وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

الجمعة، أيار ٢٧، ٢٠١١

الأستاذ علي اللامي في ذمة الخلود

تنعى الحركة الشعبية لاجتثاث البعث في العراق الأستاذ علي اللامي الرئيس التنفيذي للهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة ولا يسعنا في هذا المصاب الجلل الا ان ندعوا الله تعالى أن يلهم اهله وذويه ويلهمنا جميعا الصبر والسلوان .

ان فقيدنا الراحل كان واحدا من رموز العملية السياسية والتحول الديمقراطي الذي شهده العراق بعد سقوط نظام البعث المجرم فقد كان لا يوفر جهدا من اجل تخليص العراق من جرثومة الثقافة البعثية الفاسدة ويسعى بكل ما اوتيه من قدرة لتطبيق العدالة الانتقالية في العراق الجديد والتي كان ركنها الاساسي اجتثاث البعث ، ولا نحسب استشهاده الا حلقه من حلقات التأمر التي حيكت في الغرف المظلمة والتي كان من نتائجها رفع الاجتثاث عن البعثيين والعمل على الغاء الهيئة الوطنية للمساءلة والعدالة والتي كٌشفت بعض فصولها في الجلسة الاولى لمجلس النواب الحالي لتولد من رحم هذه المخططات حكومة هزيلة مبعثرة لا تلبي الا طموحات الفاسدين والانتهازيين وعبدة الكرسي والمنصب .

اننا في الحركة الشعبية لاجتثاث البعث في الوقت الذي نستنكر فيه هذا العمل الاجرامي الغادر نقول لبقايا البعث وذيوله الفاسدة ان عملكم هذا انما يبعث فينا العزيمة ان نكون اكثر قوة ونشاط في مواجهة المخططات الداعية الى عودة البعث وازلامه المجرمين وايضا نوجه نداءنا الى ابناء الشعب العراقي بأن يأخذوا حذرهم ويكونوا على استعداد لمواجهة قد نكون مجبرين عليها ونحن نشهد فصول عودة البعث كثمن يقدمة المتشبثين بالكرسي والمنصب ليضيع العراق في خضم تنازلاتهم المهينه .

سيبقى الشهيد علي اللامي رمزا لتطبيق العدالة الانتقالية واجتثاث البعث من بلدنا الحبيب .

نحن امة لا تنسى شهداءها ... اجتثاث البعث رسالتنا الى الانسانية

الحركة الشعبية لاجتثاث البعث في العراق

26 / 5 / 2011 بغداد

الاثنين، أيار ٢٣، ٢٠١١

بيدق شركة ناقلات النفط العراقيه

من المعلوم حاجة ناقلات النفط الخام الكبيره الى ساحبات ودافعات بحريه كبيره عند ارساءها في الموانئ لغرض التحميل والتفريغ.

بما ان شركتي الموانئ العراقيه وناقلات النفط لاتملكان من هاتين الوسيلتين البحريه ، اضطرت شركة ناقلات النفط باستئجار وسائل للقيام بمهة الارساء. لحد الان كل شي منطقي ولاغبار عليه ولكن لماذا لاتعلن الشركه عن مناقصه في موقعها الالكتروني او الصحف المحليه او حتى موقع وزارة النفط.

اذا علمنا ان ايجار مثل هذه الوسيله باليوم الواحد حوالي 10000 عشرة الاف دولار اي للوسيلتين 600000 ستمائة الف دولار شهريا.

ان شركة ناقلات النفط تتعاقد وبدون اعلان مع احدى الشركات العراقيه والتي يملكها السيد بيدق (احد كبار مسؤولي وزارة النفط خاله)

يرجى التدقيق وليكن العراق خالي من المحسوبيه

ملاحظه \ موقع الشركة على شبكة الانترنت هو

www.iotc-basra.com

وعند ظهور الموقع اضغط على المناقصات وستظهر المناقصتين المرقمتين في ادناه:

رقم المناقصه 1- 2011

رقم المناقصه 2- 2011 لاشي سيظهر (غير موجوده)

الخميس، أيار ١٩، ٢٠١١

رحمة الاختلاف

نــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

قراءة في حلقات

ان العراق الجديد الذي يحتاج الى ثقافة جديدة، لا بد ان تعتمد التغيير الذاتي اولا.

هذا ما اتفقنا عليه في الحلقات الماضية من هذه القراءة.

وقلنا، بان من الثقافات التي يحتاجها العراق الجديد، هي؛

اولا: ثقافة الحياة

ثانيا: ثقافة التعايش

ثالثا: ثقافة المعرفة

رابعا: ثقافة الحوار

خامسا: ثقافة الجرأة

سادسا: ثقافة الحب

سابعا: ثقافة النقد

ثامنا: ثقافة الحقوق

تاسعا: ثقافة الشورى

عاشرا: ثقافة الاعتدال

حادي عشر: ثقافة الوفاء

ثاني عشر: ثقافة المؤسسة

ثالث عشر: ثقافة الحاضر

رابع عشر: ثقافة المسؤولية

خامس عشر: ثقافة الشفافية

سادس عشر: ثقافة الانجاز

سابع عشر: ثقافة القانون

ثامن عشر: ثقافة الانفاق

تاسع عشر: ثقافة الدعاء

عشرون: ثقافة الفرصة

واحد وعشرون: ثقافة العدل

اثنان وعشرون: ثقافة المعرفة

ثلاثة وعشرون: ثقافة العفو

اربعة وعشرون: ثقافة الاختلاف

هل يستطيع احد ان يلغي الاختلاف في المجتمع؟ بالتاكيد كلا، والسبب واضح وبسيط في آن واحد، الا وهو؛ ان الاختلاف سنة الحياة، فهو الفطرة التي فطر الله تعالى الخلق، وليس البشر، عليها.

ولقد سمى القران الكريم الاختلاف آية من آيات الله تعالى كما في قوله عز وجل {ومن آياته خلق السماوات والارض واختلاف السنتكم والوانكم ان في ذلك لايات للعالمين}.

وفي الاية {ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين} تاكيد واضح لا يقبل الجدال على ان الاختلاف هو الاصل في سنن الحياة، ولذلك فان من المستحيل القضاء عليه وانهائه في اي مجتمع.

ولقد تحدث القرآن الكريم في العديد من آياته عن الاختلاف في كل شئ، منها قوله تعالى:

{وهو الذي انشا جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلف اكله والزيتون والرمان متشابه وغير متشابه} {وما ذرا لكم في الارض مختلفا الوانه ان في ذلك لاية لقوم يذكرون} {ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه} {الم تر ان الله انزل من السماء ماء فاخرجنا به ثمرات مختلفا الوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف الوانها وغرابيب سود} {ومن الناس والدواب والانعام مختلف الوانه} {الم تر ان الله انزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الارض ثم يخرج به زرعا مختلفا الوانه} {كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} {وما كان الناس الا امة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون}.

