعبر عن وعي الناس باضرار الفساد التي لحقت بالعراق والسخط الذي ينتاب المواطنين بعيدا عن المذهبية من أولئك المسؤولين الذين لم تنل منهم هيئة النزاهة، التي قالت امس الأول بأن اغلب المتورطين في الفساد فروا خارج العراق.احدى القصائد التي ترددت في مواكب العزاء الحسيني في كربلاء نددت بسوء الحصة التموينية والمتاجرة بقوت الشعب، وبوزارة التجارة العراقية وما حصل فيها من سرقات وفساد، فهي تقول:
ليش قوت الشعب بيه تتحكمون؟
وبمصير الفقرا صرتو أتاجرون؟
الفساد البتجارة
استفحل وما أله جارة
جئنا نشكو ياحسين
يا إمام الثائرين
فيما رددت حشود أخرى هتافات تندد بتساهل الحكومة مع ارباب الفساد وبغياب القضاء وهيئة النزاهة، فاحدى «قصائد اللطميات» تقول:
وين حامي الحرب عالمفسدين
ليش ماشفنه حكم عالمجرمين
رقابهم محد لواهها
لا قضاء ولا نزاهة
جئنا نشكو ياحسيني
ا إمام الثائرين
وهناك شعارات كثيرة رددها المشاركون بذكرى استشهاد الامام الحسين (ع) هذه الأيام احرجت ليس الحكومة فقط، انما مؤسسات النزاهة المسوؤلة عن ملاحقة قضايا الفساد التي وصلت الى اكثر من 7 آلاف قضية قليل منها وصل الى حكم القضاء.ورغم ان ثلاثة احكام بالسجن صدرت امس الأول على ثلاثة مسؤولين في وزارة التجارة العراقية، فان هذه الأحكام اثارت سخرية المواطنين، فهي لم تتجاوز السجن لمدة عام واحد. مما جعل المواطن يسخر قائلا:
أي قضاء هذا الذي يحكم بالسجن لمدة عام فقط على من سرق الملايين؟ فيما اختفى وزير التجارة المسؤول عن ملف الفساد بعد ان اطلق سراحه بتدخل من رئيس الوزراء.ولتبرئة ذمتها تقول هيئة النزاهة: نحن اصدرنا أوامر الاعتقال بحق الكثير من المسؤولين الذين يشتبه بتورطهم في قضايا فساد العام الماضي وهذا العام، ولكن لم يُدَن سوى عدد قليل منهم. وأضافت الهيئة تقول في تقرير لها:
ان بعض المشتبه بهم فروا خارج العراق، في حين حظي البعض الاخر بحماية مسؤولين اقوياء او قانون العفو العام، مؤكدة صدور نحو 630 امر اعتقال ضد مسؤولين عراقيين هذا العام يشتبه بضلوعهم في قضايا فساد لكن الذي دين منهم عدد قليل.وتضيف «النزاهة» قائلة: ان مسؤولين كبارا تدخلوا واغلقوا 135 قضية يشتبه بانها قضايا فساد تشمل 211 شخصا اغلبهم من وزارة النفط. وجرى التغاضي عن 1552 قضية اخرى لان المشتبه بهم يشملهم قانون العفو. فيما هرب المئات من الفاسدين خارج العراق.هذا هو حال «النزاهة» في العراق في وقت بات الفساد الحاضنة الرئيسية للارهاب ولضياع الآمال أيضا.

الأحد، كانون الأول ٢٧، ٢٠٠٩

مصــداق { كــل يــوم عــاشــوراء }

نــــــــزار حيدر
معلقا على استهداف الارهابيين لعشاق الحسين السبط (ع)
. . . . . .
قال نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، ان استهداف الارهابيين لعشاق ومحبي الامام الحسين السبط عليه السلام، بالسيارات المفخخة والاحزمة والعبوات الناسفة، هو مصداق للقول الماثور {كل يوم عاشوراء، وكل ارض كربلاء} فبينما يصر الاحرار على احياء ذكرى القيم الرسالية والربانية العظيمة التي جسدها الحسين السبط عليه السلام والثلة المؤمنة من اهل بيته واصحابه الميامين في العاشر من المحرم عام 61 للهجرة على ارض كربلاء المقدسة والطاهرة، في ذات الوقت، يصر (الامويون) الجدد على تقمص شخصية الظالمين القتلة الذين ارتكبوا ابشع جريمة في تاريخ البشرية ضد اهل بيت النبوة والرسالة، في ذلك اليوم، وكانهم يريدون القول بان (الاموية) نهج وليس اشخاص، انها مدرسة الشيطان التي تفرخ في كل يوم قتلة وارهابيين يتعلمون فنون الفتك والعدوان منها وبامتياز.
ان ذلك، اضاف نـــــزار حيدر الذي كان يتحدث عبر الهاتف للكاتب والاعلامي العراقي المعروف الاستاذ جهاد العيدان، مصداق قول الامام الحسين السبط عندما رفض البيعة للطاغية الطليق ابن الطليق يزيد بن معاوية الذي اعتلى السلطة باسم (الخلافة الاسلامية) بالوراثة من ابيه {مثلي لا يبايع مثله} لماذا؟ لان الحسين مدرسة، ويزيد مدرسة، الاولى تنتهي بالمتعلم الى جنان الخلد ورضوان الله تعالى بعد ان يطوي حياته محبا للخير عاملا له، ومحبا لاخيه الانسان من دون بغضاء او حقد او الغاء، ولاي سبب كان، فيما تنتهي المدرسة الثانية بالمتعلم الى النار وبئس المصير، بسبب انها تشحنه بالحقد والبغضاء على الانسان، فتراه يفتك به ويقتله ويعتدي عليه ويسعى لالغائه معنويا ومن ثم ماديا (جسديا) في اول فرصة سانحة كما يجري اليوم في العراق، عندما يستهدف الارهابيون عشاق الحسين السبط المسالمين، ليس الا لانهم يكرهون القيم ولا يحبون الانسان حتى اذا كان مسالما وغير مقاتل، لا يحمل في يده الخالية الا الرحمة لكل الناس.
انها المدرسة الاموية التي تقتل الانسان والحياة والمحبة والخير والعبودية لغير الله تعالى، كما يفعل اليوم تلامذتها من الارهابيين المجرمين، عندما يستهدفون دور العبادة من الكنائس والمساجد والحسينيات، فيقتلون شعبنا المسيحي المسالم والمحب للسلام والخير، او كما يقتلون المسالمين من العراقيين الابرياء الذين يعبرون عن حبهم وولائهم لآل بيت الرسول الكريم (ص) بمواكب العزاء على الحسين السبط عليه السلام، ما يعني ان الارهاب اعمى يحقد على الانسان كانسان بغض النظر عن هويته وانتمائه، وانه يكره العراق فيسعى لتدميره.
ان الارهابيين، باعمالهم الاجرامية، يستهدفون دم الحسين السبط عليه السلام الذي ارخصه في عاشوراء من اجل حفظ قيم السماء ودين الله عز وجل من الانحراف والتضليل.
انهم يستهدفون الحرية والشورى والبطولة والشجاعة والايثار والكرامة والموقف الصلب في نصرة الحق والعدل وكل القيم والمعاني السامية التي ضحى من اجل تكريسها في واقع المسلمين الحسين السبط عليه السلام.
انهم يخافون العزة والكرامة والحرية التي ربانا عليها الحسين السبط عليه السلام باستشهاده في عاشوراء بعد ان رفض البيعة لطاغوت متجبر سكير هو الطليق يزيد حفيد هند آكلة كبد سيد الشهداء الحمزة بن عبد المطلب عليه السلام.
لو كان هؤلاء وامثالهم حاضرون كربلاء في عاشوراء عام 61 للهجرة لرموا الحسين عليه السلام بنبل او رمح ولاشهروا بوجهه السيف، ولاصطفوا مع جيش البغي لا محالة.
انهم امتداد لتلك العقلية المنحرفة التي لا تحب الخير ولا تحب الانسان وتركه الحياة لغيرها، ولذلك يعمدون الى القتل والذبح والتفخيخ والتفجير لقتل اكبر عدد ممكن من عشاق الحسين عليه السلام ظنا منهم انهم بذلك يثنونهم عن واجبهم ويبعدونهم عن حبيبهم سيد الشهداء الحسين السبط عليه السلام، وما دروا ان مثل هذه الجرائم ستكرس حب الحسين (ع) في قلوبهم لانها دليل ساطع على انهم على الحق وان اعداءهم على الباطل، كونهم لم يقراوا التاريخ، واذا قراوه لم يتعلموا منه ولم ياخذوا منه العبر، ولذلك نراهم يكررون جرائم من سبقهم.
ان الاهالي العزل يحاولون باستذكار ملحمة عاشوراء ان يجسدوا في نفوسهم وشخصياتهم قيم الحسين عليه السلام، وما تميز به اهل بيته واصحابه من ابطال كربلاء من امثال علي الاكبر والقاسم والحر وحبيب وعابس وغيرهم، ولذلك فان من يسعى لقتلهم انما يريد قتل هذه الرموز العظيمة التي خلدها التاريخ، بالرغم من كل الجهود الجبارة التي بذلها الطغاة على مر التاريخ لمحو آثارهم في واقعنا المعاصر، وكان آخرهم الطاغية الذليل صدام حسين الذي فعل كل شئ من اجل ذلك، ولكن، ماذا كانت النتيجة؟ اين هو اليوم واين الحسين (ع) وعاشوراء؟.
انني احذر كل من تسول له نفسه التحرش بالحسين عليه السلام وبذكراه العظيمة في عاشوراء، من انه يطحن في الهواء، لان سعيه سيخيب وسيرى عاقبة عمله خسرا، وليتذكر قول العقيلة زينب ابنت علي عليهما السلام التي خاطبت فيه الطاغية يزيد في مجلسه (العامر) بالخراب بقولها {فكد كيدك واسع سعيك وناصب جهدك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا، ولا تدرك امدنا ولا ترخص عنك عارها وهل رايك الا فندا وايامك الا عددا وجمعك الا بددا}.
عن الخطط الامنية للحكومة العراقية، اعتبر نــــزار حيدر ان الاعمال الارهابية الاخيرة دليل على ان خطط الحكومة اصبحت مهترئة ولا تفي بالغرض، ولذلك فان عليها ان تعيد النظر بكل خططها لتجديدها، ان على المستوى النظري او على مستوى الادوات، فالى متى تظل الاجهزة الامنية مخترقة من قبل الارهابيين الذين يحصلون على خطط الحكومة قبل ان تنزل الى الشارع لتنفيذها من قبل الاجهزة الامنية المختصة؟.
من جانب آخر، الم يقل الناطقون والمتحدثون الرسميون باسم الحكومة العراقية والاجهزة والوزارات الامنية، ان الارهابيين بداوا يعتمدون خطط جديدة في تنفيذ اجنداتهم واعمالهم الارهابية؟ فلماذا لا تفكر الحكومة بتجديد خططها لتعتمد خططا جديدة كذلك تنسجم والتصدي لخطط الارهابيين الجديدة؟ لماذا يجدد الارهابيون خططهم ولا تجدد الحكومة خططها؟.

24 كانون الاول 2009

الأربعاء، كانون الأول ٢٣، ٢٠٠٩

حـسـيـن يــــــا حـسـيـن


أي المحاجر لاتبكي عليك دما

أبكيت والله حتى محجر الحجر


إن أصبح الدهر ينعاهم فلا عجب


يحق للروض أن يبكي على المطر

الأحد، كانون الأول ٢٠، ٢٠٠٩

عاشـــوراء.. لحـــكومة مدنيـــة

نــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
.........

