نصير حيدر لازم - إعلامي عراقي
عندما أتممت يوما إحدى حلقات برنامجي السياسي المباشر مساءا ، خرجت بسيارتي عائدا إلى البيت ، وأنا في الطريق إتصل بي والدي ليطلب مني أن اغير وجهتي إليه ، لشيء مهم يدور في خلده ... وفعلا وصلت إليه لأجده جالسا يقرأ القرآن ، وأومأ لي بأن أجلس مقابلاً له ، حينها صَدَقَ وأغلق المُصحف .. وبعد أن حياني قال : اليوم كنت أتابع البرنامج - وهو متابعٌ وناقدٌ مهمٌ بالنسبةِ لي – ووجدت أن هنالك مشكلة نفسية عند ضيوفك ، وهذا يا بُني أحسه موجود عند أغلبية من تستضيفونهم في برامجكم السياسية ، وأريد أن ابوحَ لك به ، لأنني مُتلقي ، وأرجو منك أن تسمع .. فقلت : هات ما عندك ...
فقال :
يا بني ، حينما تتعامل مع أي مسؤول ، بغض النظر عن موقعه وإنتمائه ، ستجد بلا شك في أنه يعاني من مشكلة في ذاته ، هذه المشكلة تتلخص بـ" هيمنة الأنا الفردية " التي تصـل عنـد بعـض الأفراد السياسيين إلى درجة الإستعلاء ، والتمثيل .. وإن الكلمة التي يقولها السياسي من خلالك إلى الناس ليست لها قيمة ، في مقابل الحفاظ على مركزية " الذات الفردية " .. من هنا ينشأ الكذب في الخطاب ، وبخاصة الخطاب السياسي ، وأنا لا أعني بهذا سياسيا محددا ، إنما هو تحصيل إستقراء مما نسمعه يوميا من على شاشات التلفاز المتعددة ، والمتنوعة ، والمتضاربة ... مقابلات ، وحواريات هي في مجملها ليست إلا من هذا النوع الذي تكون فيه الذات الفردية مُقدمة على كل إعتبار أو مصلحة وطنية ، بل أن هذه المصلحة الوطنية هي آخر ما يفكر فيه السياسيون الذين يعانون من وطأة الذات الفردية ، والخوف من الآخر ، والإستعلاء ، وهذا دليل على أن الكذب أصبح أمراً معتاداً عند هؤلاء ، بل ربما يكون هو الأساس الذي تسير بمقتضاه أعمالهم ومخططاتهم تجاه بقائهم بمواقعهم ...
وثمة أمر آخر يعاني منه السياسيون ، لا سيما عشاق الظهور على الشاشات الملونة ، وأعني بذلك " التناقضات " التي هي أبرز لون في سلوك الأشخاص الذين يعانون من وطأة مركزية الأنا الفردية ، وتنتقل هذه التناقضات إلى لغة الخطاب السياسي ، حتى تصبح أهم واحدة في صفات هذه اللغة ، إذ نجد هؤلاء كلهم ، أو بعضهم ، وهم يصرحون بتصريح ينقضون به تصريحا سابقا ، كما أن تصريحات لاحقة ستنقضه من جذوره ، وقد عرفنا من هؤلاء أنهم أناسا أنيطت بهم مسؤوليات ليسوا أهلا لها ، فدمروا مؤسساتهم بسبب تناقضهم ، وبسبب أنهم ليس لهم قدرة على إدارة أصغر حلقة في وزارات ومؤسسات الدولة ، وبسبب أن تضخـّم الذات لديهم هي المحور الذي تدور في فلكه المؤسسة ، وأتباعهم يعلمون بذلك ، حتى كثر الفساد الإداري والمالي ، ووصل هذا الفساد من نخاع ظهر العراق إلى جمجمته ، وسيأتي يوم قد لا نجد فيه فاسدا !!! إنه اليوم الذي لم يبقَ من جثة العراق شيء يؤكل ، وحين يكون العراق أرضا جرداء بلا بشر !!!
وثمة أمر آخر ، دل عليه الخطاب السياسي المتلفز ، أنه يرفض الحوار ، بسبب أن محورية الأنا الفردية عند السياسيين تتناقض مع أي حوار ، وتصطدم مع وجود أي قيمة يطلبها المجتمع ؛ من هنا كثر في خطاب السياسيين الهجوم على غيرهم داخل المؤسسات التنفيذية والتشريعية ، حيث أن أحدهم يمكنه أن يهاجم غيره ، وهو قبل قليل كان يجالسه المقعد الواحد ، ويتشاور معه في أشياء كثيرة ، وربما تقاسما معا الأكل والشرب ، أو شراء ذمم إنتخابية مشتركة ... إن هجوم الفرد السياسي الذي يعاني من وطأة الأنا الفردية على غيره ، صفة مطردة ، لا تختلف عن خطابات الآخرين في شيء ، وكل واحد من زملائهم عرضة للهجوم ، ولعل هذا ناتج عن أن ثقتهم بالآخرين معدومة ، مما يجعلهم يستعملون الخطاب المؤذي ، الذي يصادر ما للآخرين من برنامج سياسي ربما نجح في نسبة كبيرة منه ، ونجد منهم من يشوه الإنجازات ، ويتمسك بالحدث الطارىء الذي يعم البلاد كلها ، ولعل هذا أيضاً هو ضرب من السلوك البراغماتي القائم على محورية الأنا الفردية ، ليكوّن ( العدوانية أبداً ) .. أما متلقي الخطاب ، وهو الشعب ، فحسبه القول " إنا لله وإنا إليه راجعون " ... ثم سكت ، ليعاود قراءة القرآن ...
Naseer H. Lazim
Political Programs Presenter
Iraqi Media Network
هناك تعليق واحد:
على اساس انت اعظم محلل ومقدم برامج بالوطن العربي هو انت افشل من الفشل نفسه وكلكم لوكية علمود الفلس ومادام عندنا افلوس فخلي الناش شتحجي تعرف من هذا يطبقه صديقك ابن حمادي...
اعلامي مسحوك
إرسال تعليق