من ذلك يتضح لنا جليا ان الاختلاف هو الاصل في الخلقة وكذلك في العلاقة البشرية، اما الاتفاق فاستثناء، ولذلك فهو يعيش معنا في كل مكان، في الاسرة وفي العمل وفي السياسة وفي الثقافة والفكر وفي العلم وفي المدرسة وفي الشارع وفي الفريق الرياضي، وفي الايمان وفي الدين وفي المذهب وفي القومية وفي الجنس وفي اللون، وفي كل شئ ومكان.

والمشكلة لا تكمن في وجود الاختلاف، اذ ليس من المعقول ان يفطرنا ربنا على شئ هو مشكلة ابدية لنا، ابدا، انما المشكلة في طريقة التعامل مع الاختلاف، فبينما يسلم به البعض فيتعايش معه ويروضه ويجعله آلة طوع بنانه لخدمة الاهداف النبيلة والاسمى، يكابر البعض الاخر فلا يعترف به فيحاول ان يلغي الاخر لانه يختلف معه في شئ ما، كالقومية او الدين او المذهب او الفكر او اي شئ آخر.

ان الفن هنا ليس في القضاء على الاختلافات، بل توجيهها نحو هدف مشترك واحد هو التقدم.

ولو تدبرنا في الايات اعلاه لاتضح لنا جليا هذا المعنى، فالله تعالى لم يبعث الكتاب ليلغي الاختلاف وانما لتنظيمه وتوجيهه وقيادته بصورة صحيحة وسليمة.

وعندما يكون الاختلاف سنة وفطرة الله التي فطر الخلق عليها، فهذا يعني ان في الامر غاية مقدسة وهدف اسمى اراد الله تعالى لعباده ان يصلوا اليه من خلال الاختلاف تحديدا، الا وهو، برايي، التكامل والسمو، من خلال بلاء الاختلاف، ان صح هذا التعبير، والذي اشارت اليه الاية الكريمة بقولها {ولو شاء الله لجعلكم امة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم} فالمجموعة البشرية التي تتطابق في كل شئ، جدلا، لا تسير نحو التكامل ولا يمكنها ان تحقق السمو ابدا، لانها، والحال هذه، لا تعرف ماذا ينقصها لتسعى من اجل ايجاده، ولا تعرف اين الخلل والخطا والنقص لتسعى الى اكماله واصلاحه، ولذلك قيل في الحكمة (تعرف الاشياء باضدادها) فالليل لا يعرفه الانسان الا بالنهار، والطعم الحلو لا يعرفه الا بالطعم المر، والجمال الا بالقبح والعلم الا بالجهل والطول الا بالقصر والكبر الا بالصغر والحق الا بالباطل والبطولة والشجاعة الا بالجبن والثقة الا بالتردد والايمان الا بالكفر والنجاح الا بالفشل والقوة الا بالضعف والعدل الا بالظلم والربح الا بالخسارة، وهكذا، ولو انتبهنا الى هذه المتناقضات جيدا لاكتشفنا ان جوهرها هو (الاختلاف) في الاشياء والمعاني والجوهر، ولولاه لانتفى مفهوم التكامل والسمو والبحث عن الافضل والاحسن.

من هنا اكرر جازما بان المشكلة ليست في الاختلاف ابدا، وانما في طريقة تعامل الناس معه وقبل ذلك فهمه واستيعاب فلسفته، فليس في هذا العالم مجتمع ليس فيه اختلاف، الا ان الفرق يكمن في ان المجتمع الناجح هو الذي يعرف كيف يتعامل مع الاختلاف من اجل توجيهه لتحقيق الصالح العام، اما المجتمع الفاشل فهو الذي لا يمتلك ثقافة الاختلاف فهو لا يعرف كيف يتعامل معه بطريقة تخدم مصالحه وتحقق طموحاته، فالمجتمع الناجح يوظف الاختلاف من اجل الرقي والبناء والتقدم وتحقيق الاهداف السامية، لانه يعرف كيف يتعامل معه، اما المجتمع الفاشل فهو الذي يحول الاختلاف الى آلة حادة لتمزيق جسده وتقطيع اوصاله وتدمير نسيجه الاجتماعي، وتحطيم كل امل في التغيير والبناء والتقدم والازدهار.

خذ مثلا على ذلك الولايات المتحدة الاميركية، ففيها من الاختلاف في كل شئ في اللون والجنس والدين والمعتقد والاثنية والثقافة والمناطقية (الولايات) وفي كل شئ، الا ان المجتمع فيها نجح وبامتياز في صهر الخلافات في بوتقة واحدة ثم توجيهه صوب الصالح العام، هم لم يقضوا على الخلاف ابدا، ولكنهم سيطروا عليه بطريقة تخدم حاضرهم ومستقبلهم، ولا اريد هنا ان اشرح بالتفصيل كيف انهم سيطروا على الخلاف وروضوه لتحقيق اهدافهم الكبيرة، فان الشرح في ذلك يطول كثيرا.

مقابل هذا المثال، هناك مثل آخر هو بلدنا العراق، كانموذج للخلاف في مجتمعات البلاد العربية والاسلامية عموما، ففي العراق كذلك عندنا الخلاف في كل شئ، في الدين والمذهب والمعتقد والانتماء السياسي والمناطقية والطبقية الاجتماعية وفي كل شئ، الا اننا، وللاسف، للان لم نعرف كيف نروض هذا الاختلاف من اجل تحقيق الصالح العام.

ولحسن حظ الانسان هو ان الخلاف كان دائما، وعلى مر العصور والازمان، عنصر تقدم وبناء ومنفعة، الا في العراق، خاصة خلال العقود الاخيرة من عمره، فانه لم يعد كذلك، بل تحول هذا الخلاف الى عنصر للتناحر والتمزق والاقتتال والمقابر الجماعية وحلبجة والانفال والارهاب والعنف والتدمير، لماذا؟ لاننا ننكر الخلاف ولا نعترف به ولذلك لم نتعلم بعد كيف نتعامل معه، فالخلاف، لنقل، كالمرض، اذا لم يعترف به الانسان، ولم يصارحه به الطبيب، لم يتعلم كيف يتعايش معه ويروضه، ولذلك يقضي عليه في اسرع وقت ممكن، وهذا هو الفرق بيننا وبين الغربيين في علاقاتنا مع المرض، فبينما يخبر الطبيب عندهم مريضه ويصارحه بمرضه حتى اذا كان خطيرا، فياخذ المريض كافة الاستعدادات اللازمة من اجل مواجهته بالطريقة التي هي احسن فيتعايش معه على قاعدة امير المؤمنين عليه السلام {امش بدائك ما مشى بك} ترى الطبيب عندنا يخفي المرض ونوعه وخطورته حتى على صاحب الشان، المريض، ولذلك لم يستعد الاخير للتعامل معه بالطريقة السليمة، وعندما يطلع على الحقيقة يقتله المرض ليس بسبب المرض نفسه، وانما بسبب هول صدمة المعرفة بالمرض وحقيقته وخطورته.