بناءا على بيعة المسلمين والمؤمنين له في حاضرة البلاد الاسلامية آنذاك، الكوفة، قرر الامام السبط الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام، ان يترك مكة المكرمة ومدينة جده رسول الله (ص) المدينة المنورة، مهاجرا الى العراق، من اجل اسقاط النظام الاموي الذي ابدع في الاسلام اخطر بدعة سياسية عندما ورث الطليق معاوية بن ابي سفيان بن هند آكلة الاكباد، السلطة، لابنه ابن الطليق يزيد، الفاسق الفاجر شارب الخمر قاتل النفس المحترمة، ليتحول النظام السياسي في ظل هذه العملية الوراثية الى ملك عضوض استمر قرون طويلة، ولحد الان في عدد من البلاد العربية والاسلامية.
وبسبب ظروف معقدة، سياسية واجتماعية واخلاقية وامنية، انقلب الموقف ضد خطط الامام الحسين عليه السلام، لينتهي به المطاف الى ارض كربلاء ليقتل هناك مع الثلة المؤمنة من اهل بيته واصحابه الميامين، في اليوم العاشر من المحرم عام 61 للهجرة، وبتلك الطريقة البشعة التي نفذها الحكم الاموي وعصاباته ليظهر بها حقده الدفين على الاسلام ورسوله واهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
السؤال الذي يشخص هنا، ونحن نعيش ذكرى ملحمة الطف الخالدة:
ماذا لو لم تنقلب الامور على الحسين السبط؟ بمعنى آخر، ماذا لو كان الامام قد وصل الكوفة فاتحا، وقد التف الناس حوله وبايعوه كخليفة مفترض الطاعة، بعد ان يخلعوا عن رقابهم بيعة يزيد، والتي كانوا قد اجبروا عليها فاعطوها بالاكراه وبالترغيب والترهيب وبالتضليل والغش والخداع؟.
للاجابة على هذا السؤال، يلزمنا العودة الى وصية الامام الحسين عليه السلام والتي تركها عند اخيه محمد بن الحنفية، والتي يقول فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اوصى به الحسين بن علي بن ابي طالب الى اخيه محمد المعروف بابن الحنفية، ان الحسين يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وان الجنة والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور، واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (ص) اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق، ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي يا اخي اليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب.
من هذا النص، يمكن ان نقرا ملامح الحكومة التي كان سيؤسسها الحسين السبط في الكوفة اولا وفي عموم بلاد المسلمين ثانيا.
الف: انها حكومة لكل المواطنين، مدنية، ليس فيها اي تمييز بين مسلم وغير مسلم او بين عربي وغير عربي، او بين رجل وامراة، والدليل على ذلك هو ان حركة الامام عليه السلام كانت قد التحقت بها كل اصناف وشرائح المجتمع من دون تمييز، وتلك هي ميزة الحكومة التي اقامها جده رسول الله (ص) وابيه امير المؤمنين (ع) والتي وعد الحسين السبط في وصيته ان يسير على نهجهما.
ان حركة الحسين السبط وثورته، مدنية، ولذلك فهي لكل الناس وليس لفئة دون اخرى، ولهذا السبب كان يوجه نداءاته الى الناس كافة، وليس الى فئة معينة، فيقول {ايها الناس، ان رسول الله (ص) قال....} و {اما بعد ايها الناس، فانكم ان تتقوا الله...} ولذلك، فلو كان الامام قد اقام حكومته لكانت مدنية كحركته، للناس كافة، لماذا؟ لان اهدافه انسانية وليست (دينية) بالمعنى الضيق للكلمة، كما يفهمها البعض.
يقول امير المؤمنين عليه السلام في عهده الى مالك الاشتر عندما ولاه مصر {واشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم اكلهم، فانهم صنفان: اما اخ لك في الدين، او نظير لك في الخلق}.
ولقد لخص امير المؤمنين عليه السلام فلسفة السلطة ومعناها بكلمة (الانصاف) والتي قال انها يجب ان تشمل كل الناس لتكون الحكومة صالحة وعادلة، وليس لصالح فئة دون اخرى، فيقول في عهده المذكور {انصف الله وانصف الناس من نفسك، ومن خاصة اهلك، ومن لك فيه هوى من رعيتك، فانك الا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده، ومن خاصمه الله ادحض حجته، وكان لله حربا حتى ينزع او يتوب، وليس شئ ادعى الى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته من اقامة على ظلم، فان الله سميع دعوة المضطهدين، وهو للظالمين بالمرصاد}.
ولقد اجاز امير المؤمنين عليه السلام للمرء ان يموت كمدا لان امراة مسلمة واخرى معاهدة، غير مسلمة، تعرضتا للظلم والعدوان في ظل حكومته، فيقول عليه السلام {ولقد بلغني ان الرجل منهم، من الذين اغاروا على الحدود واعتدوا على حقوق الناس، كان يدخل على المراة المسلمة، والاخرى المعاهدة، فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعثها، ما تمتنع منه الا بالاسترجاع والاسترحام، ثم انصرفوا وافرين، ما نال رجلا منهم كلم، ولا اريق لهم دم، فلو ان امرءا مسلما مات من بعد هذا اسفا ما كان به ملوما، بل كان به عندي جديرا} لان السلطة في الاسلام مسؤولة عن دم المواطن وعرضه وحياته وماله، فاذا فشلت في الحفاظ على كل ذلك، لم تكن جديرة بالاستمرار ابدا، فلا معنى للحكومة اذا فشلت في صيانة دم المواطنين واموالهم واعراضهم وحقوقهم.
باء: انها حكومة خالية من الفساد، وبكل اشكاله، فليس فيها فساد مالي كما انها تخلو من الفساد الاداري، لانها ستكون على غرار حكومة جده وابيه، فلا اثرة ولا تقديم للمفضول على الفاضل، ولا محاباة في تحمل المسؤوليات وشغل المواقع، كما انها حكومة لا يمد احد فيها يده على بيت المال بالحرام لان المال هو مال الله تعالى والناس عباده، فالعطاء يقسم بينهم بالتساوي وبلا تمييز.
كذلك، فان حكومته عليه السلام خالية من الرشوة، التي يتعاطاها اليوم كثيرون وباسماء ومسميات مختلفة منها (الهدية) وغير ذلك، والرشوة في قاموس الامام، هي بالمعنى الذي نقله ابيه امير المؤمنين (ع) عن جده رسول الله (ص) بقوله {من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا (راتبا) فاخذ اكثر من رزقه فهو غلول (رشوة)}.
لقد حذر رسول الله (ص) عبادة بن الصامت من الرشوة حين جعله اميرا على الصدقات في بعض الامصار، فقال له:
اتق الله، لا تاتي يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء، او ببقرة لها خوار، او شاة لها ثؤاج، وهو صوت الشاة.
واذا كان المرتشي ببقرة او بعير او شاة سيحمل ما ارتشى به على راسه يوم القيامة، فما بالك بمن يرتشي بعقار او اراضي او ضيعة او باكداس الذهب والفضة او بنسبة من مناقصات المشاريع؟.
ان الفساد يبدا من راس السلطة قبل ان يستشري في مفاصل الدولة، ولذلك فان الحكومة العادلة تراقب نفسها قبل ان يراقبها المجتمع، من اجل قطع دابر المفسدين فور وقوع الفساد، فهذا امير المؤمنين عليه السلام رفض ان يعطي اخيه عقيلا صاعا من بر المسلمين، بضم الباء وهو القمح، لانه ان فعل هو ذلك، فما بال المسؤولين الاخرين في الدولة واجهزتها التنفيذية؟ وهم الذين يراقبون تصرفات اعلى مسؤول في الدولة، فاذا وجدوه لصا سارقا، كانوا مثله، واذا خبروه امينا على مال الناس، حريصا على حفظ حقوقهم تقمصوا شخصيته.
يقول امير المؤمنين عليه السلام يصف الحالة بقوله {والله لقد رايت عقيلا وقد املق حتى استماحني من بركم صاعا، ورايت صبيانه شعث الشعور، غبر الالوان، من فقرهم، كانما سودت وجوههم بالعظلم، وعاودني مؤكدا، وكرر علي القول مرددا، فاصغيت اليه سمعي، فظن اني ابيعه ديني، واتبع قياده مفارقا طريقتي، فاحميت له حديدة، ثم ادنيتها من جسمه ليعتبر به، فضج ضجيج ذي دنف من المها، وكاد ان يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل، يا عقيل، اتئن من حديدة احماها انسانها للعبه، وتجرني الى نار سجرها جبارها لغضبه؟ اتئن من الاذى ولا ائن من لظى}.
وقد يتسائل المرء، ما قيمة الصاع لو ان امير المؤمنين عليه السلام قد تصدق به على اخيه؟ سرا من دون ان يعلم احد من المسلمين؟ اولم يوصي الله تعالى بالقربى حسنا؟.
ابدا، فالسرقة لا تقاس بالحجم وانما بالفعل، صغرت ام كبرت، وان من يتجرا اليوم على سرقة فلس، بالسر، سيتجرا غدا على سرقة قنطار من ذهب، بالعلن، وهذا هو معنى الامانة عند امير المؤمنين عليه السلام، فهي لا تقاس بالكم او بالعدد وانما بما هي بنفسها، وان من يشرعن سرقته وعدوانه على حق الناس بآية او رواية، انما يخدع نفسه، اما الله تعالى فلا يخدع عن جنته ابدا، كما ان الناس لا يخدعون بمثل هذه التنظيرات التافهة، والحجج المكشوفة والمفضوحة.
جيم: حكومة لا معنى فيها للظلم، فلا الحاكم يظلم الرعية ولا الرعية تظلم الحاكم، ولا الفقير يظلم الغني ولا الغني يظلم الفقير، ولا الرجل يظلم المراة ولا المراة تظلم الرجل، ولا الصغير يظلم الكبير ولا الكبير يظلم الصغير.
حكومة، يكون فيها القانون فوق الجميع وبلا تمييز بين حاكم ومحكوم، او بين غني وفقير، فالعدل لا يستقيم مع التمييز ابدا، والانصاف لا يتحقق الا اذا خضع الجميع للقانون.
لقد شكا يهودي عليا الى عمر، فقال لعلي: ساو خصمك يا ابا الحسن، فوقف علي الى جوار اليهودي اما عمر، وعندما قضى الاخير وانصرف اليهودي، قال عمر: اكرهت يا علي ان تساوي خصمك؟ قال: لا، بل كرهت ان تميزني عنه فتناديني بكنيتي (ابو الحسن).
ان تمييز الحاكم نفسه وعشيرته واقاربه ورفاق حزبه عن الاخرين اما القانون، اعظم مفسدة في الدولة، فالقانون الذي يجري على الضعيف ولا يجري على القوي المحمي يفسد المجتمع اكثر مما يصلح، ولذلك سعى رسول الله (ص) وامير المؤمنين عليه السلام الى بذل كل ما بوسعهما من اجل ان لا يشعر الضعيف في ظل حكومتهم بانه هدف سهل للقانون، وان الاخر القوي لا يصطاده القانون لانه محمي برئيس الحكومة او بوزير من وزرائه.
لقد كتب مرة امير المؤمنين عليه السلام الى بعض عماله بشان مخالفات قانونية كانوا قد ارتكبوها، فختم كتابه بقوله عليه السلام {فاتق الله واردد الى هؤلاء القوم اموالهم، فانك ان لم تفعل ثم مكنني الله منك لاعذرن الى الله فيك، ولاضربنك بسيفي الذي ما ضربت به احدا الا دخل النار، ووالله لو ان الحسن والحسين فعلا مثل الذي فعلت، ما كانت لهما عندي هوادة، ولا ظفرا مني بارادة، حتى آخذ الحق منهما، وازيح الباطل عن مظلمتهما} حتى لا يظن احدا ان الامام ياخذ على يد الظالم بقوة القانون اذا كان بعيدا ويتساهل معه او يغض الطرف عنه اذا كان قريبا، ابنه مثلا، ابدا.
ولقد قال رسول الله (ص) مرة يصف سبب هلاك الامم السالفة بقوله {ايها الناس، انما أهلك الذين قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم الشريف، القوي المدعوم صاحب الجاه، تركوه، واذا سرق فيهم الضغيف اقاموا عليه الحد}.
انه اليوم حالنا في البلاد العربية والاسلامية، ولذلك غاب القانون ويئس الضعيف من العدل، وتبختر القوي بظلمه وتجاوزه على حقوق الاخرين، خاصة اذا كان من الحزب الحاكم او من العائلة المالكة.
دال: وفي هذه الحكومة، يكون الاصلاح هو السمة العامة في المجتمع، ان على الصعيد الاجتماعي او الاقتصادي او السياسي او الامني او على اي صعيد آخر، فالعدل لا ينبت الا في بيئة صالحة، والاستقرار لا يتحقق الا في مجتمع صالح خال من التمييز، والامن لا يستشعره المواطن الا في اجواء الصلاح والاصلاح، والتنمية لا تتحقق الا على ارضية صالحة، لان الفساد يفسد الحياة، فتتحول الى موت بطئ.
لقد لخص القران الكريم مهمة الانبياء بالاصلاح وذلك في قوله عز وجل على لسان نبي الله هود عليه السلام {قال يا قوم ارايتم ان كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما اريد ان اخالفكم الى ما انهاكم عنه ان اريد الا الاصلاح ما استطعت وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب}.
وان اول ما يجب اصلاحه هو الثقافة والفكر عندما تصاب الامة بالانحرافات الفكرية والثقافية التي تنتهي بسكوتها عن الظلم والحبف، فتتحول الى قطيع في حضرة الحاكم تصفق له على اي حال، وتستجدي منه الفضل من موائد اللئام.
واذا تم اصلاح الفكر والثقافة، وتسلحت الامة بكل ما ينشط عقلها ويحسن من طريقة تفكيرها، ستصلح كنتيجة لذلك النظام السياسي، الذي اذا فسد وانحرف، انتج حياة تنتشر فيها كل سموم الانحراف والتخلف والتبعية والتقهقر.
كما يجب، بعد ذلك، اصلاح نظم التعليم والصحة والبيئة والتربية والمرور، وكل ما يشكل عامل من عوامل تقدم الامة وازدهار حضارتها.
هاء: كما ان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر سيكون من سمات هذه الحكومة، هذا المبدا الذي يعني المشاركة الحقيقية والواقعية في الشان العام، بما يضمن للجميع حق المشاركة في العملية السياسية وفي الحركة الاقتصادية والتجارية الجارية في البلاد، من دون ان تحتكر ثلة من الناس مقاليد الامور وعلى مختلف المستويات، فيما يتم اقصاء الاخرين عن امكانيات الدولة، ما يصنع حالة مرفوضة من الاحتكار وتاليا الطبقية التي تسبب في كل توتر سياسي واجتماعي يمكن ان يشهده البلد.
ولقد دعا القران الكريم الناس الى صناعة امة تامر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وذلك في قوله عز وجل {ولتكن منكم امة يدعون الى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر واولئك هم المفلحون} لان مصدر قوة المجتمع، اي مجتمع، هو حضور مبدا المشاركة في الحياة العامة، والذي لا يمكن تحقيقه الا بتفعيل مبدا المسؤولية التضامنية بين ابناء كل المجتمع من دون تسلح شريحة منه بفكرة الهروب من المسؤولية واللاابالية، لان مثل هذه الفكرة تشل الانسان في المجتمع، وبالتالي تشل طاقته التي يمكن ان تكون عاملا مساعدا في بناء الامة.
ولذلك كله، ربط القران الكريم فكرة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بقيم الايمان والخير والمعروف والاصلاح، كما في قوله تعالى في:
يؤمنون بالله واليوم الاخر ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين.
ولقد وصف امير المؤمنين علي السلام الامر بالمعروف والنهي عن المنكر بقوله {وان الامر بالمعروف والنهي عن المنكر لخلقان من خلق الله سبحانه}.
كما انه عليه السلام عزا سبب لعن الله تعالى للقرون الماضية بسبب تركهم لهذا المبدا، فيقول {فان الله سبحانه لم يلعن القرن الماضي بين ايديكم الا لتركهم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلعن الله السفهاء لركوب المعاصي والحلماء لترك التناهي}.
وليس المقصود بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر، نهي شارب الخمر مثلا او المرأة التي تظهر خصلة من شعرها، فان ذلك تشويه للمبدا العظيم، انما المقصود به قبل هذا وذاك، ما يتعلق بالامة وشانها العام، وعلى راس ذلك النظام السياسي، فلماذا ترانا نستذكر كل آيات التهديد والوعيد لنقذفها بوجه المراة اذا ما اظهرت خصلة من شعرها او بعض زينتها، ولا ننبس ببنت شفة ونصمت صمت اهل القبور ونحن ننظر الى الحاكم يسرق اموال الناس ويعتدي على حقوق المواطنين ويفسد في الارض ويرتشي ويكمم الافواه ويصادر الحريات ويزج بالابرياء في السجون والمعتقلات ويطارد الشرفاء ويمنع المفكرين والمثقفين الاحرار من ابداء رايهم؟ اوليس كل ذلك اخطر على الامة من خصلة شعر المراة وزينتها؟ فاين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر من كل هذا؟.
للاسف الشديد، فلقد تشبثت الامة بالامر والنهي (الفردي) وتركت الامر والنهي (الاجتماعي) فكان الذي نراه اليوم من حال الامة المتخلف وعلى كل الاصعدة.
لقد استهدف الحسين السبط عليه السلام في حركته ونهضته المباركة، الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (سياسيا) اولا وقبل اي شئ آخر، عندما نزا على السلطة بغير حق حاكم فاسق فاجر ظالم يعمل في عباد الله بالظلم والعدوان، ابن الطلقاء يزيد، لان مثل هذا المنكر اخطر من اي منكر فردي آخر.
واو: ولان الحسين السبط وعد بان يسير بسيرة جده وابيه في الحكم، لذلك فانه كان سيدعو الناس للبيعة العامة اولا وقبل ان يتخذ اية خطوة اخرى، لان شرعية السلطة في نظر الاسلام لا تستقيم الا برضى الناس، ولذلك دعا رسول الله (ص) الناس الى البيعة في اكثر من مرة لتوكيد شرعية سلطته الدنيوية، كما ان امير المؤمنين عليه السلام رفض السلطة قبل بيعة الناس له بيعة عامة، بالاضافة الى ان الحسن السبط هو الاخر رفض السلطة، قبل ان تؤول الى معاوية، قبل البيعة العامة التي دعا اليها في المسجد الجامع، مسجد الكوفة آنئذ.
وان من بين الاسباب التي دعت الحسين السبط للذهاب الى الكوفة دون سواها من الامصار، هو ان جل الصحابة من المهاجرين والانصار وكذلك عدد كبير جدا من التابعين كانوا لازالوا يقيمون فيها بعد هجرتهم اليها مع ابيه امير المؤمنين عليه السلام الذي اتخذها عاصمة لخلافته، ولقد كانت البيعة آنئذ تستقيم اذا ما اخذها الحاكم منهم ليحتج بها على من سواهم من المسلمين، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عليه السلام محاججا معاوية بن ابي سفيان عندما تمرد عليه بعد البيعة الاستثنائية التي اعطاها له كل المهاجرين والانصار باستثناء اثنين او ثلاثة.
يقول عليه السلام في كتاب له الى معاوية المتمرد على السلطة الشرعية:
انه بايعني القوم الذين بايعوا ابا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد ان يختار، ولا للغائب ان يرد، وانما الشورى للمهاجرين والانصار، فان اجتمعوا على رجل وسموه اماما كان ذلك لله رضى، فان خرج عن امرهم خارج بطعن او بدعة، ردوه الى ما خرج منه، فان ابى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى.
فلو كان الحسين السبط عليه السلام قد وصل الكوفة سالما، لفعل الامر ذاته، اذ كان اولا قد دعا الناس الى البيعة العامة، لتوكيد شرعية سلطته الجديدة، طبعا من دون ان يكره احد عليها او يغصب احد عليها، لان الماخوذ غصبا لا اعتبار شرعيا له، في نظر الاسلام، وفي سيرة رسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع).
زاء: وفي حكومته عليه السلام، لا يذل مواطن لاي سبب كان، فمأكله وملبسه ومركبه وعمله وحياته المعيشية مضمونة وشانه، فلا فقير يستجدي ولا ضعيف يرمى على قارعة الطريق، ولا عجوز تسحقه قسوة الحياة عند هرمه، ولذلك رفض الحسين السبط الذلة، لتتحول العزة والكرامة الى ناموس اجتماعي يتحسسه ويعيشه كل المواطنين في ظل حكومته، اوليس هو القائل {هيهات منا الذلة} لان {العزة لله ولرسوله وللمؤمنين} كون الله تعالى خلق الانسان وكرمه، بنص قوله عز وجل {ولقد كرمنا بني آدم} والكرامة هي نتيجة توفر وسائل العيش الرغيد بعرق الجبين، او ببيت المال لاي سبب قاهر خارج عن ارادة الانسان، كان.
مما تقدم يمكن القول وبضرس قاطع، ان هدف الامام الحسين عليه السلام من حركته هو اقامة سلطة العدل التي تعتمد قيم القران الكريم وسيرة جده وابيه، تلك السيرة العملية التي رسمت الصراط المستقيم لكل من يريد ان يقيم السلطة السياسية التي تضمن للناس حقوقهم فلا يتجاوز عليها احد.
انها سلطة الانسان الذي خلقه الله تعالى في احسن تقويم، بغض النظر عن دينه ولونه واثنيته وجنسه، ولذلك فان كل آيات القران الكريم تشير بما لا يدع مجال للشك، الى ان سلطة الاسلام هي سلطة مدنية وليست دينية، بمعنى انها تنطلق من الانسان ومصالحه وحقوقه لتنتهي اليه، ولذلك نلحظ ان كل الايات التي تتحدث عن الحقوق والعدل والامن والخيرات التي وهبها الله تعالى، تخاطبنا بصيغة (الناس) وليس بصيغة المسلمين او المؤمنين، لان كل الناس لهم نفس الحقوق في ظل دولة الاسلام، بغض النظر عن اي شئ يميزهم عن بعض، كقوله تعالى في الايات التالية {ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس} {يا ايها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا} {ولا تجعلوا الله عرضة لايمانكم ان تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس} {ان الله يامركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل} {لا خير في كثير من نجواهم الا من امر بصدقة او معروف او اصلاح بين الناس} {واخذهم الربا وقد نهوا عنه واكلهم اموال الناس بالباطل} {من اجل ذلك كتبنا علي بني اسرائيل انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكانما قتل الناس جميعا ومن احياها فكانما احيا الناس جميعا} {ويا قوم اوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس اشياءهم}.
فالامن لكل الناس، وكل انواع الخيرات التي وهبها الله تعالى لعباده سواء تلك التي في البر والبحر أو تحت الارض وفوق الثرى، هي لمنفعة كل الناس، والعدل والاحسان لكل الناس، والمعروف والاصلاح لكل الناس، وحفظ الاموال وعدم التجاوز عليها لكل الناس، كما ان حفظ دماء الناس وحرمة حياتهم لكل الناس، والبر والتقوى لكل الناس كذلك، ما يعني بان مسؤولية الدولة (الاسلامية) وواجباتها يجب ان تشمل كل الناس وليس لفئة دون اخرى.
حركة الحسين السبط في عاشوراء، اذن، كانت قرآنا ناطقا، لو ثنيت له الوسادة لغير اشياء واشياء.
ولو لم يرفض الحسين السبط عليه السلام البيعة ليزيد بن معاوية، لكان قد منح الطلقاء وابناء الطلقاء شرعية اعتلاء السلطة باسم الاسلام، وهم الذين حرم الرسول الكريم (ص) وبامر الله عز وجل عليهم السلطة والخلافة والشورى، كما احتج بذلك امير المؤمنين عليه السلام عندما تمرد عليه معاوية بعد بيعة المسلمين، المهاجرين والانصار، له بقوله { واعلم انك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى}.
ولكان قد شرعن توريث السلطة في الاسلام، وهما اخطر بدعتين ابتدعهما الحكم الاموي.
ولكان قد شرعن نظرية (السبق) في الحكم، والتي تعني عند معتنقيها ان السلطة حق لمن سبق اليها، بغض النظر عن الطريقة التي يستولي فيها على السلطة، ابالتآمر او بالقتل او بالتضليل او حتى بالانقلاب العسكري، فالناس لا دخل لهم في شانها.
وهذا هو جوهر الفرق بين الحكومة (الدينية) الكاذبة التي تسخر الدين من اجل السلطة، وبالتالي ترفع الدين سيفا مسلطا على من يحتج على ظلمها وعدوانها على حقوق الناس، وهي الحكومة التي اقامها بني امية وبني العباس وكل طاغوت يحاول خداع الناس باسم الاسلام، وبين الحكومة (المدنية) التي تنبع من الانسان لتنتهي اليه، من اجل حفظ حقوقه وتامين مصالحه، حكومة لا توظف الدين من اجل السياسية، وانما العكس هو الصحيح، فانها توظف كل شئ من اجل الدين، والدين هنا هو (مصالح العامة) أو لم يقل رسول الله (ص) {المسلم من سلم الناس من يده ولسانه} ؟ و {من لا انصاف له لا دين له}؟ وتلك هي الحكومة التي اقامها رسول الله (ص) وامير المؤمنين عليه السلام وحاول ان ينجزها الحسين السبط عليه السلام.
ان عاشوراء حفظت الاسلام من الانحرافات والبدع السياسية تحديدا، لان حركة الحسين السبط عليه السلام كانت سياسية بالدرجة الاولى، ولذلك قال في وصيته التي تركها عند اخيه محمد بن الحنفية {واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب} في الحكم والسلطة، في اقامة العدل وانصاف المظلوم والاخذ على يد الظالم، واعادة الحق الى الناس في اختيار الحاكم، من دون فرض او اكراه.
واذا اردنا ان نكون حسينيين حقا وصدقا، فان علينا ان نجسد قيم عاشوراء في السياسة والحكم كما اننا نسعى لتجسيدها في العلاقات العامة والاخلاق والتربية وفي كل شئ، فعاشوراء منظومة كاملة لا تقبل القسمة ابدا، فاما ان نكون حسينيين ابدا، او امويين ابدا.

18 كانون الاول 2009

الخميس، كانون الأول ١٧، ٢٠٠٩

معركة الاعلام ضد الفساد

مهـدي زايـر جـاسم
..................

إن قدرة الفساد المستمرة على توسيع مجالاته تأتي من غياب الرقابة، فكلما زادت الرقابة تراجع الفساد، وكلما تراخت الرقابة توسع الفساد. وهناك نوعان من الرقابة اللذان يمكنهما وقف زحف الفساد، وجعله يتراجع: الأول، الرقابة السياسية، مما يعني مشاركة المجتمع في إدارة شؤونه عبر منحه القدرة على التأثير في القيادات السياسية الموجودة على رأس الدولة، وهو ما يحتاج إلى الحريات السياسية.
الثاني، الرقابة الإعلامية، وهي الرقابة الضرورية من أجل ملاحقة كل وسائل الفساد في كل المجالات والقطاعات. ولأن الفساد له القدرة على تمويه نفسه، فإن الوظيفة الأساسية للإعلام هو كشفه بكل تمويهاته. ولكن هذا ما يتطلب إعلاماً حراً، ولأن المجتمع يعمل كآلة متكاملة، فإن الحرية الإعلامية تتكامل مع الحرية والمشاركة السياسية، للوصول إلى الأهداف الأساسية التي يصيغها المجتمع لنفسه، ولإيجاد رقابة فعالة في مواجهة أي خروج عن القانون، أو أي توظيف شخصي للقانون، يجعله يؤدي خدمات شخصية مادية أو معنوية.
ولأن المعركة مع الفساد معركة قاسية وطويلة فهي تحتاج إلى دعم الإعلام من قبل جميع الهيئات العاملة في السلطة مثل مجلس النواب ورئاسة الوزراء ومجلس الرئاسة، ومنحها الحق في أداء العمل الصحفي بكل مهنية وموضوعية ولكن أيضاً دون خوف أو ملاحقة، مما يعني الحاجة إلى حماية الصحفي في عمله خصوصاً العاملين في قضايا الفساد.
إن نجاح وسائل الإعلام في معركتها ضد الفساد لا يتوقف عليها وحدها، فهذا النجاح يتوقف أيضاً على عناصر خارجية، بما فيها قوانين حرية الصحافة والتي تضمن عمل الصحفي ولا تسمح لأحد بالتعرض له إلا في إطار القانون، وقانون حماية الصحفيين الذي لايزال مركون على رفوف البرلمان وهذا النجاح يحتاج أيضاً إلى قضاء مستقل استقلالاً حقيقياً، وإلى بيئة معادية للفساد تسمح لوسائل الإعلام بأن تكون رادعاً فاعلاً لمرتكبي جرائم الفساد.
ومن أجل الحماية الذاتية للصحفي، يجب أن تكون السلامة في العمل من أهم عناصر التدريب الصحفي، وهذا يقتضي عند توافر الموارد الضرورية، العمل في فرق عمل، مما يجعل الضغوطات أصعب، كما يجب على الصحفي الذي يعمل في قضية فساد إبلاغ الزملاء في العمل عن تحركاته ؛ لأن العمل في قضايا الفساد يحمل دائماً مخاطر شخصية على الصحفي ولا شك بأن هناك حاجة إلى تنظيف البيت من الداخل.
فالعديد من وسائل الإعلام ذاتها تعاني من ظواهر الفساد، ولا يستطيع الفاسد نفسه محاربة الفساد وإلا تحولت محاربة الفساد إلى قضية سخرية، ولسوء الحظ يتفشَّى تقاضي المال مقابل الترويج لأمور معينة في كتابة المقالات في العديد من الصحف، فهناك من يعتبر أن تقاضي الصحفيين المال مقابل ما يكتبونه في مقالاتهم أمر شائع وعادي وليست قضية ذات أهمية.
يشكل الفساد كارثة حقيقية على المجتمعات، وتزداد كارثيته في الدول الفقيرة. ولأن أغلب دول العلم الثالث تندرج ضمن هذه الدول، ولأنها تفتقد إلى آليات رقابة فعلية على الفساد سواء سياسية أو إعلامية، فإن الحاجة إلى إطلاق الإعلام في ملاحقة الفساد الذي أصبح يعشعش في كل مكان، باتت حاجة ضرورية، وإلا فإن الفساد سيتسبب في انهيار العديد من الدول بحكم الشمولية التي وصل إليها الفساد، حتى كاد يتحول إلى نمط إنتاج أو اقتصاد موازٍ لم يعد الصمت ممكناً، ولم يعد الانتظار ممكناً، لتطلق وسائل الإعلام على الأقل في هذه المعركة وإن كانت غير متكافئة.

الثلاثاء، كانون الأول ١٥، ٢٠٠٩

الحسين..الخروج للسلطة

نـــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM
في ذكرى عاشوراء الحق والعدل والحرية والكرامة والتضحية