ويخطئ من يظن ان سبب نجاح مجتمع ما هو قضاءه على الاختلافات، ابدا، فهذا امر مستحيل، اذ لا يوجد مثل هذا المجتمع على وجه البسيطة ابدا، انما تكمن حقيقة الامر في ان مثل هذا المجتمع تمكن بوعيه وثقافته وبالقانون الذي يحتكم اليه من ان يوظف الاختلاف بطريقة ايجابية وسليمة انتجت النجاح، والعكس هو الصحيح، فاذا رايت مجتمعا فاشلا فتاكد بانه فشل قبل ذلك في التعامل مع الاختلاف، اما المجتمع الذي يفكر في كيفية القضاء على الاختلاف فانه سيقضي كل عمره وحياته بحثا عن وهم وسراب لن يصل اليه ابدا.

وبالاختلاف يقام العدل والقسط والاحسان الذي امرنا الله تعالى بها في قوله عز وجل {ان الله يامر بالعدل والاحسان} و {قل امر ربي بالقسط} وان المجتمع الذي لا ياخذ بنظر الاعتبار الاختلاف بين الناس، فانه سيلجا الى نظرية (المساواة) التي تعني في اغلب الاحيان الظلم وعدم انصاف الناس، فالاب مثلا اذا لم ياخذ بنظر الاعتبار اختلاف ابنائه في المستوى الدراسي، لاعطى لكل واحد منهم مقدارا متساويا من المال، ما سيلحق الظلم والغبن بابنه طالب الجامعة ويعطي الصغير الذي لا زال طالبا في المرحلة الابتدائية فوق ما يستحق وفوق ما يحتاج، وهذا هو المساواة، اما العدل والقسط والانصاف فيحتم على الاب ان ياخذ بنظر الاعتبار اختلاف المراحل التعليمية بين ابنائه قبل ان يقرر مقدار ما يمنحهم من المال، ليعطي كل واحد منهم ليس بالتساوي وانما بالعدل الذي يعتمد الحاجة والقدرة.

وكذا الاختلاف في المستوى التعليمي وفي الخبرة والتجربة والنزاهة والشجاعة والاقدام وفي كل شئ، فان الاخذ بنظر الاعتبار كل هذه الاختلافات عند الناس يساهم في اقامة العدل والقسط والانصاف بينهم، ولقد اشار امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام الى هذا المبدا بقوله العظيم {قيمة كل امر ما يحسنه}.

ولذلك، فان المجتمع الناجح هو الذي يعتمد الاختلاف في الثلاثي المقدس (العقل والمعرفة والجهد) لبناء علاقاته الانسانية، اما المجتمع الفاشل فهو الذي يعتمد قيم اخرى للاختلاف، كالاثنية واللون والمناطقية والانتماء الحزبي والولاء للحاكم او لزعيم القبيلة او الحزب مثلا، والاول يستند بتقييمه للافراد على قيم حضارية حقيقية كالكفاءة والخبرة والتجربة والنزاهة وروح المسؤولية والقدرة على العمل بروح الفريق، فيما يستند الثاني الى قيم فاسدة غير معقولة وغير منطقية كالمحسوبية والرشوة والمحاصصة والانتماء الحزبي وغير ذلك عند تقييم الافراد، ولذلك ينجح المجتمع الاول ويفشل المجتمع الثاني.

هنا يقفز السؤال التالي: لو ان الاختلاف سنة الحياة التي لا يمكن الغاءها، فلماذا يتنكر لها البعض؟ او يسعى للقفز عليها فيحاول ان يتعامل مع الاخرين وكان الاصل في العلاقة هو التطابق في كل شئ؟.

الجواب: لو تتبعنا صفات مثل هذه النماذج من البشر، لامكننا ان نؤشر على بعض الصفات السيئة التي تدفعهم للتفكير بهذه الطريقة الخاطئة، فمثل هذه الشريحة؛

اولا: تسعى الى احتكار الحقيقة، بعد ان رسمت في ذهنها قوالب فكرية معينة تتصور انها المقياس المطلق الذي يجب ان يقيس عليه الاخرون مدى قربهم او بعدهم عن الحق، ولقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى هذا المعنى بقوله عليه السلام {المعروف فيهم ما عرفوا، والمنكر عندهم ما انكروا}.

ان الذي يحتكر الحقيقة لا يمكنه ان يعترف بالاختلاف مع الاخرين، لان الاختلاف يعني تقاسم الحقيقة، وهذا نقيض طريقته في التفكير والتعامل في الوسط الاجتماعي، ولذلك فهو لا يحتمل الخلاف والاختلاف.

ثانيا: انها لا تمتلك منطقا ودليلا وحجة، ولذلك تسعى لالغاء الاختلاف والسعي لتثبيت راي واحد وموقف واحد وهو ما تعتقده هي وتعتبره حقا، اما الراي الاخر، فاما ان يتغير ليتطابق مع ما تراه او تلغيه ولو بالقتل.

ثالثا: عاجزة عن الاقناع بادواتها الحضارية السلمية والسليمة فتراها تلجا الى القتل وتصفية الاخر بعد ان تلغي الاختلاف وكان كل راي غير ما تراه او تقوله كفر ينبغي اجتثاثه من المجتمع.

رابعا: لا تؤمن بالتطور، ولذلك تحاول الغاء الاختلاف لانه ينتهي بالمجتمع الى التطور، ولقد ظلت مثل هذه الشريحة وعلى طول التاريخ القديم والحديث تتشبث بالماضي لالغاء الاختلاف، وكأن الموروث هو الحق المطلق الذي لا يجوز لاحد نقده او مناقشته او الخروج عليه، فهي تقدس الافكار وتعبد الاشخاص وتؤله الرموز، ولذلك ترفض الاختلاف وكان شعارها دائما {بل قالوا انا وجدنا آباءنا على امة وانا على آثارهم مهتدون} و {قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك يفعلون}.

وتتمثل هذه الشريحة المتخلفة اليوم في المجتمع (الاسلامي) بالحزب الوهابي الذي يلجا الى الفتوى (الدينية) لانكار الاختلاف، فيتعبر ان اي اختلاف يقود الى النار ولذلك ينبغي الجهاد من اجل ان يكون الناس امة واحدة لا اختلاف في آرائها ومعتقداتها ومواقفها واساليبها وادواتها، وربما لهذا السبب كفر الوهابيون الاخرين واجازوا قتالهم واباحوا دماءهم واعراضهم واموالهم، لانهم لا يعتقدون الا بانفسهم، ولا يؤمنون الا بطريقتهم التي وصفها فرعون ذات مرة، وهو يحاول ان يحشد الناس ضد نبي الله موسى عليه السلام واخيه هارون عليه السلام{قالوا ان هذان لساحران يريدان ان يخرجاكم من ارضكم بسحرهما ويذهبا بطريقتكم المثلى} او كقولهم {قالوا اجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكم الكبرياء في الارض وما نحن لكما بمؤمنين}.

ان جماعات العنف والارهاب، والجماعات المتزمتة والمتطرفة في المجتمع، هي شرائح لا تؤمن بالاختلاف، ولذلك تمارس القتل، ولو كانت تؤمن بالاختلاف للجأت الى المنطق والحوار مع الاخر الذي يختلف معها في الفكر والعقيدة والراي والموقف، ومن اجل ان نقضي على هذه الظاهرة، علينا جميعا ان نبذل قصارى جهدنا من اجل اشاعة ثقافة الاختلاف، فـ (رايك صحيح يحتمل الخطا، ورايي خطأ يحتمل الصواب) على حد قول احد الفلاسفة.

انها جماعات ترى نهايتها في الاختلاف وليس في الاتفاق، فالاول قد يظهر خطاها فينفض عنها الناس ويكفر بها الراي العام، ولذلك يلغون الاختلاف ويسعون لفرض نهج واحد في المجتمع يؤمن لهم ديمومة ما لزمن ما.

وان من اخصب الارضيات التي تنمو فيها فكرة الغاء الاختلاف هي الديكتاتورية والنظم الاستبدادية والشمولية والبوليسية، لانها تمنع الراي والراي الاخر وتحجر على اي نوع من انواع الحوار الحر والمستقل، بسبب انها لا تحب التغيير ايا كان نوعه ومصدره لان مجرد التفكير برايها يشكل بداية النهاية بالنسبة لها.

ان الديكتاتورية تشجع على الغاء الخلافات من اجل ان تقضي على الراي والراي الاخر، كما انها تقمع الاختلاف لانها لا تريد ان تسمع معارضا يدلي لها بحجج تختلف عما تسوقه هي فقط الى الراي العام، ولذلك كان فرعون، وهو انموذج الديكتاتور عبر التاريخ، كان يمنع قومه حتى من مجرد التفكير، فكان يقول لهم {قال فرعون ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد} فنهجه هو الوحيد الذي يهدي الناس الى الرشاد فعلام الخلاف والاختلاف اذن؟.

ومن اجل ان تبهر الديكتاتورية عقول الناس وابصارهم، وتبرر قمعها للراي الاخر، تراها تسوق احلى الكلام واعذب العبارات وهي تحارب الاختلاف كقولها ان الاختلاف يضعف معنويات الامة وان اي حوار عام يشتت طاقاتها ويقلل من شانها وباسها امام العدو، ولذلك ينبغي ان نقضي على الاختلاف ليتفرغ الناس لمصالحهم، كما هو حالها اليوم في العديد من البلاد العربية وهي تسعى لقمع انتفاضة الشعوب الثائرة بالقوة والعنف والقتل والتدمير، هذه الشعوب التي تريد ان تستعيد كرامتها بالانعتاق من الديكتاتورية والتمتع بالحرية، فترى النظام السياسي العربي الفاسد يلوم الشعوب لانها اختلفت، لماذا؟ لانه يرى نهايته في الاختلاف، هذا الاختلاف الذي بدا يفتح آفاقا جديدة من الحوارات الحرة.

ان الاختلاف هو الذي يبصر الناس عيوبهم، وهو الذي ينقد الحاكم ويفضح مظالمه، وهو الذي يمنح الراي العام القدرة الى التمييز بين النجاح والفشل، وبين الصحيح والخطا، وهو الذي يساعده على التفكير بصوت عال بحثا عن حقوقه، وان كل ذلك لغير صالح الديكتاتورية ولذلك تحاربه وتسعى للقضاء عليه.

ان الديكتاتورية مرض خطير ليس على مستوى النظام السياسي الحاكم فحسب وانما في كل موقع من مواقع المجتمع، فهي خطيرة اذا تحكمت في الوسط العائلي والتعليمي والمهني وفي كل مكان، فالديكتاتورية في العائلة مثلا تمنع الاختلاف بين الابناء والوالدين وبين الوالدين انفسهم، ما تدع العائلة تعيش على نمط واحد ووتيرة واحدة، وبالتالي لن تشهد اي تطور وتقدم، فالاب الديكتاتور الذي يقمع اولاده ولا يدعهم يعبروا عن انفسهم بالطرق السلمية والسليمة، بحجة انه يخاف عليهم من الاختلاف الذي قد يمزق اوصال العائلة، انما يقودها الى حتفها ان عاجلا ام آجلا، لانه بذلك سيربي اولادا مقموعين سيبحثون عن اية طريقة غير مشروعة في المستقبل عندما يكبروا ليعبروا بها عما فاتهم، وفي اغلب الاحيان فانهم يختارون العنف كطريق للتعبير عما ظل مكبوتا في انفسهم.

بقي ان نثير سؤالا واحدا في غاية الاهمية، الا وهو: متى يكون الخلاف ايجابيا، ومتى يكون سلبيا؟ اي متى نبني بالخلاف ومتى ندمر؟ اي متى يكون الخلاف والاختلاف رحمة كما في قول رسول الله (ص) {اختلاف امتي رحمة}؟ ومتى يكون نقمة؟.

يمكن لنا ان نستوحي الجواب الصحيح من جواب لامير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام على سؤال لبعض اليهود عندما قالوا له: ما دفنتم نبيكم حتى اختلفتم؟ فقال عليه السلام {انما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ما جفت ارجلكم من البحر حتى قلتم لنبيكم (اجعل لنا الها كما لهم آلهة، قال، انكم قوم تجهلون)}.

فعندما يكون الخلاف من اجل الحقيقة فذلك هو الخلاف الذي يبني، اما الخلاف الذي ليس من اهدافه ابدا الوصول الى الحقيقة، اي خلاف من اجل الخلاف، والمراء والجدال العقيم، فذلك هو الخلاف الذي يدمر، ولقد قال امير المؤمنين عليه السلام {فمن جعل المراء ديدنا لم يصبح ليله}.