يفسر البعض حركة السبط الشهيد الامام الحسين بن علي بن ابي طالب بن فاطمة الزهراء بنت رسول الله (ص) في عاشوراء عام 61 للهجرة، على انها (خروج على السلطة) والصحيح هي انها (خروج للسلطة) والفرق، كما هو واضح، كبير جدا، فالتفسير الاول يقصد منه الطعن بشرعية الحركة، اما الثاني فيعني بان الحركة تتمتع بالشرعية الذاتية، اي انها تحمل شرعيتها بذاتها وليس بعوامل خارجية او مساعدة.
ولقد بثت السلطة الاموية الغاشمة، بعيد واقعة عاشوراء عام 61 للهجرة مباشرة، هذا التفسير بين الناس لاسقاط الشرعية عن حركة الامام وسلبها موقعها الرائد في نفوس الناس، باعتبارها حركة غير شرعية سعت الى الاطاحة بالنظام السياسي القائم، فوظفت من اجل ذلك كم هائل من الاحاديث المزورة وغير الصحيحة التي انبرى وعاظ السلاطين وفقهاء الجور الى وضعها ونسبتها الى رسول الله (ص) مقابل حفنة من الاموال او منصب دنيوي زائل.
واستمر هذا النوع من التثقيف حتى شب عليه الطفل الرضيع ومات عليه العجوز والعجوزة.
والغريب في الامر، ان هذا التفسير اضحى، بمرور الزمن، قاعدة فقهية عند الكثير من (العلماء والفقهاء) وعلى مر التاريخ والى يومنا هذا، يلجا اليه الطغاة والجبابرة والمستبدين من حكام الجور والظلم والظلال كلما سعت الشعوب الى ممارسة التغيير والتجديد في السلطة السياسية، وكأن الحكم الاموي الجائر تحول الى قاعدة فقهية عند امثال هؤلاء (الفقهاء) ليبرروا به ظلم الحكام الجبابرة، والقمع والسحق المنظم لحقوق الانسان والامتهان المستمر لكرامته المهدورة، والتي تمارسها الانظمة الجائرة ضد الشعوب المقهورة باسم الدين وباسم الاسلام.
لقد ظل هذا النوع من التفسير والتثقيف، المبرر الاول لكل عملية استيلاء على السلطة بالاكراه والقوة، بعد ان تحولت السياسة عندهم الى عمل يخص من يطلقون عليه عبارة (الاصلح) وهو بمعنى الاستيلاء على السلطة بالقوة والمكر والخديعة، بعد ان احاطوا هذا المصطلح وامثاله بحشد من الاحاديث الاموية المكذوبة منها ما ترويه الصحاح عن رسول الله (ص) قوله {من راى من اميره شيئا فليصبر عليه فان من فارق الجماعة شبرا فمات مات ميتة جاهلية} ليغلقوا، بمثل هذا التنظير، كل الابواب التي قد تؤدي الى التغيير السياسي والقيام ضد حكام الجور والظلم.
وهذا القاضي ابو يوسف صاحب الامام (ابي حنيفة) يقرر هذا المبدا في خطابه لـ (هارون الرشيد) العباسي، وهو الذي اعتلى السلطة بالقتل والفتك والتآمر، في مقدمة كتاب (الخراج) الذي الفه له، فيقول:
يا امير المؤمنين، ان الله، وله الحمد، قد قلدك امرا عظيما، ثوابه اعظم الثواب وعقابه اشد العقاب، قلدك امر هذه الامة، وانت تبني لخلق كثير، ولاك امرهم، فلا تضيعن ما قلدك الله من امر هذه الامة والرعية، فاقم الحق فيما ولاك الله وقلدك، ولو ساعة من نهار، واني اوصيك يا امير المؤمنين بحفظ ما استحفظك الله، ورعاية ما استرعاك الله، وانما لك من عملك ما عملت فيمن ولاك الله امره، وعليك ما ضيعت منه، فلا تنس القيام بامر من ولاك الله امره.
هذا النص يعني ان الخلافة عند (ابي يوسف) امر قلده الله للخليفة، وسلطة مكنه الله منها ليحكم بها عباده، وليس بعد ذلك كيف تقلدها أبالسيف ام بالتآمر ام بالقتل والفتك ام بالانقلاب العسكري، اذ ليس للامة دور في هذه السلطة.
وبالعودة قليلا الى الوراء، نلحظ ان هذا الفهم توارثه (المسلمون) جيلا عن جيل حتى نصل الى الخليفة الثالث، الذي قال لمن طلب منه ان يستقيل من منصب الخلافة:
لا انزع قميصا البسنيه الله عز وجل.
ويقول ايضا:
اما ان اتبرأ من خلافة الله، فالقتل احب الي من ذلك.
الى هنا ليس في الامر غرابة، اذ ان من الطبيعي ان يلجا الطاغوت، اي طاغوت ومن حوله من جيوش وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط واصحاب الاقلام الماجورة والضمائر الميتة، وما اكثرهم في كل زمان ومكان، الى تشويه سمعة الحركة الثورية التي تنشد التصحيح والاصلاح في البلاد، خوفا على سلطته من الانهيار والزوال.
الا ان الذي يبعث على الدهشة والغرابة حقا، هو طريقة تفكير بعض ممن يذوب في الحسين عليه السلام وثورته وحركته واهدافه ومبادئه، والتي تدفعه الى عدم الاعتقاد بتفسير حركة الامام عليه السلام على انها (خروج للسلطة) على اعتبار ان مثل هذا التفسير يعطي معنى (طلب الامام للسلطة) وهذا ما يقلل من قيمة الامام ويخدش بعصمته ومكانته في قلوب المؤمنين، ولذلك يكفر امثال هؤلاء بمثل هذا التفسير والمنطق ليحفظوا للامام منزلته وقدسيته في قلوبهم، على حد زعمهم، ثم تراهم يلجأون الى التفسيرات الغيبية لمجمل واقعة عاشوراء هربا من اعمال، بكسر الالف، العقل والمنطق السليم في تفسير حركة الامام الحسين عليه السلام التفسير الصحيح والصائب والمعقول.
انهم يرفضون اي تفسير (مادي) لحركة الامام الحسين عليه السلام، ويحصرون وعيهم بالغيب والعواطف فحسب، فيعتقدون بان الحسين السبط خرج للشهادة اولا واخيرا، وليس قبلها او بعدها اي خطط او رؤية كان الحسين عليه السلام قد تبناها من اجل التغييروالاصلاح.
انهم يعتقدون ان (طلب السلطة) امر حرام في كل الاحوال، لا ينبغي لمثل الحسين السبط ان يرتكبه، او يتورط فيه، فالسلطة لأصحابها والامامة لاهلها.
في هذا المقال، ساحاول ان اثبت بان حركة الامام الحسين عليه السلام كانت خروجا من اجل السلطة وليست خروجا على السلطة، بمعنى آخر، انها كانت خروجا شرعيا طلبا للسلطة وليست خروجا غير شرعيا على السلطة.
وفي البدء، دعونا نطرح السؤال التالي، وهو، هل يحق لاحد ان يطلب السلطة؟ ام ان ذلك حرام لا يجوز شرعا؟.
القران الكريم يجيب على هذا السؤال بالايجاب في قوله تعالى على لسان النبي يوسف الصديق عليه السلام {اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم} وكذلك في قوله عز وجل على لسان نبي الله سليمان عليه السلام {قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي انك انت الوهاب} كما يذكرها القرآن الكريم في قصة النبي داوود عليه السلام مع جالوت بقوله عز وجل {فهزموهم باذن الله وقتل داوود جالوت وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين} وفي اخرى متحدثا عن عدة انبياء {اولئك الذين آتاهم الكتاب والحكم والنبوة فان يكفر بها هؤلاء فقد وكلنا بها قوما ليسوا بها بكافرين} وفي قصة النبي يحيا {يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا} ما يعني ان طلب السلطة أو ممارستها ليس عيبا كما انه ليس عملا مشينا ابدا، شريطة ان يكون طالبها على قدر المسؤولية، خاصة عندما يكون مثل هذا الطلب لتحقيق العدل وانصاف المظلومين، اذ يكون في مثل هذه الحالة واجب شرعي على القادر على تحمل مسؤوليته ان يتصدى له مهما كان الثمن، والى هذا المعنى اشار الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الذي طلب السلطة اكثر من مرة منذ وفاة الرسول (ص) كما في قوله عليه السلام مثلا:
{اما والذي فلق الحبة، وبرا النسمة، لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر، وما اخذ الله على العلماء الا يقاروا على كظة ظالم، ولا سغب مظلوم، لالقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكاس اولها، ولالفيتم دنياكم هذه ازهد عندي من عفطة عنز}.
وبهذا النص يحدد الامام عليه السلام الشروط التي يجب ان تتوفر لمن يطلب السلطة، والتي هي:
اولا؛ البيعة، اي قبول الناس به، فلا يطلب السلطة او ينزو عليها بالقهر والقوة، لان ذلك بمثابة الاستيلاء على حق الناس والذي لا يجوز لا شرعا ولا عرفا.
ثانيا؛ العلم بها والقدرة عليها والتمكن منها.
ثالثا؛ ان يكون طلب السلطة من اجل ردع الظالم والانتصار للمظلوم، اي اقامة الحق والعدل.
كما ان الامام الحسن السبط عليه السلام حدد شروط طلب السلطة في محاججة رائعة مع معاوية بن ابي سفيان بن هند آكلة الاكباد، حين قال له الاخير بعد الصلح، اذكر فضلنا، اي فضل بني امية، فخطب الحسن السبط قائلا، بعد ان حمد الله واثنى عليه وصلى على محمد النبي وآله، ثم قال:
من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فانا الحسن بن رسول الله، انا ابن البشير النذير، انا ابن المصطفى بالرسالة، انا ابن من صلت عليه الملائكة، انا ابن من شرفت به الامة، انا ابن من كان جبرائيل السفير من الله اليه، انا ابن من بعث رحمة للعالمين صلى الله عليه وآله اجمعين، فلم يقدر معاوية ان يكتم عداوته وحسده، فقال: يا حسن، عليك بالرطب فانعته لنا، في محاولة منه لتغيير مسار الحديث خوف الفتنة اذا ما اطلع اهل الشام على الحقيقة التي ظل يخفيها عليهم معاوية عقود طوال بالتضليل الاعلامي والتزوير والتحريف وشراء الذمم، فقال الحسن السبط: نعم يا معاوية، الريح تلقحه والشمس تنفحه والقمر يلونه والحر ينضجه والليل يبرده، ثم اقبل عليه السلام على منطقه فقال:
انا ابن المستجاب الدعوة، انا ابن من كان من ربه كقاب قوسين او ادنى، انا ابن الشفيع المطاع، انا ابن مكة ومنى، انا ابن من خضعت له قريش رغما، انا ابن من سعد تابعه وشقى خاذله، انا ابن من جعلت الارض له طهورا ومسجدا، انا ابن من كانت اخبار السماء اليه تترى، انا ابن من اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فقال بن هند، اظن نفسك يا حسن تنازعك الى الخلافة؟ فقال السبط عليه السلام:
ويلك يا معاوية انما الخليفة من سار بسيرة رسول الله (ص) وعمل بطاعة الله، ولعمري انا لاعلام الهدى، ومنار التقى، ولكنك يا معاوية ممن ابار السنن واحيا البدع واتخذ عباد الله خولا ودين الله لعبا فكان قد اخمل ما انت فيه، فعشت يسيرا وبقيت عليك تبعاته.
وفي النص، كما هو واضح، تصريح بطلب الحسن عليه السلام للسلطة بعد ان ثبت مواصفات الحاكم الصالح الذي يستحقها، نافيا ان يكون معاوية ذلك الحاكم المامول لا من قريب ولا من بعيد.
وهنا يشخص الفارق بين طلاب السلطة، فبينما يطلبها المؤمن من اجل اقامة الحق والعدل وتحقيق المساواة بين الناس من خلال تمتعهم بالحرية والكرامة بلا تمييز لا على اساس الدين ولا على اساس المذهب او العنصر او الجنس، بالاضافة الى سعيه لانجاز مبدا تكافؤ الفرص، وحمايته لبيت المال وتحقيق الامن، ترى الاخر يطلبها من اجل السطوة وتمكين اهله وعشيرته من رقاب الناس واموالهم وكرامتهم، وباختصار، فانه يطلبها ليتخذ مال الله دولا وعباده خولا.
ان المضحك المبكي حقا، هو ما نراه من حالنا التعيس ازاء السلطة، فبينا ترانا نرقص فرحا اذا ما نزى على السلطة جاهل او قاتل او لص او سكير او منافق او عميل، فنملا الشوارع بمسيرات التاييد ولافتات الترحيب، وتهتز الارض برقصات الطرب وتتمايل الاشجار باصوات قرع الطبول والمزامير، اذا بنا نتصرف عكس ذلك اذا ما سعى مصلح الى السلطة لتغيير الحال، وكأن السلطة حكر على كل متجبر ومستبد وهي ممنوعة على المؤمنين الصالحين؟.
لماذا؟ لاننا بتنا نعتقد بان السلطة حلال زلال على قلوب اللصوص والخمارين والدجالين والقتلة، وحرام على الامام والعالم والمتدين والملتزم والعادل والذي يخاف الله في عباده.
ان كل ذلك نتيجة تراكمات الثقافة السلبية التي تعودنا عليها وتعلمناها من التاريخ، لتصبح اليوم واقع الحال، اذا بشعوبنا تحكمها انظمة ظالمة وحكام مردة، لتتحول هي في ظلها الى قطيع من الاغنام يذبحها الطاهي متى يشاء ليقدمها لقمة سائغة على مائدة السلطان، وكل ذلك شئ طبيعي الفته الشعوب من دون ان ينبس احد ببنت شفة، وكأن الله تعالى خلق الناس صنفين، الاول للسلطة والثاني للخدمة، الاول للسيادة والثاني للعبودية.
ان طلب السلطة امر مشروع، وان طموح المرء لنيلها امر مستحسن، شريطة ان لا تكون ادواتها الدم والقتل وجماجم الابرياء والغش والخداع والتضليل، كما هو حال الانظمة الشمولية الاستبدادية القائمة حاليا في جل بلادنا العربية والاسلامية، والتي لم يصل فيها الحاكم الى سدة الحكم الا بالتآمر والقتل والاغتيال ومطاردة الشرفاء وتكميم الافواه وسحق حقوق المواطنين، وحجته انه دون غيره الاكفا لهذه المسؤولية وان (الله تعالى) هو الذي البسه قميص الخلافة والامرة، وهو المصطلح الذي توارثه الطغاة منذ ما بعد صدر الاسلام ولحد الان.
فضلا عن ذلك، فان السلطة آنئذ، كانت باسم الدين وباسم الاسلام وباسم رسول الله (ص) فكان كل من يستولي عليها يتسمى اما بالخلافة او بامرة المؤمنين، وبمرور العقود والقرون راح السلطان يتسمى باسم الله مباشرة من دون واسطة، فكيف يحق لسكير، مثلا، او طريد او طليق، ان يتسمى بالخلافة والامرة ورب العالمين، ولا يحق ذلك لمؤمن؟ ولسبط الرسول الكريم (ص) تحديدا؟.
ان العقل والمنطق وكذلك الواقع يحتم على الانسان ان يقبل بسلطة ما فلا يبقى من دونها فتعم الفوضى، والسلطة هي من اجل اقامة العدل بين الناس، وليس بعد ذلك كيف يجب ان تكون هويتها او زي من يتصدى لها، والى هذا المعنى اشار الامام علي عليه السلام بقوله {وانه لا بد للناس من امير بر او فاجر يعمل في امرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ فيها الله الاجل، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتأمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، ويستراح من فاجر} الا ان العقل والمنطق وكذلك الواقع يحتم كذلك على الانسان ان يختار الامرة الخيرة والبارة من اجل اقامة العدل والقسط، اذا ما خير بين امرتين واحدة صالحة واخرى فاجرة، وان كان الهدف الذي يسعى الى تحقيقه واحد لا يختلف في جوهره، وهو، كما اسلفت، اقامة العدل بين الناس.
نعود الان الى صلب الموضوع، لاعيد السؤال مرة اخرى، ولكن هذه المرة فيما يخص الحسين السبط عليه السلام، فنقول؛
هل يحق للامام الحسين عليه السلام ان يطلب السلطة؟ ام انها شان غيره وانها حرام عليه وحلال لغيره؟ وان طلبه لها يقلل من شانه ويقدح بعصمته؟.
وهل ان كل طلب للسلطة بمثابة الميل للدنيا وتعبير عن هوى النفس؟ فلماذا قال امير المؤمنين عليه السلام اذن:
اللهم انك تعلم انه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شئ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الاصلاح في بلادك، فيامن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك.
اليس في هذا النص دفاع معقول عن طلب السلطة بالحق؟ اوليس فيه ما يشير الى ان الامام كان قد طلبها بالحق فبرر بهذا النص ما بدر منه لتفسير طلبه بشكل سليم، من اجل ان لا يفسره من يشاء بما يشاء فيشوه الصورة ويقلب الحقيقة، ليحولها الى سيف مسلط على رقاب كل مؤمن قد يطلب السلطة في يوم من الايام؟.
الجواب:
اولا؛ من الناحية الشرعية، فان السلطة جزء لا يتجزا من كيان الامامة، والى هذا المعنى اشارت الصديقة فاطمة الزهراء بقولها في خطبتها المعروفة {وطاعتنا نظاما للملة، وامامتنا امانا للفرقة} ولذلك نحن نعتقد بان مشكلة الامة الاسلامية بدات منذ تلك اللحظة التي عطل فيها المسلمون مبدا الامامة، والذي هو براينا اصل من اصول الدين او على الاقل المذهب.
ولهذا السبب ظل الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يتحدث بالسلطة واهميتها وفلسفتها وجوهرها وخطورتها، والتي كان يجب ان تنتهي اليه بعد رحلة رسول الله (ص) الى العالم الاخر، مستغلا كل مناسبة وموظفا كل فرصة، من اجل تنبيه الامة الى الخطا الكبير الذي ارتكبته عندما تركته وذهبت الى غيره، كما هو واضح في قوله عليه السلام في خطبته المعروفة بالشقشقية، مثلا والتي يقول فيها {اما والله لقد تقمصها فلان وانه ليعلم ان محلي منها محل القطب من الرحا، ينحدر عني السيل، ولا يرقى الي الطير، فسدلت دونها ثوبا، وطويت عنها كشحا، وطفقت ارتئي بين ان اصول بيد جذاء، او اصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، ويكدح فيها مؤمن حتى يلقى ربه، فرايت ان الصبر على هاتا احجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجا، ارى تراثي نهبا، حتى مضى الاول لسبيله، فادلى بها الى فلان بعده (ثم تمثل بقول الاعشى):
شتان ما يومي على كورها ويوم حيان اخي جابر
فياعجبا، بينا هو يستقيلها في حياته اذ عقدها لآخر بعد وفاته، لشد ما تشطرا ضرعيها، فصيرها في حوزة خشناء يغلظ كلمها ويخشن مسها، ويكثر العثار فيها، والاعتذار منها، فصاحبها كراكب الصعبة ان اشنق لها خرم، وان اسلس لها تقحم، فمني الناس، لعمر الله، بخبط وشماس، وتلون واعتراض، فصبرت على طول المدة، وشدة المحنة، حتى اذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم اني احدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الريب في مع الاول منهم، حتى صرت اقرن الى هذه النظائر؟ لكني اسففت اذ اسفوا، وطرت اذ طاروا، فصغا رجل منهم لضغنه، ومال الاخر لصهره، مع هن وهن، الى ان قام ثالث القوم نافخا حضنيه، بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع، الى ان انتكث عليه فتله، واجهز عليه عمله، وكبت به بطنته}.
بالنسبة للامام الحسين السبط عليه السلام، فان حديث رسول الله (ص) بحقه وبحق اخيه السبط الامام الحسن المجتبى عليهما السلام {الحسن والحسين امامان قاما او قعدا} دليل شرعي صريح على احقيته في السلطة، من الناحية النظرية على الاقل، بل على حقه في طلبها، نظريا اولا ثم عمليا وواقعيا اذا استوفى الطلب شروطه، لانه امام قام او قعد، ولان السلطة جزء لا يتجزا من الامامة، كما اسلفت قبل قليل، فلذلك فان طلبه للسلطة لا يخرج عن واجباته ومسؤولياته المنصوص عليها في اطار الامامة التي جعلها الله تعالى للامام بنص قوله عز وجل مخاطبا نبي الله ابراهيم عليه السلام {اني جاعلك للناس اماما).
ثانيا؛ من الناحية القانونية، فلقد نصت بنود (الصلح) التي تم التوقيع عليها بين الامام الحسن المجتبى عليه السلام ومعاوية بن ابي سفيان بن هند آكلة الاكباد، على ان يكون الخليفة بعد موت الاخير الامام الحسن فان مات فاخيه الامام الحسين.
يقول النص:
ان يكون الامر، يعني السلطة، بعد معاوية للحسن، وان حدث بالحسن قبل معاوية حدث يكون الامر بعد معاوية للحسين.
ولذلك فان طلب الحسين السبط للسلطة بعد هلاك معاوية كان مدعوما بقوة القانون، بلغة اليوم، اما اعتلاء يزيد للسلطة بعد ابيه الذي وطا له، بتشديد الطاء وفتحها، سبيلها بالترغيب والترهيب والقتل وشراء الذمم، واخيرا بالتوريث الذي اسس للملكية في الاسلام الى يومنا هذا، فلم يكن مدعوما بالقانون ابدا، بل انه كان خروجا عن القانون الذي ضربه معاوية عرض الحائط بتوريثه ابنه يزيد شارب الخمر واللاعب بالقرود للسلطة.
ومن خلال هذا البند، يتضح لنا جليا بان الامام الحسين عليه السلام كان قد طلب السلطة قبل ان يعتلي يزيد الخلافة بعشرين عاما.
اما من يستشكل على مثل هذا النص، ويورد نصا آخر يقول؛
لقد اتفق الحسن بن علي ومعاوية بن ابي سفيان على ان يسلم له الحسن ولاية امر المسلمين على ان يعمل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الخلفاء الصالحين، وليس لمعاوية ان يعهد بالامر الى احد من بعده بل يكون الامر شورى بين المسلمين.
فان هذا النص كذلك يمنح الحسين السبط الحق في الاعتراض على سلطة يزيد لانها غير قانونية، كذلك، بقوة القانون ونص الوثيقة.
ثالثا؛ من الناحية الواقعية، فان طريقة توريث معاوية للسلطة الى ابنه الفاجر يزيد انتجت اخطر بدعة سياسية في حياة الامة، وباسم الاسلام، الامر الذي كان يجب على الحسين السبط ان يتحرك لوءدها وهي بعد في المهد، كونه العالم المسؤول عن الامة، والامام المسؤول عن تصحيح مساراتها، من خلال التصدي والعمل على كشف البدع التي تظهر فيها، خاصة البدع السياسية التي تنتج انحرافات خطيرة لا تكتفي بان تترك اثرها السلبي في جيل او جيلين فحسب، وانما في اجيال قادمة، كما لو ان (الخليفة) قرر تحويل النظام السياسي من الشورى الى الملك العضوض، وكل ذلك باسم الاسلام وباسم الله وباسم الدين، وهذا ما حصل في عهد الامام الحسين عليه السلام، ولذلك كان يجب عليه ان يتحرك لتصحيح المسار، ودافعه في ذلك قول رسول الله (ص) {اذا ظهرت البدع، فعلى العالم ان يظهر علمه} وهل هناك اخطرمن البدعة السياسية؟ ليتركها الحسين السبط وشانها من دون تغيير؟.
بالاضافة الى ان توريث معاوية السلطة (الدينية) ليزيد تعارض مع كل النصوص النبوية الشريفة التي تتحدث بل وحذرت المسلمين من تولية السلطة الى الطلقاء وابناء الطلقاء، وهو الامر الشرعي المتفق عليه بين المسلمين كافة، علماءهم وفساقهم.
لقد احتج الامام امير المؤمنين عليه السلام بذلك في جواب له على احدى رسائل معاوية اليه، والتي حاول فيها تبرير تمرده على ولايته وخلافته بعد بيعة الناس له، بقوله:
واعلم انك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ولا تعرض فيهم الشورى.
كما احتج بها عبد الله بن عباس عندما كلم ابا موسى الاشعري وهو يهم بالذهاب الى لقاء عمرو بن العاص في قصة الحكمين المعروفة، مذكرا اياه بحال معاوية، بقوله:
واعلم ان معاوية طليق الاسلام، وان اباه راس الاحزاب، وانه ادعى الخلافة من غير مشورة وليس فيه خصلة تقربه من الخلافة، فان صدقك فقد حل خلعه، وان كذبك فقد حرم عليك كلامه.
هذا بشان معاوية الطليق، فما بالك بيزيد ابن الطليق؟.
رابعا؛ لقد جاء طلب الحسين السبط للسلطة منسجما مع الواقع، فلم يكن تعسفيا، فالطلب، بمصطلح اليوم، كان ديمقراطيا، لم يفرضه على احد او يجبر احد عليه، ولذلك جاء طلبه للسلطة منسجما مع ادوات طلب جده رسول الله (ص) وابيه امير المؤمنين عليه السلام واخيه الامام الحسن السبط للسلطة، الا وهي البيعة العامة وعدم الاكراه، ورفض التسلط بقوة الحديد والنار، كما ان طلبه هذا جاء ليشكل الامتداد الطبيعي والحقيقي لسلطة جده وابيه واخيه، فهو، اولا، لم يطلبها في مصر لم يبايعه، فلم يذهب مثلا الى اليمن او مصر او حتى ان يبقى في مكة او المدينة، وهي مدينة جده رسول الله (ص) وانما طلبها عند اهل مصر بايعوه فالقوا عليه الحجة التي ذكرناها في قول ابيه امير المؤمنين عليه السلام {لولا حضور الحاضر، وقيام الحجة بوجود الناصر}.
ان وجهة مسير حركة الامام الحسين كانت الكوفة تحديدا وليست كربلاء او اي مصر آخر، لان الحجة على التصدي للمسؤولية جاءت هذه المرة من المسلمين والمؤمنين في الكوفة وليست من غيرها، ولذلك فهو عليه السلام عزم التحرك من المدينة المنورة اليها حصرا.