18 مايس (ايار) 2011

الأربعاء، أيار ١١، ٢٠١١

الاعلام الجديد

مـــهدي زايـــــر جــــاسم

mahdyzaer@yahoo.com

لاشك ان اعلام الالفية الثالثة سيختلف عما سبقة من اشكال الاعلام الاخرى ، الاعتبارات موضوعية ترتبط مباشرا ًبتطور تكنلوجيا المعلومات ، ولاشك ان مفاهيم جديدة للاعلام المباشرالحر السريع قد بدات تاخذ طريقها الى المتلقي بعد ان تركزت بصفة شبة مطلقة لدى الدول المتقدمة والغربية .

أفرزت لنا ثورة (الفيس بوك )في مصر كما يحلو للبعض ان يسميها نوعاً جديداً من الاعلام يختلف عن الاعلام التقليدي الذي يعتمد على كون المواطن متلقي صامت يستقبل المادة الاعلامية ولايستطيع ان يعبر عن راية اومشاعرة او اعجابة اتجاة المادة الاعلامية سواء كانت مرئية او مسموعة او مقروءة ،الامر الذي يحول المتلقي الى صامت طوال الوقت ولايتفاعل مع المادة الاعلامية. قدم اعلام الانترنيت ظواهر وممارسات مستحدثة في المجال الاتصالي والاعلامي تميز جميعها بسمة رئيسية هي سمة التفاعلية فموقع مثل (الفيس بوك) وموقع (توتيتر)فيها فضاءات للنقاش والحوار وتبادل الاراء حول العديد من القضايا في حين لم يكن هذا ممكنا في الاعلام التقلًيدي فالنقاش ان حدث يكون ضمن النخبة فقط.

ونلاحظ الدور الكبير الذي يلعبة الجمهور فيما يسمى ب(الاعلام الجديد) فهو قائم على انتاج الفرد لمضامين الاعلام ولتعليق عليها ونشرها بشتى الوسائل ،وابتكار واجهات عرض جديدة، ومع ظهور الاعلام الجديد تغيرت علاقة الفرد مع الاعلام فوجود الفرد هو شرط اساسي في وجودالعديد من المواقع الاجتماعية التي تمثل الاعلام الجديد فالعلاقة هي علاقة تفاعلية تشاركية، فلم يعد الساسة او الاعلاميين او الصحفيين يحتكرون سلطة الكلام والتعبير عن الذات بل اصبح متاحاً أمام الجميع. وهذا الاعلام الجديد حتى لو كان لايملك مهارات فنية او صحفية او اعلامية لكنة يملك المعلومات التي يجمعها من محيطة ، هذا الفرد الذي كان لايملك حق الكلام والتعبير عن راية او محيطة او ذاتة اصبح لة الحق في نشر مايشاءوقتما يشاء، وقد نجح العديد من المدونين في الوصول الى العالمية والشهرة ومن امثلة ذلك مدوني المواقع الذين يبيعون سلع بأسمائهم ،ويعرضون الاعلانات في صفحاتهم .

نلاحظ مما سبق الفرق الشاسع بين الاعلام التقليدي والاعلام الجديد وتحول الجمهور من جمهور مستقبل الى جمهور مستخدم للوسائل الاعلامية ، فقد انتقل المواطن من مجرد متلقي يقراء ويشاهد ويستمع الى مستخدم للمضامين الاعلاميةمن خلال التعليق والتقييم والتاليف والطباعة ، وانتقل من مضامين محدودة الى مضامين متنوعة هو يذهب اليها ولاتاتي له .

وفي ضوء ماسبق يمكن القول اننا في مجال الاعلام لانزال نعيش مرحلة الوسطية بين الاعلام التقليدي واعلام الانترنيت اذا جاز لنا تسميته ، فمن الموكد ان جمهورةبالملايين يتفاعلون معه في كل لحظة من اجل اثرائة والتمتع بحق الكلام والتعبير عن الذات والمعرفة والترفية والتثقيف .

الجمعة، أيار ٠٦، ٢٠١١

الزهراء(ع) في كلمات الرسول(ص)


وأما رسول الله(ص)، فقد تحدث عن الزهراء(ع) وفضلها كثيراً، ونعتها بما لم ينعت به واحدة من النساء، حتى أنه وكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي :

ما تمنى غيرها نسلاً ومن يلد الزهراء يزهد في سواها

ورسول الله عندما يقيّم فهو لا يقيّم على أساس عاطفة أو هوى، حاشاه {وما ينطق عن الهوى}[ النجم:3] وإنما يتكلم بلسان الوحي والتنزيل { إن هو إلاّ وحي يوحى} [النجم:4].

وفي ما يلي نستعرض بعض أحاديثه حول ابنته فاطمة :

من العناوين الكبيرة والمهمة التي امتازت بها الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء(ع)، ما جاء في الحديث المشهور عن النبي الكريم(ص) بشأنها أنها: "سيدة نساء أهل الجنة"[18]، وفي حديث آخر "إنها سيدة نساء العالمين"[19]، وفي رواية ثالثة: "إنها سيدة نساء المؤمنين"[20]، وفي نص رابع: "سيدة نساء هذه الأمة"[21]. وهذه الأحاديث رواها السنة والشيعة.

فقد ورد في ( صحيح البخاري ) عن عائشة قالت: "أقبلت فاطمة تمشي كأن مشيتها مشية رسول الله(ص)، فقال رسول الله(ص): مرحباً بابنتي، فأجلسها عن يمينه وأسرّ إليها حديثاً فبكت، فقلت لها: لِمَ تبكين؟ ثم أسرّ إليها حديثاً فضحكت، فقلت: ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن.

فسألتها عن ذلك: فقالت: ما كنت أفشي سر رسول الله(ص) . حتى قبض النبي(ص)، فسألتها عما قال، فقالت : أسرّ إليّ أن جبرئيل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة، وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه إلا حضر أجلي، وأنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، فبكيت، فقال: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة أو نساء المؤمنين، فضحكت لذلك"[22].

وفي رواية أخرى وردت في ( حلية الأولياء ) لأبي نعيم أن النبي(ص) قال لها: "يا بنيّة، أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين؟ قالت:يا أبت فأين مريم ابنة عمران؟ قال: تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك، أما والله زوّجتك سيداً في الدنيا والآخرة"[23].

وهذه الرواية وإن ضيّقت ما وسعته الروايات الأخرى، لكن لا تنافي بينها، فهي سيدة نساء عالمها وسيدة نساء المؤمنين والعالمين ونساء أهل الجنة.