ولقد تحدث الحسين السبط عن هذه الحقائق في وصيته التي تركها عند اخيه محمد بن الحنفية قبل ان يغادر مكة المكرمة، بقوله {الا واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي، اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب} ومن الواضح فان معنى السير بسيرة الرسول وامير المؤمنين، هو الالتزام اولا بادوات المسير، والتي تشخص في مقدمتها البيعة وعدم الفرض والاكراه.
ولان طلب الامام للسلطة كان استجابة لبيعة الناس له، والتي وردت في اول كتاب بعثه اليه اهل الكوفة بقولهم (انه ليس علينا امام فاقبل) لذلك فانها تحولت الى مسؤولية شرعية ما كان له ان يختار الا ان يستجيب لها، بل انه بذل كل جهده من اجل تحقيقها على ارض الواقع، حاله حال ابيه الامام امير المؤمنين عليه السلام الذي تقبل السلطة بعد ان بايعه المسلمون ولم يتخلف عنها احد، في ظل تلك الظروف القاسية التي مرت عليهم وعلى الامام، والتي دافع عنها عليه السلام بكل ما يملك، ليس من باب تهالكه على السلطة ابدا، وهو القائل لعبد الله بن عباس الذي يروي انه دخل مرة على امير المؤمنين بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي: ما قيمة هذا النعل؟ فقلت، لا قيمة لها، قال (والله لهي احب الي من امرتكم، الا ان اقيم حقا، او ادفع باطلا) وانما بسبب كونها مسؤولية شرعية تقلدها بثقة الناس ولم يفرضها على احد، وهو القائل عليه السلام {والله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية اربة، ولكنكم دعوتموني اليها، وحملتموني عليها} فيما يصف في مكان آخر كيف ان الناس تهالكوا على بيعته بقوله {فما راعني الا والناس كعرف الضبع الي، ينثالون علي من كل جانب، حتى لقد وطئ الحسنان، وشق عطفاي، مجتمعين حولي كربيضة الغنم}.
ذات الامر ونفس الظروف تكررت مع الحسين السبط، ولذلك تحرك صوب الكوفة من المدينة المنورة، متحملا المسؤولية بعد ان القت بنفسها عليه.
وان اكبر دليل على هذه الحقيقة التي ترجمها الامام الحسين السبط عليه السلام، هو انه سعى، حال تغيير الموقف السياسي في الكوفة، الى الانسحاب من (المعركة) كاعظم حجة القاها على السلطة الغاشمة، ليثبت للجميع بانه انما قبل السلطة بعد بيعة الناس له، اما اذا تغير الموقف وانقلبت الامور راسا على عقب، ولاي سبب من الاسباب، فانه في حل من المسؤولية، ولذلك فعل الامام المستحيل من اجل ان لا يورط جيش البغي بدمه الطاهر، فقال لهم في اكثر من موقف (ان انتم كرهتمونا، وجهلتم حقنا، وكان رايكم غير ما اتتني به كتبكم، وقدمت به علي رسلكم، انصرفت عنكم) اما عقبة بن سمعان، فينقل المؤرخون عنه قوله (صحبت الحسين من المدينة الى مكة، ومن مكة الى العراق، ولم افارقه حتى قتل، وسمعت جميع مخاطباته الناس الى يوم مقتله، فوالله ما اعطاهم ما يتذاكر به الناس من انه يضع يده في يد يزيد، ولا ان يسيروه الى ثغر من ثغور المسلمين، ولكنه قال: دعوني ارجع الى المكان الذي اقبلت منه، او دعوني اذهب في هذه الارض العريضة حتى ننظر الى ما يصير اليه امر الناس، فلم يفعلوا) الا ان اصرارهم على قتله اثبت بما لا يدع مجالا للشك من ان النظام السياسي الاموي الحاكم كان قد اتخذ قرار التصفية بحق الامام السبط، مهما كانت الظروف، لانه شعر منذ اليوم الاول لهلاك معاوية ان السبط هو مصدر القلق الوحيد الذي يمكن ان يقض مضاجع الحكم المنحرف، فيفضحه ويكشف عوراته ويعريه عن اية شرعية قد يتقمصها لتضليل الامة، لانه صاحب الحق الوحيد بالسلطة (الدينية والدنيوية) لما يتمتع به من موقع في قلوب الناس، مشفوعا بالموقف الشرعي والقانوني والواقعي.
والان، تعال معي عزيزي القارئ، لنقرا حقيقة كون حركة الامام الحسين عليه السلام (خروج للسلطة) وليس عليها، من خلال استنطاق خطب واقوال الامام عليه السلام منذ لحظة هلاك معاوية ولحد استشهاده عليه السلام في كربلاء المقدسة في اليوم العاشر من محرم الحرام عام 61 للهجرة.
ان عاشوراء ثورة ضد السلطة من اجل السلطة.
انها ضد سلطة الجور من اجل سلطة الحق والعدل.
اولا: لقد رفض الامام الحسين عليه السلام البيعة ليزيد بقوله لواليه على المدينة الوليد بن عتبة {ايها الامير، انا اهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، بنا فتح الله، وبنا ختم، ويزيد فاسق، فاجر، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله}.
ان هذا الرفض كان له احد معنيين، لا ثالث لهما، فاما ان الامام رفض بيعة يزيد ليعطيها لغيره، او انه ارادها لنفسه، ولم يحدثنا التاريخ ابدا بان الامام همس في اذن احد بنيته في اعطاء بيعته لاحد من المسلمين، عدا يزيد، ما يعني انه ارادها لنفسه، الامر الذي يعني قطعا انه طلب السلطة وان طلبه هذا كان شرعيا مئة في المئة، لانه امام معصوم لا يمكن ان يطلب شيئا ليس له او ليس له فيه حق، وكلنا يعرف فان البيعة عملية سياسية وعقد سياسي اولا واخيرا، وهي ليست عملية اقتصادية او اجتماعية او اي شئ آخر، ولذلك فالبيعة هنا تعني السلطة فحسب.
قد يقول قائل، بان الامام رفض البيعة ليعتزل الناس، فيجلس في بيته ويغلق الباب على نفسه، متفرغا للعبادة، كدرويش لا يتدخل بالشان العام، وليس كما اسلفت.
الجواب:
ان سيرة الامام الحسين عليه السلام منذ ولادته، لا تنتهي الى مثل هذا التصرف ابدا، وهو الذي عاش الاسلام وتحولاته بكل تفاصيلها، اولا في كنف جده رسول الله (ص) ومن ثم في كنف ابيه امير المؤمنين عليه السلام واخيه الحسن السبط عليه السلام.
لقد كان الحسين السبط الفارس المقدام الذي يدافع عن الاسلام منذ نعومة اظفاره، فكان الاول في الصفوف حروب ابيه الثلاثة، وكان المتصدي الشجاع لكل انحراف أصاب الامة، خاصة فترة تصديه لامامة المسلمين بعد استشهاد اخيه الحسن السبط، لم تكن تاخذه في الله لومة لائم وهو يرد على معاوية وعنجهيته.
هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان التاريخ يشير الى ان الحسين عليه السلام بدا بتهئة ظروف الثورة لحظة استشهاد اخيه الحسن السبط وتوليه امامة المسلمين، لدرجة ان جماعة من عيون معاوية ممن كانت السلطة الاموية قد نشرتهم كجواسيس يراقبون الامام، كانوا قد نقلوا عنه عليه السلام اخبارا لا تسر لمعاوية، فكتب الى الامام يحذره من اية حركة مناهضة ضد السلطة، فرد عليه الامام بكل شجاعة وبسالة، ساعيا الى التخفيف من هلع معاوية من مثل هذه التحركات التي يقودها الامام، لانه، كما هو معروف، كان يسعى لتاجيل المعركة الى ما بعد هلاك معاوية لاسباب عدة، ليس هنا محل ذكرها.
فكتب مرة الى معاوية ردا على كتاب له:
اما بعد فقد بلغني كتابك تذكر فيه انه انتهت اليك عني امور انت لي عنها راغب، وانا بغيرها عندك جدير، فان الحسنات لا يهدي اليها ولا يسدد اليها الا الله تعالى.
واما ما ذكرت انه رقي اليك عني، فانما رقاه اليك الملاقون، المشاؤون بنميم، المفرقون بين الجمع، وكذب الغاوون.
ما اردت لك حربا، ولا عليك خلافا، واني لاخشى الله في ترك ذلك منك، ومن الاعذار فيه اليك، والى اوليائك القاسطين الملحدين، حزب الظلمة واولياء الشيطان.
ثم راح الامام عليه السلام يعدد جرائم معاوية ومثالبه واخطاءه التي لا تغتفر كقتله حجر بن عدي، وقتله ابن الحمق صاحب رسول الله (ص) وادعاءه زياد بن سمية والمسمى بابن ابيه، واصداره الاوامر بقتل الحضرميين بعد ان كتب فيهم زياد بانهم على دين علي (ع) وغير ذلك.
من جانب ثالث، فان الامام نوه في اكثر من رسالة الى من ساله ان يعلن الثورة بوجود معاوية في السلطة، الى انه يعد لها العدة لما بعد هلاكه، فقال لهم مرة:
اما اخي فارجو ان يكون الله قد وفقه وسدده فيما ياتي، واما انا فليس رايي اليوم ذلك، فالصقوا، رحمكم الله، بالارض، واكمنوا في البيوت، واحترسوا من الظنة ما دام معاوية حيا.
ان هذا وغيره الكثير من الادلة والبراهين، تؤكد على ان نية الامام برفضه البيعة ليزيد لم يكن الهدف منها الاعتزال والجلوس في البيت، ابدا.
ثانيا: لقد اعتبر الامام نفسه انه احق من غيره في ممارسة عملية التغيير المرجوة في الامة بعد الانحراف الخطير الذي اصابها جراء توريث معاوية ابنه يزيد السلطة، والتغيير المقصود في قول الامام بلا شك هو التغيير السياسي، وكلنا نعرف فان نهاية سعي المرء لتحقيق التغيير السياسي هو وصوله للسلطة، وبمعنى آخر السعي لطلب السلطة من اجل اجراء التغيير السياسي الذي يتحدث عنه ويبشر به، يقول الامام الحسين عليه السلام {ايها الناس ان رسول الله (ص) قال: من رأى سلطانا جائرا، مستحلا لحرام الله، ناكثا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان، فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله، الا وان هؤلاء، ويعني السلطة الحاكمة، قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن واظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستاثروا بالفئ، واحلوا حرام الله، وحرموا حلاله، وانا احق من غير}.
ان الفقرة الاخيرة في خطبة الامام، لخصت الهدف من حركته التي استندت على ما قدمه من شرح للوضع العام، وهو كله حديث عن السلطة الغاشمة التي انحرفت عن جادة الصواب فظلمت ونهبت وافسدت، ما يعني ان اصل حركته كانت سياسية من اجل تغيير السلطة، وتاليا من اجل طلب السلطة، اذ ليس من المعقول ان يطالب ويسعى الامام الى تغيير السلطة السياسية ثم يترك حبل الامور على غاربها عائدا الى منزله، من دون ان يقيم السلطة السياسية التي يعتقد بانها افضل من تلك التي سعى الى اسقاطها، اليس كذلك؟ لان مثل هذا العمل عبث لا يقدم عليه مبتدئ في العمل السياسي، فما بالك بالامام المعصوم وهو ربيب رسول الله (ص) وامير المؤمنين عليه السلام؟.
كما ان حديث الامام مع الحر بن يزيد الرياحي، يشير الى ذات المعنى، فهو دعوة صريحة من الامام للحر ومن معه لنقض بيعتهم (السياسية) ليزيد واستبدالها ببيعة صحيحة مستقيمة للامام المعصوم، ما يعني ان الامام طلب من الحر ان يعينه على اسقاط السلطة الغاشمة ليقيم عوضا عنها سلطة الحق بقيادته وامامته وامرته، وان كل ذلك، طلب للسلطة بلا جدال.
لقد خاطب الامام، الحر ومن معه، بقوله عليه السلام {اما بعد ايها الناس، فانكم ان تتقوا الله، وتعرفوا الحق لاهله، يكن ارضى لله، ونحن اهل البيت اولى بولاية هذا الامر عليكم، يعني السلطة السياسية، من هؤلاء المدعين ما ليس لهم، والسائرين فيكم بالجور والعدوان}.
ثالثا: لقد تبادل الامام الكتب مع المسلمين في حاضرة البلاد الاسلامية، اعني بها الكوفة آنئذ، ولقد كان مدار نصوص احاديثها بشان السلطة الغاشمة وكيفية ازاحتها واستبدالها بالسلطة الحق، على اعتبار ان سلطة الطلقاء وابناء الطلقاء، ليست شرعية، كما ان النظام الوراثي الذي سنه معاوية في (الاسلام) ليس له اي اساس شرعي بالمطلق.
فمن هذه الكتب، وهو اول كتاب ورد للامام من اهل الكوفة يعلنون فيه البيعة له والتسليم لقياده، كان نصه:
اما بعد، فالحمد لله الذي قصم عدوك الجبار العنيد الذي انتزل على هذه الامة، فابتز امرها وتآمر عليها بغير رضى منها، فبعدا له كما بعدت ثمود، انه ليس علينا امام، فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الحق، والنعمان بن بشير، الوالي، في قصر الامارة، لسنا نجتمع معه في جمعة ولا عيد، ولو قد بلغنا انك قد اقبلت، اخرجناه حتى نلحقه بالشام).
وتوالت كتب البيعة على الامام، حتى قامت عليه الحجة بوجود الناصر على حد قول الامام امير المؤمنين عليه السلام، فكتب اليهم جميعا ما نصه:
الى الملأ من المؤمنين والمسلمين، اما بعد.. قد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلكم انه ليس علينا امام فاقبل لعل الله ان يجمعنا بك على الهدى والحق، وقد بعثت اليكم اخي وابن عمي وثقتي من اهل بيتي، وامرته ان يكتب الي بحالكم وامركم ورايكم، فان كتب الي انه قد اجتمع راي ملئكم وذوي الفضل والحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرات في كتبكم، اقدم عليكم وشيكا ان شاء الله، فلعمري ما الامام الا العامل بالكتاب والاخذ بالقسط والدائن بالحق والحابس نفسه على ذات الله، والسلام.
بهذه النصوص يتبين لنا جليا بان الامام ومن كاتبه من المؤمنين والمسلمين كان هدفهم اسقاط السلطة الجائرة واقامة سلطة الحق محلها، ما يعني ان الحسين السبط طلب السلطة بالفعل من اجل الهدف الاسمى، الا وهو اقامة الحدود والعمل بكتاب الله وسنة نبيه وانصاف المظلوم والاخذ على يد الظالم، وهي القيم والمبادئ التي جاء بها جده رسول الاسلام (ص) واستقام عليها امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام واخيه الحسن السبط عليه السلام.
فعندما يحدد عليه السلام شروط الامام (الحاكم) والتي يعلم المخاطبين في كتابه، انها لا تنطبق الا عليه، يعني انه دعا الناس الى نفسه ليقيم سلطة الحق، ما يعني انه طلب السلطة بالفعل، فلم يكن مازحا او منظرا بعيدا عن الواقع ابدا، وهو الذي يعلم انه محاسب على كل كلمة يقولها، لما ستشكل من عوامل تخلق واقعا جديدا وخطيرا تذهب فيها نفوس وارواح.
رابعا: ان كل خطب الامام تصب في امر استراتيجي واحد، الا وهو طلبه للسلطة من اجل الحق.
ففي اول رد فعل له عليه السلام على محاولات معاوية لتوطئة الامور لابنه يزيد لتوليته السلطة بعد موته، كتب اليه الحسين السبط يقول:
وفهمت ما ذكرت عن يزيد من اكتماله، وسياسته لامة محمد، تريد ان توهم الناس في يزيد، كانك تصف محجوبا، او تنعت غائبا، او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد من نفسه على موضع رايه، فخذ ليزيد فيما اخذ فيه من استقرائه الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لاترابهن، والقيان ذوات المعازف، وصرب الملاهي، تجده باصرا، ودع عنك ما تحاول، فما اغناك ان تلقى الله من وزر هذا الخلق باكثر مما انت لاقيه، فوالله ما برحت تقدح باطلا في جور، وحنقا في ظلم، حتى ملأت الاسقية، وما بينك وبين الموت الا غمضة.
ان هذا النص بمثابة فتح النار من قبل الامام على خطط معاوية ومحاولاته توريث السلطة لابنه يزيد، في اخطر بدعة سياسية يسنها في تاريخ الاسلام، ولذلك تصدى لها الامام بكل قوة وشجاعة دون سواه، كونه احق من غير على حد تعبيره.
وفي نص آخر، يعتبر الامام ان بيعة يزيد ذلة لا ينبغي لمؤمن ان يعطيها ويقبل بها ابدا، لماذا؟ لان البيعة للحاكم الظالم المستبد لا تجوز باي شكل من الاشكال، وهي، البيعة، مسؤولية في عنق الانسان، عليه ان يمحص الامور قبل ان يختار لمن سيعطيها، فيمنحه ثقته، ويقلده دينه ودنياه.
يقول عليه السلام:
الا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة، يابى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وجدود طابت، وحجور طهرت، وانوف حمية، ونفوس ابية، لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، الا واني قد اعذرت وانذرت، الا واني زاحف بهذه الاسرة، مع قلة العدد وكثرة العدو، وخذلان الناصر.
ان ميزان الحق عند الامام ليس العدد، كثر او قل، وانما في قرب الموقف او بعده عن رضا الله تعالى، اولم يقل ابيه امير المؤمنين عليه السلام في معرض رده على من قال عنده بكثرة عدد العدو {انا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وانما كنا نقاتل بالنصر والمعونة} ولقد اكد الامام في اكثر من مناسبة من ان بيعة الطاغية يزيد لا ترضي الله ابدا، فهي ليست من حقه ولا تليق به ابدا، انما البيعة الحقيقية يجب ان تعطى لمن هو اهل لها الا وهو الامام نفسه دون سواه، كما قال ذلك بصراحة في اكثر من موقف.
ان هذا الموقف جاء منسجما تماما مع راي امير المؤمنين عليه السلام عندما قال محددا صفة الامام الذي له الحق في تولية امور الناس، بقوله:
وقد علمتم انه لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والاحكام وامامة المسلمين البخيل، فتكون في اموالهم نهمته، ولا الجاهل فيضلهم بجهله، ولا الجافي فيقطعهم بجفائه، ولا الحائف للدول فيتخذ قوما دون قوم، ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق، ويقف بها دون المقاطع، ولا المعطل للسنة فيهلك الامة.
كما انه جاء مترجما لقول امير المؤمنين عليه السلام، في وصفه للحاكم الظالم:
وان شر الناس عند الله امام جائر ضل وضل به، فامات سنة ماخوذة، واحيا بدعة متروكة.
وقوله عليه السلام:
ايها الناس، ان احق الناس بهذا الامر اقواهم عليه، واعلمهم بامر الله فيه.
ولكل ذلك، صمم الامام على الخروج للسلطة لاسقاط سلطة الطاغوت واقامة سلطة العدل.
خامسا: لقد لخص الحسين السبط عليه السلام فلسفة حركته في نص وصيته التي تركها مع اخيه محمد بن الحنفية، والتي اشار فيها الى ان حركته هذه هي امتداد لحركة جده رسول الله (ص) وابيه امير المؤمنين، وبالتالي لحركة الاسلام العظيم، وان مما لا شك فيه هو ان جوهر حركة الاسلام هي (السلطة السياسية) القائمة على اساس رضا الناس من اجل اقامة الحق والعدل، بعيدا عن التعسف والظلم والقهر.
وقبل ان نفصل في جوهر هذه الحركة، دعونا نقرا معا نص وصية الامام السبط، والتي يقول فيها:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اوصى به الحسين بن علي بن ابي طالب الى اخيه محمد المعروف بابن الحنفية ان الحسين يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق، وان الجنة والنار حق، وان الساعة آتية لا ريب فيها، وان الله يبعث من في القبور، واني لم اخرج اشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما وانما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي (ص) اريد ان آمر بالمعروف وانهى عن المنكر، واسير بسيرة جدي وابي علي بن ابي طالب، فمن قبلني بقبول الحق فالله اولى بالحق، ومن رد علي هذا اصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين، وهذه وصيتي يا اخي اليك وما توفيقي الا بالله عليه توكلت واليه انيب.
ان في النص ثلاثة مصطلحات دقيقة ذكرها الامام لتحديد هدفه من حركته ونهضته، وهو لم يوردها من باب الترادف اللغوي مثلا، وانما قصد كل واحدة منها على وجه الدقة، وهذه المصطلحات هي كالتالي:
الاصلاح.
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
السيرة المحمدية والعلوية.
وكأن الامام اراد ان يتقدم بحركته بما يمكن تسميته بالمرحلية العلمية، فهو اولا، يبغي الاصلاح اذا وجد لذلك طريقا سهلة، من خلال الموقف الايجابي الذي يمكن ان تبديه الامة، برفضها البيعة ليزيد الطاغية، والقبول ببيعته كحاكم حق مفترض الطاعة.
وهو، ثانيا، سيأمر بالمعروف وينهى عن المنكر اذا ما شعر بان موقف الامة لا زال متذبذبا بين الحق والباطل، اما خشية من سوط الحاكم الجديد، يزيد، او طمعا في دنياه.
ثم تنتهي حركة الامام باقامة سلطة الحق السياسية على غرار سيرة جده وابيه، فالسيرة التي يقصدها هنا، بلا شك، تختلف عن الاصلاح والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاذا كانت المرحلتين الاولى والثانية تاخذ الطابع النظري، من خلال الخطاب والقول والحديث والرسائل والكلام، لتوضيح المعاني والمفاهيم والرؤى، فان السيرة عادة تاخذ الطابع العملي، من خلال المشروع والمنهج الفعلي، بالضبط كما فعل رسول الله (ص) وامير المؤمنين (ع) فعندما يقول القران الكريم يصف لنا رسول الله (ص) بقوله {ولكم في رسول الله اسوة حسنة} لا يقصد بذلك في حديثه وقوله فحسب، وانما في فعله ومشروعه وممارساته، تلك التي خلفها للمسلمين كبرنامج عمل يمكن ان يكون سببا لاصلاح حالهم اذا ما اخذوا به، كما اننا اليوم عندما نسعى للالتزام بنهج امير المؤمنين عليه السلام، انما من خلال ما تركه لنا خلال فترة حكمه التي تعد نموذجا يحتذى في الممارسة، وليس في التنظير فقط.
ومن اجل ان نفهم سيرة الاسلام وملامحها العامة التي قصدها الحسين السبط في وصيته والتي قال انه عازم على السير على نهجها والالتزام بها، تعالوا نقرأها من خلال النصوص التالية التي وردت على لسان امير المؤمنين عليه السلام.
يقول عليه السلام {ولكني آسى ان يلي امر هذه الامة سفهاؤها وفجارها فيتخذوا مال الله دولا، وعباده خولا، والصالحين حربا، والفاسقين حزبا}.
لذلك رفض الحسين السبط سلطة يزيد وطلبها لنفسه لانه احق من غير.
ويقول (ع) {الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه}.
لذلك صمم الحسين السبط على التغيير السياسي اولا، لان الحق لا يقام في ظل سلطة جائرة ابدا.
ويقول عليه السلام {اما بعد، فان الجهاد باب من ابواب الجنة، فتحه الله لخاصة اوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه، البسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماءة، وضرب على قلبه بالاسهاب، واديل الحق منه بتضييع الجهاد، وسيم الخسف، ومنع النصف}.
لذلك، فعندما صمم الحسين السبط على المقاومة من خلال رفضه البيعة وطلبه السلطة لاقامة الحق، اعتبر ذلك جهاد في سبيل الله يمكن ان ينتهي بالشهادة، ولذلك ظل يرحب بها طوال مسيره من مكة المكرمة وحتى استشهاده في كربلاء في عاشوراء عام 61 للهجرة.
اخيرا، يقول امير المؤمنين عليه السلام {أأقنع من نفسي بان يقال: هذا امير المؤمنين، ولا اشاركهم في مكاره الدهر، او اكون اسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني اكل الطيبات، كالبهيمة المربوطة، همها علفها، او المرسلة شغلها تقممها، تكترش من اعلافها، وتلهو عما يراد بها، او اترك سدى، او اهمل عابثا، او اجر حبل الظلالة، او اعتسف طريق المتاهة}.
ولان هذا الشبل من ذاك الاسد، لذلك رفض الحسين عليه السلام ان يسكت عن الحق لانه سمع رسول الله (ص) يقول {الساكت عن الحق شيطان اخرس} فآثر الشهادة على الذل والقتل على السكوت على الظلم، رافضا ان يترك الطاغوت وشانه، والامة وما تعاني من ظلم وحيف من دون ان يواسيها محنتها، بل صمم على ان يعيش معاناة الامة ويتفاعل مع ما تتطلع اليه، من خلال تقديم النموذج السليم وتحديد معالم الجادة الصحيحة والمستقيمة، على ان يكون اولهم في الصف، حتى لا يظن احد من المسلمين انه يريدهم جسرا ليعبر عليهم الى السلطة، كما هو فعل الكثير من القادة والزعماء، فقال لهم {نفسي مع انفسكم، واهلي مع اهليكم، فلكم في اسوة}.
فسلام على الحسين السبط، يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

15 كانون الاول 2009

السبت، كانون الأول ١٢، ٢٠٠٩

الطرطور – الحلقة الثالثة

بتوقيع: بهلول الكظماوي
........................
بعد كتابتي للحلقة الاولى ثم الثانية من موضوع الطرطور الذي يخص الاوضاع اليمنية وما آلت اليه , و عن وجه التشابه بين دكتاتور العراق المقبور وبين شبيهه اليوم المسمّى صدام الصغير ( طرطور اليمن ) كما كان يطلق عليه شعبه .ٍعلى اثر ذلك وردتني مئآت الرسائل الالكترونية اغلبها مادحاُ وبعضها قادحاُ , وكان من بينهما ما هو ناصح .عملية النصح جاءت ترشدني ان انصرف للاهتمام بالشان العراقي بدلاُ من حشر نفسي بشأن يخص اليمنيين .و الحقيقة اني لا ارى نفسي ا تدخّل في موضوع خاص بشعب اليمن بقدر ما اسلّط الاضواء على حقيقة مؤآمرة مستمرة عامة نحن العراقيون جزء منها .فالحقد الوهابي شامل وعام ضد كلّ ما هو عربي ومسلم , سواء كان هذا العربي او المسلم من السنة او من الشيعة او من غيرهم.فالتدخل السعودي الوهابي كان منذ بداية الازمة ولن يأتي مؤخراُ بناء على طلب الحكومة اليمنية .كما ان الاراضي التي تدعي السعودية ان الحوثيين اجتازوها ( كحجّة لتدخلها ) هي اراض بالاصل يمنية شاسعة غنية بالنفط اجّرتها حكومة اليمن لآل سعودسنة1963 لقاء صفقة لفكّ الحصار عن الجيش المصري المحاصر في اليمن , و لمدة ثلاثين سنة تنتهي سنة 1993 , وامام ذلك الاستحقاق افتعلت حكومة علي عبد الله صالح اثرنصيحة من صدام حسين و بمساندة ودعم سعودي لما يسمّى بحرب توحيد شطري اليمن و لتطمس عائدية اراضي نجران و عسير و جيزان و لتنسى هذه العائدية حتى يومنا هذا.وكما ذكرنا بالحلقة الاولى ان الطيارين الذين يقودون الطائرات اليمنية منطلقين فيها من القواعد السعودية هم طيارون عراقيون بعثيون من ايتام نظام صدام حسين.و السعودية اليوم بكل امكانياته وبجيشها العرمرم هذا الذي تحارب به الحوثيين كان اولى لها أن تذهب لتحرير جزيرتي صنافر و تيران السعوديتين المحتلتين من قبل الصهاينة منذ عدوان حزيران سنة 1967 حتى يومنا هذا. - إخفاء النص المقتبس -عزيزي القارئ الكريم :لأجل أن لا اطيل عليك الموضوع ارجوك اذهب الى محرك البحث (جوجل) الالكتروني واكتب بالعربي باحثاُ عن جزيرتي صنافر وتيران لترى العجب العجاب من تسليب دولة الصهاينة من ابناء عمومتهم ( اولاد المسفار) آل سعود هاتين الجزيرتين.وبدلاُ من تحريرها اليوم لجأ آل سعود بجيوشهم الجرارة لقتال الحوثيين البررة في اليمن.و لكن : يمكرون و يمكر الله و الله خير الماكرين.فبرغم كل جيوش السعوديين الجرارة و المدججة باحدث الاسلحة الحديثة و المتطورة الا اننصر الله كان الى جانب المقاتلين الحوثيين الاشدّاء .و حتى الحصار البحري للبحر الاحمر من جهة باب المندب الذي تقوم به الاساطيل السعودية , أو من جهة جزيرتي تيران وصنافر الذي يقوم به الصهاينة في الطرف الآخر من رأس شريط البحر الاحمر .حتى هذا الحصار لم يفلح في قطع الامدادات المزعومة عن الحوثيين .ولمّا بدأت عورات الطراطير تتكشّف و يتّضح زيف آل سعود و طرطورهم باليمن , وخصوصاُ بعد وصول اول شحنة من بعض جنائز مغاويرالجيش الاردني المرتزق الذي يقاتل الى جانب القوات السعودية المعتدية في اليمن .امام هذا كلّه لجأ هؤلاء المستكبرون لماكنة حربهم الاعلامية استعداداُ لتلافي اخبار هزائمهم و انكساراتهم العسكرية .فهنا جاء دور العميل المزدوج للمخابرات المصرية و الجزائرية على حد سواء ( دقمان ارفيس ) وهو رئيس تحرير جريدة الشروق الجزائرية و بتمويل سعودي لافتعال ازمة كرة القدم التي حصلت مؤخراُ بين مصر و الجزائر. تلك الفتنة التي نفخ في نارها اضافة للصحافة تدخل فيها الرئيس المصري ليصرح من برلمانه بان امن المصريين يهمه و لا يتنازل عنه , وكذلك ابنه جمال مبارك الذي قال بان حق مصر الذي في ذمة الجزائريين لا يمكن التسامح فيه , وحتى شيوخ دين على رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي المصري المولد القطري الجنسية.كل ذلك للتغطية على خسارة و اندحار التحالف اليمني السعودي لقتال الحوثيين .وانت عزيزي القارئ الكريم ايضاُ تستطيع ان تبحث بنفسك عن طريق محرك البحث ( كوكل ) بعد ان تكتب بالعربي كلمة ( دقمان ارفيس ) لترى بنفسك ماذا يدور في عالمنا المشحون بالموآمرات .هذه المؤمرات التي لا تنفصل باي حال من الاحوال عما يدور في عراقنا الحبيب من تفجيرات و قتل و تدهور امني الى تدني خدمات الى معارك تدور رحاها في حمام النسوان ( عفواُ البرلمان العراقي ) هذا البرلمان الذي احترم البعض القليل من اعضائه الا ان الكثر منهم قدر ان يحوله الارهابيون المدسوسون فيه الى حمام نسوان يصول و يدور فيه طراطير الداخل بدعم واسناد من طراطير الخارج .( وانا هنا اريد ان اسجل ان الكثير من النساء واخص منهم العراقيات الصابرات لهنّ اشرف و اجل و اسمى ان يوصف بعض برلمانينا بهن , فاليهن الف تحية مودة و تقدير ) .
و دمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي .
امستردام في 24-11-2009
E-mail:
bhlool2@hotmail.com