التقييم الدقيق للسيادة :

وهنا لا بد أن نتوقف لنتساءل:هل السيادة مجرد لقب تكريم أعطاها إياه رسول الله(ص)؟

حاشاه، فرسول الله(ص) لا يطلق الألقاب جزافاً، لأنه ينطلق عندما يزن الناس، وإن كانوا أقرباءه، من موقع التقييم الدقيق للكفاءة الواقعية في ما يمدح به هذا أو ذاك، ولو لم ينطلق من الموقع العميق الموجود في الشخصية التي يجعلها في مستوى الكلمة التي يطلقها عليها، لكانت الكلمة صادرة منه عن هوى، والله تعالى يقول في حقه:{وما ينطق عن الهوى*إن هو إلا وحي يوحى}[النجم:3_4].

وعليه، فأن تكون فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، معناه أنها استجمعت في عقلها وقلبها وفضائلها كل عقل وقلب وفضائل نساء أهل الجنة، بل وتفوّقت عليهنّ في ذلك.

وأن تكون فاطمة سيدة نساء العالمين والمؤمنين، فهذا يعني أن كل فضائل الإيمان وخصاله وكل مزايا المؤمنات قد تجمّعت وتجسّدت فيها، وإلا فكيف تكون سيدةً لقومٍ وهي لا تفضلهم بشيء ولا تملك الميزة التي بها تكون السيادة؟!

ولهذا فإن رسول الله(ص)، الذي ينطق إسلاماً ويتحرّك ويجسّد الإسلام، وينبض قلبه بالإسلام، وليس لديه حتى العواطف الذاتية التي تفقد فـي عمقهـا معنى الإسـلام، لأنه كان الـنور كله، والإسلام كله، والقرآن الناطق، عندما يعطي فاطمة هذه الأوصاف، فلا بد أن يكون اطّلع على ما تحمله(ع) من علمٍ يتفوّق على علم نساء العالمين كلهم، وما تحمله من طهارة تتفوّق بها على نساء العالمين، ومن روحانية وقيم إنسانية تتفوق بها على سائر النساء.

وفي كلمة أخرى له(ص) تعبّر عن المنزلة الرفيعة لسيدة النساء يقول فيها : ـ كما في صحيح البخاري ـ : "فاطمة بضعة منّي، فمن أغضبها فقد أغضبني"[24]، وفي صحيح مسلم: "إنما ابنتي فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها"[25]، وفي رواية أخرى لمسلم: "إنما ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما آذاها"[26]، وفي نص رابع أورده في البحار : "فاطمة شجنة مني، يؤذيني ما آذاها ويسرّني ما سرّها"[27].

وهذه الرواية ـ على اختلاف تعبيراتها ـ الصادرة عن الصادق الأمين، الذي ـ وكما أسلفنا ـ يتحدث وحياً وإسلاماً لا عاطفةً، لأن عاطفته كبشر، مجالها أن يحتضن ابنته كما يحضن أي بشر ابنه وابنته، ولكن عندما يعطي القيمة فهو يعطيها من خلال الوحي والرسالة، ولا يمكن أن يتقوّل على الله أبداً: {ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل * لأخذنا منه باليمين * ثم لقطعنا منه الوتين}[ الحاقّة:44_46]. هذه الرواية تعبّر عن التمازج الروحي والاندماج العميق بينها وبينه، لأنّ قوله(ص): "بضعة مني" لا يريد به الإشارة إلى الجانب المادي فإنه لا يخفى على أحد، وإنما يريد به الإشارة إلى ما هو أعمق من ذلك، فإن معنى أن يكون إنسانٌ ما قطعة من رسول الله(ص)، أنه يرتبط برسول الله ارتباطاً رسالياً عضوياً، كما لو كان جزءاً حياً من جسده.

ومعنى ذلك أن عقله يختزن بعضاً من عقل رسول الله(ص)، وروحه تختزن بعضاً من روح رسول الله(ص)، وأن حياته تختزن الطهر والنقاء والروحانية والصدق والأمانة كما اختزنها رسول الله(ص).

ثم عندما يضيف(ص): "من أغضبها فقد أغضبني ومن آذاها فقد آذاني"، فإن أصحاب الرسالات لا ينفعلون عاطفياً عندما يؤذي الناس أولادهم، بل أي أب صالح لو أغضب الناس ابنه بالحق لأنه أساء إليهم، فإنه لا يغضب ولا ينفعل لذلك. إذاً فما معنى "من أغضبها فقد أغضبني..."؟

إن معناه أن فاطمة هي المرأة التي لا يمكن أن تسيء إلى أحد في قول أو فعل حتى يكون للناس حق في إيذائها وإغضابها، بل فاطمة لو غضبت فلا يملك أحد أن يغضبها، لأنها الإنسانه التي لا تغضب إلاّ لله، والإنسانة التي لا تسيء إلى أحد ولا تذنب أو تنحرف، فمن أغضبها فإنه يغضب الحق ويغضب الخطّ المستقيم، وهي الإنسانة التي لا تتأذى إلا عندما يُعصى الله أو ينحرف الناس عن طريق الله، ولذلك يتأذى رسول الله بأذاها، وإلاّ كيف يمكن أن يتأذى رسول الله(ص) لأذاها إن لم يكن أذاها مبرراً ومنسجماً مع الحق والرسالة؟

وهكذا قوله(ص) كما جاء في بعض الروايات: "يرضيني ما يرضيها "، فإن معناه أنها لا ترضى إلا ما يرضاه الله ورسوله، ولو لم يكن النبي(ص) مطّلعاً على عمق الزهراء(ع) وعلى كونها صورة عن روحه وفكره وخطه ورسالته، وعلى أن الرسالة قد انطبعت في شخصيتها وذابت شخصيتها في الرسالة، بحيث إنه لا يوجد فاصل بينها وبين الرسول وبينها وبين الرسالة، لما صحّ أن يربط رضاه برضاها وغضبه بغضبها. وهذا يدلل بوضوح على أن الزهراء(ع) معصومة مطهرة وبلغت الغاية في الكمال.

وفي حديث آخر روي عن رسول الله(ص) قال: " إن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها"[28].

وهذا النص الشريف أقوى من سابقه في الدلالة على عظمة هذه الإنسانة ومقامها الرفيع عند الله سبحانه، بحيث إنه تعالى ربط رضاه برضاها وغضبه بغضبها، فما معنى ذلك؟ ما معنى أن يغضب الله لغضب إنسان ويرضى لرضاه؟ معنى ذلك أن هذا الإنسان قد عاش مواقع رضا الله كلها وابتعد عن مواقع سخطه، وهذا ما عبّر عنه الإمام الحسين(ع) بقوله: "رضا الله رضانا أهل البيت"[29].

استغراب مدفوع:

ويبدو أن هذا الحديث أثار لغطاً وجدلاً في بعض الأوساط، ما اضطر أهل البيت أن يوجهوه، فقد نقل في مسند فاطمة: عن الصدوق في الأمالي قال: "حدثنا أبو ذر يحيى بن زيد بن العباس بن الوليد البزار بالكوفة قال: حدثني عمي علي بن العباس قال: حدثنا علي بن المنذر قال: حدثنا عبد الله بن سالم عن حسين بن زيد عن علي بن عمر بن علي بن أبي طالب عن رسول الله(ص) أنه قال: يا فاطمة، إن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك. قال: فجاء صندل فقال لجعفر بن محمد عليهما السلام : يا أبا عبد الله، إن هؤلاء الشبان يجيئون عنك بأحاديث منكرة، فقال:له جعفر(ع): وما ذاك يا صندل؟ قال: جاءنا عنك أنك حدّثتهم أن الله يغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها، قال: فقال جعفر : ألستم رويتم في ما تروون أن الله تبارك وتعالى ليغضب لغضب المؤمن ويرضى لرضاه؟ قال: بلى، قال فما تنكرون [أن تكون] فاطمة مؤمنة يغضب الله لغضبها ويرضى لرضاها، قال فقال: الله أعلم حيث يجعل رسالته"[30].

ومن كلماته الخالدة والقيّمة في حق فاطمة(ع) قوله الشهير: "فاطمة أمّ أبيها"[31].

ولكن حتى نفهم المعنى الدقيق لهذه الكلمة، لا بد أن ندرس حياة رسول الله(ص) وما لاقاه من عنت ومشقة منذ بداية حياته؛ فلقد عانى الكثير، عانى من اضطهاد المشركين له حتى قال: "ما أوذي نبيّ بمثل ما أوذيت"[32]، وحزن لفقد زوجته أم المؤمنين خديجة(ع) والتي كانت ملجأ وكهفاً له يأوي إليه بعد الجهد والتعب الذي يلاقيه من قومه، وتأثر لافتقاد عمه أبي طالب الذي كان يرعاه ويدافع عنه ويقف إلى جانبه، وعانى قبل ذلك اليتم الذي عاش في زوايا إحساسه الإنساني، لأنه عاش يتم الأب وهو جنين، ويتم الأم وهو رضيع، فافتقد رعاية الأب، وحُرم حنان الأمومة.

ونحن نعرف أن حنان الأم يروي قلب الطفل كما يروي الماء الأرض اليابسة، ويغذي روحه بطريقة لا شعورية لا يحس بقيمتها إلا بعد حين، كما أن حنان الأم يجعله في شعور دائم بطفولته ما دام مع أمّه حتى لو صار في سن الخمسين، فإذا ما فارقت أمه الحياة شعر فجأة بالشيخوخة تزحف إلى حياته، ولهذا فالإنسان منا يصعد ويتقدم به العمر ليصبح كهلاً وشيخاً، ومع ذلك يبقى يحس بمشاعر الطفولة تجاه أمه، لأن أمه تحتضنه وتحاكيه وتناغيه، ولأن الأم ـ كما يقال ـ لا تعرف السن التي تتقدّم في ولدها، بل تظل تفكر فيه رضيعاً تحتضنه وطفلاً تلاعبه، والنبي(ص) لم يشذ ّعن هذه القاعدة الإنسانية العامة، وهي الحاجة إلى عطف الأم وحنانها ورعايتها واحتضانها، وهذا لا يشكل نقصاً أو عيباً في النبي(ص)، ولا يعني أنه يشكو من عقدة نقص، لأن النبي(ص) وإن كان في قمة الكمال، لكنه بشرٌ يتمتع بكل خصائص البشر ويشعر بكل حاجاتهم، يجوع كما يجوعون، ويعطش كما يعطشون، ويتألّم كما يتألمون، ويفرح كما يفرحون، ويحزن كما يحزنون[33]، ولهذا فهو بحاجة إلى الحنان كما هو بحاجة إلى الطعام والشراب وكما أن حاجته إلى الطعام والشراب. لا تمثّل نقصاً أو عقدة نفسية، فكذا حاجته إلى الحنان والعطف، وكما الجوع لا يمثل عيباً عند أي إنسان فكذا عند النبي، وليس هناك فرق بين الجوع إلى الطعام والحاجة إلى الحنان، وقد جاع النبي(ص) حتى ربط حجر المجاعة على بطنه. وقد حدثنا الله سبحانه عن حزن النبي(ص) وضيقه وهو يخفف عنه ذلك: {ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون}[النحل:127]، وقال سبحانه: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر}[المائدة:41]. وقال: {فلا تذهب نفسك عليهم حسرات}[فاطر:8]، إلى غير ذلك من الآيات التي تتحدث عن بشرية النبي(ص) وحاجاته الإنسانيّة..

وإذا كان رسول الله(ص) بشراً في إحساسه ومشاعره، وكان بحاجة إلى الحنان الغامر والفيّاض واللمسة الحلوة والاحتضان الرقيق ـ كما يحتاج لذلك كل إنسان ـ لا سيما وهو يعيش تلك المرحلة الصعبة من عمر الرسالة التي كان يُسبُّ فيها ويشتم ويتهم ويرمى بالحجارة والأوساخ ويتعرض لأقسى أساليب التكذيب والمحاربة، فلهذا كان يشعر بالحاجة إلى الراحة والاطمئنان والسكينة والحنان والرعاية والاحتضان. وأي وقتٍ يحس فيه صاحب الرسالة العظيمة بالحاجة إلى ذلك أكثر من هذا الوقت الذي يجد فيه كل شياطين الأرض والذين لا يعيشون قيمة الإنسان يتكالبون عليه ويهاجمونه بالكلمة والممارسة.

فمن يمدّ الرسول بالعطف والحنان ويخفف عنه الأعباء والآلام والمعاناة؟

لم يكن هناك سوى فاطمة(ع)، فهي التي ملأت بيته بعبق الأمومة وروحها وطهرها وعاطفتها، فكانت أمه بالروح وإن كانت ابنته بالجسد، أمه بعاطفتها وروحانيتها التي غمرته بها، كانت تحتضنه قبل أن يضمّها إليه، وتبتسم له عندما تلمح الكآبة في وجهه، كانت تهدهد روحه، وتملأ عليه بيته، ولئن كانت السيرة لا تحدثنا عن تفاصيل ذلك، إلا أننا نستطيع أن نلتقطها ونستوحيها من خلال كلمة الرسول الخالدة، "فاطمة أم أبيها"، هذه الكلمة التي قالها بعد أن هزّته عاطفتها، فأطلق كلمته هذه مخلّداً حركة الأمومة في ابنته، لأن كلمة " أم أبيها " تختزن كل إحساس النبي بحنان ابنته وقلبها الكبير الذي كان يحنو على رسول الله(ص).