الخميس، كانون الأول ١٠، ٢٠٠٩

المسؤول نائم...لعن الله من ايقضه

صلاح بصيص
............

هيبة اي حكومة، ومنها العراقية، تكمن في قوتها ومدى تعاملها مع الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية الطارئة... الاساس الذي تشكلت عليه الحكومة العراقية كان رخوا بسبب ما فرض عليها من محاصصة وعدم قدرة الكتل والاحزاب المشاركة في الحكومة من مسايرة الاجواء الديمقراطية الحديثة وراح الجميع يشمر الساعد لمتابعة ما له فقط، الأمر الذي حدا بالشارع العراقي الى تحمل مسؤولية اضافية وهي اخطاء الحكومة وضعفها وما يترتب على هذا الضعف من تداعيات برزت بوضوح في المرحلة الحالية وما رافقها من تفجيرات دامية احدية واربعائية وثلاثية، والواقع يقرأ المزيد...
اهتمام السياسيين بالوطن على قدر ما يدر عليهم من فائدة ومصلحة، والعكس صحيح، الى درجة ان الناس باتوا يترجمون مسرحياتهم الوطنية وخطاباتهم الورقية الى دوافع انتخابية او غايات شخصية او مساومات سياسية، قادتنا لا يعوون حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولم تنضج لديهم فكرة انهم للجميع دون تمييز...وها هو المارثون الانتخابي شارف على البداية، وبوادره لا تختلف كثيرا عن المارثونات السابقة، غياب برامج الكتل والاحزاب المشاركة، عدم امكانية قبول الآخر والتفاعل معه من اجل الوصول الى مفهوم الوطن فوق الرغبات الشخصية والمصالح الضيقة، انعدام الطروحات والافكار الناضجة والاعتماد على لغة الاقصاء والتهميش، تفعيل سياسة لوي الاذرع، المزايدات والتسويات السياسية على حساب المصلحة العامة... ناهيك عن النهج الاحادي والاقصائي الذي يتمسك به المسؤول عند توجيه النقد له، إياك، ولو بالاشارة، انتقاد وزيرا او برلمانيا، او أي مسؤولا كان، فالقضاء جاهز للبدء بتسجيل لوائح الاتهام وصناعة الجرم الذي يلحقه بمن يوقظ المسؤول من سباته، لعن الله من يوقضه ومن يعكر صفو مزاجه، لذا يجب ان يكون احتجاجك مؤدبا، فهو –المسؤول- لا يمنع المؤدبين من ابداء رأييهم، احرص ان تقدم له فروض الطاعة وان تداعب بلطف اذنيه بكلمات شفافة وغير نابية، لانه مسؤول، ولا داعي لمساواة حجم النقد بمستوى الجرم المرتكب، وإلا فالعاقبة معروفة ولنا فيمن سبق من الكتاب والصحفيين الراقدين تحت التراب او على اسرة الموت اسوة حسنة...
صانع القرار الحكومي لا يملك القدرة على تحقيقه واثباته، فمهما كان القرار صائبا يحتاج الى ادوات لتطبيقه، فما بالك اذا كانت الأدوات هي بالاساس تعمل لحساب جهاتها واحزابها التي تعمل بالضد ولا تريد للحكومة ان تقف على قدميها لانها تعمل على عزوف الناخب وتشويه صفحة الصانع، والدليل ما سبق وما تلا استجواب الوزراء في قبة البرلمان من اتهامات وما قيل ان من وراءها دوافع سياسية وانتخابية دفعت باتجاه انتقاء عينات من الجهة التي يراد اسقاطها وتشويها...بالمقابل فصانع القرار، بالتأكيد، لا يعمل بمنتهى الاستقلالية والشفافية، فيفقد دعم الحزب، ولانه يملك حق صناعة القرار يستطيع ان يغير مجرى القرار بعيدا عن اتباعه وداعميه.
التفجيرات المتتالية هي نتاج افكار متوترة، وذهنية مشحونة لا مكان فيها لقبول الآخر، وسواء كانت التفجيرات التي حصلت وستحصل، تكفيرية صدامية قادمة من سوريا، ام سياسية تحمل طابع انتخابي محض، فبالنتيجة هو ضعف في الاداء الأمني للاجهزة الحكومية وفشل في جميع الاختبارات التي تتعرض لها، فبلد الـ(المليون) رجل أمن، تخترقه العجلات المفخخة والعبوات الناسفة من جميع جهاته، وسيطراته المنتشرة في الأزقة والشوارع العامة هي مجرد قيود على حشوات الاسنان والعطور، الغاية من تواجدها هي عرقلة السير وتوفير مناخ ملائم للانفجار، وإلا فما هي الفائدة التي يتوخاها القائمون على هذا السيطرات، وهل وجودها يدفع بتلك الخروقات ويوقف شلال الدم الذي تخلفه الانفجارات؟...
لقد ذكرت في مقالات سابقة من ضرورة احصاء الخروقات التي تقوم بها تلك السيطرات، وانا على يقين تام ان حجم تلك الخروقات لا يذكر، اذن فلماذا هذا التواجد المكثف لتلك النقاط اذا كانت الحصيلة صفر!!!((منين جاي، منين رايح، شايل سلاح)!!! كيف وصلت تلك السيارات اليوم والامس والتي ستصل غدا الى اهدافها دون كشفها، فالانفجارات الاخيرة، اخترقت العجلات المفخخة نقاط التفتيش التي تترك طريق مرور لسيارة واحدة فقط، وخصوصا القريبة من معهد الفنون الجميلة، او القريبة من جامع النداء، تقاطع المعهد القضائي...كيف نفذت تلك العجلات، السؤال تجيب عليه الاجهزة الأمنية، وبعد كل هذا هل يبقى قيمة لخلفية تلك التفجيرات ومن يقف وراءها...
Salah_bsy99@yahooo.com

الثلاثاء، كانون الأول ٠٨، ٢٠٠٩

حوار الخرسان الكردي وحسن سلمان

علاء الموسوي
alaamosawi@yahoo.com

تفاجات كما تفاجا الجميع عندما اختتم الكردي المشبوه بتعاونه مع دولة ائتلاف القانون التي تضم العميل المالكي ووزير التجارة المقال فلاح السوداني وقبل دافع عنه بمقال نشر في مواقع متعددة ومن ثم يطلب من موظفي العراقية ان يتعاونوا مع رجل الاطلاعات الايراني رئيس هيئة الامناء في شبكة الاعلام العراقي ومستشار عادل عبد المهدي.. يبدو ان هناك كلام في الحب وغزل متبادل بين الاثنين والشي المشترك بينهم انهم عملاء ايران ورجالتها وايضا ان الاثنين عملوا في قناة المنار ولهم ارتباطات عسكرية ومالية وتمويلية من حزب الله اللبناني. ومن ثم يعلن انه مع المالكي وانه انضم لقائمته الانتخابية فهل يجوز بعد السب والشتم للمالكي ان ينضم له الا بعد تسلم اموال طائلة لكي يفتتحوا قناة الانتخابية ويعملوا فيها هو والمخرج سمير قاسم ورائد الحداد قواد علاء محسن والاغاني التي تسرق والمشتراة باموال قناة العراقية. لماذا تخلى عن مبادئه في مايخص مدير عام شبكة الاعلام العراقي الدكتور عبد الكريم السوداني ومدير الاخبار الاعلامي عبد الكريم حمادي ومقدم البرامج المتميز علاء محسن وكل ماقاله بحقهم هو كذب وافتراء فهم له الفضل الكبير والعظيم في نقل الاعلام العراقي من الاصطفاف والتخندق الطائفي والحزبي الى اعلام مستقل ورصين. ومن هنا اطالب الموظفين بعدم التعاون مع هيئة اللامناء وخصوصا حسن سلمان الطائفي والعميل لانه والكردي يصبان في مجرى التامر وسرقة المال العام والتشهير ولكم ماحدث من سفك الدماء الطاهرة والبريئة في مصرف الزوية انذار وقد اعذر من انذر

الاثنين، كانون الأول ٠٧، ٢٠٠٩

عــلــي ولــي الله

محمد النبي أخي وصنوي
وحمزة سيد الشهداء عمي
وجعفر الذي يضحي ويمسي
يطير مع الملائكة ابن أمي
وبنت محمد سكني وعرسي
منوط لحمها بدمي ولحمي
وسبطا أحمد ولداي منها
فأيكم له سهم كسهمي
سبقتكم إلى الإسلام طرا
على ما كان من فهمي وعلمي
فأوجب لي ولايته عليكم
رسول الله يوم غدير خم
فويل ثم ويل ثم ويل
لمن يلقى الإله غدا بظلمي

الأحد، كانون الأول ٠٦، ٢٠٠٩

مـن كـنـت مـولاه فـهـذا عـــلـــي مـولاه


شعر حسان بن ثابت في الغدير:
.......................

يناديهم يوم الغدير نبيهم
بخم و أسمع بالنبي مناديا

*
و قد جاءه جبريل عن أمر ربه
بأنك معصوم فلا تك وانيا

*
و بلغهم ما أنزل الله ربهم إليك
و لا تخش هناك الأعاديا

*
فقام به إذ ذاك رافع كفه
بكف علي معلن الصوت عاليا

*
فقال: فمن مولاكم و وليكم ؟
فقالوا و لم يبدوا هناك تعاميا:

*
إلهك مولانا و أنت ولينا
و لن تجدن فينا لك اليوم عاصيا

*
فقال له: قم يا علي ! فإنني
رضيتك من بعدي إماما و هاديا

*
فمن كنت مولاه فهذا وليه
فكونوا له أنصار صدق مواليا

*
هناك دعا اللهم ! وال وليه
و كن للذي عادى عليا معاديا

*
فيا رب ! انصر ناصريه لنصرهم
إمام هدى كالبدر يجلو الدياجيا

. . . .

السبت، كانون الأول ٠٥، ٢٠٠٩

لمن يسمي نفسه علاء الموسوي ...

علي حسين البلداوي
..................

بداية، احييك على اسلوبك الرائع وعلى مقالك الاروع والذي يحمل عنوان (حوار الخرسان الكردي وحسن سلمان).. والذي نشر في احد المواقع. والحقيقة احد الاخوان ارسله لي لما يحمل من اكاذيب... تتكلم عن الخوف وعن الاموال التي قبضتها وعن امور يمكن هي في مخيلتك وصدقني اني لا اريد الرد عليك لاني اليوم في حالة انشغال ليس له نظير.. واما تهجمك على رئيس الوزراء نوري المالكي فهذا امر غير مقبول, وانت تدعى انه لن ينتخب بعد اليوم.. واحب ان اقول لك حسب الاستطلاعات التي تجري ان قائمته تحصد الاصوات بنسبة 32% ولا اريد ان اضخم النسبة واكون مثل الصحاف او مثل شبكة الاعلام العراقي او مثل بطلها الملهم علاء محسن، وهي نسبة جيدة جدا.. اما للرعاع الذين يحكمون العراقية الان فحقيقة لا اعرف مالذي اقوله لك.. لك ماتفكر به وماتريد...
ومن هنا اسجل شكري وامتناني لمن اتصل بي ووقف الى جانبي من الاخوة والاخوات واقول لهم اني بخير والحمد لله وشكرا لكم على كل كلماتكم فانتم ليس مثل ممن تخلوا عني في فترة حرجة.. فالمشكلة التي اعاني منها طوال حياتي هي انني رجل لايعرف مبدا الوسطية في التعامل، لايعرف سوى الاسود او الابيض وليس هناك لون اسمه الرمادي في قاموسي أي انني غير مجامل ولامخاضع لاي ماكر او منحط او سافل وعمري لم ولن امتدح منحط او منحط او اجالسهم مهما كانت الامور... هذه مشكلتي، فغيري يجلس معهم ويبتسم في وجوهم ويجاملهم اما انا فلا.. فالجيدين اصاحبهم واجالسهم حتى لو كانوا في اخر الدنيا.. وحقيقة اليوم اود ان ابعث رسالة الى كريم حمادي واياد عطية الخالدي... كريم انت اليوم عائد من ضيافة الله اما ماضيك فهو واضح وانت تعرفه وانا اعرفه والحمد لله لم اكذب عليك بكلمة فانا لست كغيري الذين يجلسون معك يمتدحوك وهم في الخفاء..... وانت تعرف الباقي. والحقيقة انت سافل ومنحط ولاتملك أي ذرة من الاخلاق وهذا شي لاينكر لكن اهنيك واقدم لك وافر امتناني وشكري وبنفس الوقت اعتذاري لان من هم على شاكلتك يصلحون لدائرة الاخبار فالرجال في دائرتك منحطون وعديمي الاخلاق ومتلونين ومتملقين والنساء اصفهن بما تصفهن انت دائما.. واني كنت على خطأ، فانت الوحيد الجيد لهذه الدائرة فأهين واقصي ورزل وانهق بصوتك عليهم فهم يستحقون ذلك نساءا ورجالا... وايضا ابعث باعتذاري للزميل الكاتب اياد عطية الخالدي بان رايك ايضا صحيح فكريم يعرف مرتعهم فهو مثلهم.. واياك ثم اياك اسمع انك تهدد بانك ستقتلني فانت تعرف من هو معي ومن هو ياخذ المعلومات مني لذا رجاءا لاتغضب من هو غاضب. والحقيقة انك ودائرتك وشبكة الاعلام لاتسوون عندي أي شي ماعدا الصالحين والمؤمنين الذين يقولون حقا وينطقون صدقا ولايخونون فهؤلاء مستثنون من كلامي وان شاء الله الايام المقبلة ستثبت لكم الكلام.. وكلامي هذا ينطبق على عبد الكريم السوداني وعلى ابن الخالة المهان علاء محسن والى كلبهم المسعور عدنان هادي... ومن هنا اقول لا احد يظن اني ضعفت او وهنت لكن الحقيقة لم اجد من يستحق ان اكتب عنه وبالنسبة للاخوان الصادقين وزملائي واصدقائي فاني ساعرف كيف ادافع عنهم وبطرقي الخاصة، ومنها اقولها لكم اني اليوم اقوى الف مرة من ذي قبل والله يشهد... لان الموضوع حسم والمسالة ختمت، فهناك معسكرين معسكر الصادقين قولا ونية ومعسكر الفاسدين والمنحطين اما المنافقين والمتلونين فلا مكان لهم بينا مطلقا وعلى الموظف الاختيار... ولله الامر من قبل ومن بعد...
((اللهم انا نرغب اليك في دولة كريمة تعز بها الاسلام واهله وتذل بها النفاق واهله وتجعلنا فيها من الدعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وترزقنا بها كرامة الدنيا والاخرة برحمتك ياارحم الراحمين))...


علي حسين البلداوي
alialbldawai@yahoo.com

الخميس، كانون الأول ٠٣، ٢٠٠٩

منتظر الزيدي يتوازن وهو يُضرب بالأحذية

قاسم المرشدي
................
هاتفني قبل حوالي شهرين مراسل قناة الجزيرة في سويسرا الصديق تامر أبو العينيين مخبراً، أن الصحفي العراقي منتظر الزيدي سيصل غداً إلى الكنفدرالية بـ فيزا سياحية، مستوضحاً، هل سنقيم له أُمسية، هل سنحتفي به؟
قلت له: لم أكن من المتحمسين لفعل الصحفي منتظر الزيدي، فقد حاول إهانة
" الضيف" جورج دبليو بوش ممثل الشعب الامريكي ورئيسه المنتخب الذي أزاح من على صدور العراقيين نظام صدام الدموي الذي أستعبد المواطنيين والوطن، وأن بسبب دكتاتورية صدام وتفرده بالحكم، نادراً ما تجد قرية اومدينة في هذه المعمورة ليس فيها عراقياً مطارداً، غريباً يعيش فيه الوطن من خلال صوت:
ياس خضر والساهر، وحمزة الزغير، والعطار وغيرهم من مبدعي العراق.
ـ وكذلك جاءت إهانة الزيدي لـبوش بـحضرة ممثل الشعب العراقي ورئيسه المنتخب نوري المالكي.
وأضفت للزميل أبو العينيين، أن شارون وبوش" نفسه " زار العديد من عواصم المنطقة في ولايته الاولى والثانية، و قد فرشوا لهما السجاد الاحمر، ولم تخرج تظاهرة، ولم يفكر أحد بالصراخ ضدهما، فضلاً عن ضربهم بالأحذية.
حتى أن الفنان حسين فهمي ألتقى بالرئيس بوش، و فكر أن يصرخ بوجهه
" أنت قاتل أنت وقح " لكنه، اي فهمي تراجع عن الفكرة أحتراماً لمصر ورئيسها، حسب تعبيره في لقاء مع الإعلامي نيشان.
شخصياً، ما زلت على قناعتي، كان بإمكان الصحفي منتظر الزيدي أن يعبرعن رأيه بغير الحذاء.
لكن الذي أثار إعجابي موخراً، موقف الزيدي وهو يٌضرب بحذاء الصحفي العراقي سيف الخياط في باريس، أن طلب من مرافقيه بعد الهجوم الحذائي، أن لا يٌضرب زميله الخياط، أو يٌعنف ويٌهان.
رغم أن ميثم شقيق منتظر الزيدي لم يسمع لكلام شقيقه، وأستمر بضرب سيف الخياط بالحذاء متهما إياه بالخيانة والعمالة
" لم يحدد ميثم الزيدي عمالة الخياط لاي جهة او دولة "
وأضاف منتظر الزيدي: هذا تصرف عادي!
أُحيي هذه الإلتفاتة من منتظر الزيدي وأُسجل أعتراضي على لُغة الأحذية.

قاسم المرشدي
k.murshidi@hotmail.com

الأربعاء، كانون الأول ٠٢، ٢٠٠٩

الاغلبية في العراق..لا تحكم

نــــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر
NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

دعني اولا، عزيزي القارئ، ان اوضح ما اقصدة بالاغلبية في عنوان المقال، قبل ان تتسرع وتتهمني بالطائفية او العنصرية، فالذي اقصده هو الاغلبية السياسية، وليس الاغلبية الدينية او الاثنية او المذهبية، لانني اعتقد جازما، بان جوهر الديمقراطية هو حكم الاغلبية (السياسية) تحديدا والتي تفرزها صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة، وليست اي شئ آخر.
ولذلك، فعندما ادعي في صدر المقال، بان الاغلبية في العراق لا تحكم، اعني تحديدا ان الاغلبية السياسية لا تحكم، ودليلي القاطع على ذلك، هو عملية النقض التي مارسها النائب الثاني لرئيس الجمهورية، السيد الهامشي.
بل حتى (التوافق) و (المحاصصة) لم تحكم في هذه الحالة، كيف؟.
لنعود الى البداية:
فعندما قرر مجلس النواب العراقي قبل قرابة اربع سنوات، عقب الانتخابات النيابية الماضية، اختيار السادة طالباني وعبد المهدي والهاشمي، ليشكلوا مجلس الرئاسة، فقد كان في تفكيره ان الاول يمثل الكتلة الكردية في البرلمان وتحديدا قائمة التحالف الكردستاني وبالتحديد حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والثاني يمثل الكتلة الشيعية وتحديدا الائتلاف العراقي الموحد وبالتحديد المجلس الاعلى الاسلامي، والثالث يمثل الكتلة السنية وتحديدا كتلة جبهة التوافق وبالتحديد الحزب الاسلامي الذي كان زعيمه آنئذ.
ولسبب ما ترك الهاشمي زعامة الحزب الاسلامي، وبشكل اوتوماتيكي جبهة التوافق، فلم يعد يمثلها رسميا في مجلس الرئاسة، بمعنى آخر انه بات، رسميا، لا يمثل الا نفسه.
وعندما مرر مجلس النواب العراقي التعديل الاول لقانون الانتخابات، صوتت عليه كل الكتل، الكبيرة على الاقل، والتي هي التحالف الكردستاني والائتلاف العراقي وجبهة التوافق، ثم بعثته الى مجلس الرئاسة، فامضاه الرئيس ونائبه الاول بشكل سلس وبلا تمنع او تاخير، كممارسة (توافقية) هي امتداد طبيعي لموقف كتلتيهما في مجلس النواب.
بقي النائب الثاني الذي ظل يمانع ويسوف ويؤخر الى ان اعلن انه قرر نقض القانون واعادته الى مجلس النواب.
برايي، فان هذه الممارسة كانت، هي الاخرى، طبيعية، لانها عبرت عن راي صاحبها حصرا ولم تعبر عن موقف الكتلة البرلمانية السنية التي صوتت على القانون، والتي كان الهاشمي يمثلها في يوم من الايام في المجلس الرئاسي.
وبرايي كذلك، فان هذا النقض لم ينسجم مع مبدا (التوافق) المعمول به في العملية السياسية، اذ كان يجب على الهامشي ان يسعى جاهدا ليكون موقفه منسجما على الاقل مع كتلته النيابية السابقة، والتي صوتت على القانون اسوة ببقية زميلاتها الكتل النيابية الاخرى، فالنقض عادة هو نتيجة لعدم التوافق تحت قبة البرلمان، يمارسه مجلس الرئاسة ليعود القانون مرة اخرى الى مجلس النواب ليحقق التوافق، فاية كتلة برلمانية لم تصوت على القانون مثلها الهاشمي بنقضه له؟.
كما انه لم يمثل حتى (السنة) عموما في نقضه للقانون، والدليل على ذلك ان اشد المواقف معارضة لموقف الهاشمي هي تلك التي صدرت من ابناء المحافظات السنية التي تعتقد بانها خسرت من النقض اكثر من انها ربحت، على طريقة (اراد ان يكحلها فاعماها) فضلا عن المواقف الحادة التي صدرت ضده من زعماء سنة كثيرون يقف على راسهم رئيس مجلس النواب وآخرون في الصحوات وغيرها.
ان مبدا (التوافق) تجسد، في الحقيقة، تحت قبة البرلمان، عندما توافقت جل الكتل النيابية على تمرير التعديل الاول بالصيغة المعروفة، ولم يتجسد في النقض الذي لجا اليه الهاشمي، بل ان الاخير لم يفكر بان يجسد (التوافق) حتى في مجلس الرئاسة، عندما لم يعر اي انتباه او اهتمام لامضاء زميليه الرئيس ونائبه الاول، وبذلك يكون قد سجل سابقة خطيرة في طريقة استخدام (حق النقض) والذي كان يجري عادة برد (المجلس) مجتمعا للقانون الذي يرى فيه اي اشكال دستوري او لا ينسجم ومبدا (التوافق).
تاسيسا على هذه القراءة المنطقية والقانونية لما جرى ويجري اليوم بشان قانون الانتخابات، يمكن ان نستنتج الحقائق التالية:
اولا: ان ما يسميه البعض بـ (الديمقراطية التوافقية) والتي تم التاسيس لها في مجلس الحكم المنحل وتبناها (اللاعبون الكبار) في الدستور وتحت قبة البرلمان، انما هي ضحك على الذقون، لدرجة ان شخص واحد فقط قادر على نقض ما يتفق عليه كل العراقيين تقريبا، فكلنا نعلم جيدا بان التعديل الاول لقانون الانتخابات صوت عليه مجلس النواب باغلبية مريحة جدا، وقد جاء منسجما مع تطلعات ملايين العراقيين بكل مرجعياتهم الدينية ومؤسساتهم المدنية وغير ذلك، اذا به يعود اليه مرة اخرى بركلة غير محسوبة العواقب والنتائج من (واحد) فقط، فاية ديمقراطية هذه التي تقف في ملعبها العريض الملايين مقابل واحد؟.
ثانيا: لقد اساء البعض التصرف بمبدا (التوافق) بدرجة ممجوجة، راحت تعرض مجمل العملية السياسية للخطر، فمن الذي يتحمل مسؤولية كل ذلك؟.
اتمنى على من يسمون انفسهم بـ (الكبار) ان يتسلحوا بالشجاعة الكافية ليخرجوا على الشعب العراقي ويعترفوا بالخطا، بل بالجريمة، التي ارتكبوها في بداية نشاة العملية السياسية الجديدة.
واسميها بالجريمة، لانها بالفعل تحولت الى عفريت تقف على كفه العملية السياسية مترنحة.
ولطالما حذرت شخصيا من خطر هذا الخطا ــ الجريمة، واتذكر عندما كان زعماء (الكبار) يمرون على واشنطن للزيارة، بعيد سقوط الصنم وفي بدايات تسنمهم لموقع الزعامة في العراق الجديد، وكانت الفرصة تسنح، في اغلب الاحيان، للقاء بهم في مجالس خاصة، كنت، وغيري، نحذرهم من مغبة الاسترسال مع هذا النوع من الديمقراطية، فكنا ننبههم الى ان الثالوث المشؤوم (الفيتو والتوافق والمحاصصة) يمكن ان يعرض العراق لمخاطر كبيرة وكثيرة، كانوا يردون علينا بقولهم (لا داعي للقلق، فالاتفاق على هذه الطريقة مؤقت وستتغير الامور في القريب العاجل) اذا بنا نرى انها تتكرس يوما بعد آخر، حتى وصل الامر الى ان الواحد، في ظل الديمقراطية التوافقية، يساوي الملايين.
واتذكر مرة عندما حاصرت، وبعض الاخوة، احد زعماء (الكبار) في مجلس خاص، لم يحر جوابا على الادلة والبراهين التي قدمناها له، في اطار حوار هادئ ودقيق، ولما راى احد (مناصريه) ان صاحبه حوصر بالادلة المنطقية في زاوية حرجة، تذكر طريقة الزبانية في انقاذ (الزعماء) من ورطة الحوار المعقول، اذا به يقف هاتفا (مولانا، نحن نثق بحكمتكم، ونثق بوعيكم الفريد والنادر، ولذلك اقول لكم، وباسم كل الحضور، سيروا ونحن من ورائكم، بلا نقاش او جدال) ثم انتهى الحوار بالضربة القاضية، لينقذ صاحبه من الحرج، وقد تمثل امامي تمثال الطاغية الذليل عندما يهتف زبانيته (بالروح بالدم) امام جمع حاشد.
عندها قلت في نفسي، اذا كان (الزعماء الجدد) يلتف حولهم مثل هذا النموذج القبيح، فعلى الديمقراطية السلام، وهذا ما نراه ونلمسه اليوم، وللاسف الشديد.
من كل ما تقدم، اقول:
ان نتيجة الانتخابات البرلمانية القادمة، يجب ان تفرز نوابا اشداء اقوياء قادرون على تغيير الخطا ــ الجريمة، والا فقد تكون الانتخابات القادمة هي الاخيرة، في تاريخ العراق الجديد، هذا اذا مرت هذه المرة بسلام، لان جرة صندوق الاقتراع اذا سلمت هذه المرة من (الديمقراطية التوافقية) فليس من المعلوم انها ستفلت وتسلم في كل مرة.
ان هذا النوع من الديمقراطيات لا تستقر ابدا، انما تظل قلقة يشبه حالها حال المخروط الذي يقف على راسه المدبب، اما الديمقراطية المستقرة، فهي التي تعتمد المبادئ العقلية والمنطقية التالية:
اولا: صوت واحد لمواطن واحد.
ثانيا: حكم الاغلبية السياسية، اما الاقلية السياسية فمجال عملها المعارضة والذي لا يقل اهمية وخطورة من مجال السلطة، فهي التي تراقب وتحاسب وتفضح وتلاحق وتصحح.
ثالث: مجلس الوزراء يشكله رئيس الحكومة، والذي ترشحه اكبر الكتل النيابية، وليس جوقة الاحزاب التي تفوز بمقعد او اكثر تحت قبة البرلمان.
...... وبعد كل هذا، ينعتون الحكم في العراق بـ (الشيعي) وهم الذين فشلوا ومعهم (الاغلبية السياسية تحت قبة البرلمان) في تمرير قانون يتوقف عليه تقدم العملية السياسية.
انها سلطة الواحد يا صاحبي، اليس كذلك؟.

30 تشرين الثاني 2009

الثلاثاء، كانون الأول ٠١، ٢٠٠٩

مصر تعرض مصالحها في العراق الى الخطر

الحركة الشعبية لاجتثاث البعث
...............................
في سابقة خطيرة وخطوة ضمن مشروع سياسي لاعادة الروح للبعثيين وتمكينهم من العودة للسلطة في العراق ,انطلقت على القمر الاصطناعي النايل سات ، قناة تمجد الطاغية صدام باسم " العربي " وذلك في الذكرى الثالثة لتنيفذ حكم الاعدام بحقه .
واننا في الحركة الشعبية لاجتثاث البعث نعتبر هذا العمل المشين الذي اقدمت عليه جمهورية مصر العربية , بمثابة اعلان حرب على الشعب العراقي , واستخفاف متعمد بنص الدستور, وتدخل سافر في الشؤون الداخلية للعراق . لذلك تجد الحركة الشعبية لاجتثاث البعث ان من واجبها الدفاع عن هذا الشعب وقضاياه المصيرية , وقانونه الاساسي الذي حظر تمجيد الطاغية صدام وحزبه الدموي , وفي حالة تلكئ الحكومة المنتخبة في تحمل مسؤلياتها , وتعمل على غلق هذه القناة , فان الحركة تكون مضطرة لاتخاذ كل مامن شأنه اجبار مصر على انهاء هذا المشروع السيئ الصيت . ولا نرى من الحكمة ان تعرض مصر مصالحها الاقتصادية في العراق الى الخطرمن اجل ( ابو رغال العصر) صدام وحزب البعث الدموي الخبيث الذي قرر الشعب العراقي اجتثاثه لكي لايكون له قرارالافساد والاجرام في مستقبل الاجيال .
نحن امة لاتنسى شهداءها .... اجتثاث البعث رسالتنا الى الانسانية
30.11.2009 بغداد