ولنتصوّر كم كانت عاطفة فاطمة وكم كان قلبها كبيراً حتى استطاعت أن تملأ روح هذا الإنسان العظيم وتشعره بالاطمئنان وتحوطه بالرعاية، لقد كانت أمومتها له(ص) واحتضانها له شيئاً فوق العادة، كانت بذلك تحمل مسؤولية كبرى، لأن الأمومة ـ بشكل عام ـ مسؤولية كبرى تملأ فكر الأم وتشغل مشاعرها وأحاسيسها وتتعب جسدها وفكرها، باعتبار أن المرأة عندما تكون أماً فإن الولد سيكون محور حياتها، ولهذا نجد أن بعض الأزواج يغارون من أطفالهم عندما يرون أن زوجاتهم قد شغلن بالأطفال. هذه هي طبيعة الأمومة بشكل عام، فكيف إذا كانت الأمومة لشخصية مثل رسول الله(ص)، فلا بد أن يبذل من يقوم بهذا الدور من الجهد والطاقة الشعورية ومن الروح العميقة الممتدة ومن الأفق الواسع ومن خفقات القلب ونبضات الشعور، الشيء الكثير الكثير ليقوم بهذا الدور.

ولذلك فإننا نعتبر أنّ هذه الكلمة توحي بعظمة الزهراء(ع)، وحتى وإن لم يمدنا التاريخ بكثير من تفاصيل العلاقة بين فاطمة وأبيها ومن حياتها، فإن هذه الكلمة وحدها كافية للتدليل على منزلتها ومقامها عند رسول الله(ص) الذي {وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى}[ النجم:3_4] . فهو لا يتكلم عن هوى أو عاطفة غير مسؤولة، وإنما يتكلم بالحق والحقيقة والكلام الجادّ.

إن هذه الكلمة تختصر كل حياة الزهراء(ع) ودورها في تخفيف الآلام التي عاشها رسول الله(ص) والأعباء والأثقال التي واجهها من المشركين والمنافقين.

الأربعاء، أيار ٠٤، ٢٠١١

تقليل ميزانية الهيئات الرقابية لمصلحة من ؟

مــــهدي زايـــــر جـــــاسم

mahdyzaer@yahoo.com

أصبح جلياً أن عمليات بناء النزاهة والشفافية ومحاربة الفساد ينبغي أن تتصدر أولويات الجهود الإصلاحية اللازمة للحكومة والبرلمان لتفعيل التنمية الاقتصادية والاستثمار وتحقيق استدامتها و تعميم مبدأ الشفافية على كافة الأنشطة والبرامج والمشروعات الاستثمارية بات أمراً هاماً وملحاً.

وفي ضوء ما تشهده العديد من الدول المتقدمة والنامية من مبادرات ناجحة تصدت لظواهر الانحراف والفساد بعد ما تبين خطورة غياب الشفافية وانتشار الفساد بالنسبة لمقدرات المجتمع وأهدافه التنموية و تسبب الفساد في تقويض التنمية في العديد من الدول في شتى أنحاء العالم وعلى مر العصور .

تؤدي الهيئات الرقابية دوراً بارزاً في محاربة الفساد كهيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومكاتب المفتشين العموميين ، وتبذل جهوداً كبيرة في سبيل الحد من ظاهرة الفساد الذي ينخر في جسد الدولة العراقية ،ومع أنها دوائر فتية وعمرها لايتجاوز بضع سنين عدا ديوان الرقابة المالية ، لكنها أثبتت جدارتها في ميدان محاربة الفساد ونشر الشفافية،وقطعت أشواطاً كبيرة في هذا المجال، وأوقعت العديد من ما فيات الفساد ورؤسه الكبيرة في شراكها.

وقد أعادت الهيئات الرقابية مليارات الدنانير إلى خزينة الدولة ،وفي قضية واحدة هي قضية( زينة الموظفة في امانة بغداد) أعادت الهيئة مبلغ (13)مليار دينار إلى الخزينة ، عدا السيارات الفارهة والبيوت الضخمة و(كليوات ذهب) وغيرها من العلميات التي قامت بها العمليات الخاصة في هيئة النزاهة،وفي هذة المرحلة المهمة من عمل هذة الهيئات وبعد النجاحات التي حققتها نُفاجأ بتخفيض ميزانية الهيئات الرقابية وشلّ حركتها وعلى قاعدة (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون) .

لقد حثت اتفاقية الأمم المتحدةمكافحة الفساد الذي يُعَدُّ العراق إحدى الدول الموقعين على الاتفاقية وصادق عليها مجلس النواب ما نصه (تقوم كل دولة طرف، وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني، بمنح الهيئة أو الهيئات المشار إليها في الفقرة (1) من هذه المادة ما يلزم من الاستقلالية، لتمكين تلك الهيئة أو الهيئات من الاضطلاع بوظائفها بصورة فعالة، وبمنأى عن أي تأثير لا مسوغ لـه. وينبغي توفير ما يلزم من موارد مادية وموظفين متخصصين، وكذلك ما قد يحتاج إليه هؤلاء الموظفون من تدريب للاضطلاع بوظائفهم) فأين هي الهيئات الرقابية من هذا الدعم هل هو بتقليل الميزانية ؟! أم بعدم تشريع القوانين التي تنتظر في البرلمان منذ أمد طويل،أم في عدم تخصيص درجات وظيفية ؟ فكيف تستطيع هذة الهيئات تغطية الانفجار الحاصل في توزيع الحقائب الوزارية حيث بلغت (41) وزارة تقاسمتها الكتل السياسية على طريقة(شيلني واشيلك) عدا الهيئات غير مرتبطة بوزارة،فكيف تعمل هذه الهيئات المستقلة وهي مكتفة الأيدي مغلولة الأعناق لاناصر ولامعين ،وكأن الكتل السياسية تحاول عرقلة عملها وتحجيم دورها حتى (ظل البيت لمطيرة ...).

ونحن نخاطب شعبنا من هنا ونقول إن هناك أيادي خفية تحاول الالتفاف على عمل الهيئات الرقابية كي تبدو عاجزة عن الحركة وضعيفة ولا تستطيع العمل ثم الدعوة إلى الغائها بحجة عدم نجاحها وتعطيلها الاستثمار والمشاريع ،وهي حجج واهية أوهن من بيت العنكبوت ،فالشعب واعٍ ومثقف ومطلع ،فيجب توفير الموارد المالية والبشرية لكي تقوم هذة الهيئات بعملها بصورة صحيحة .

إن الفساد والإرهاب هما وجهان لعملة واحدة ،ولو نظرنا إلى المبالغ التي خصصت لمحاربة الإرهاب وقارناها بالمبالغ التي خصصت المحاربة الفساد فلا تكاد ميزانية هيئة النزاهة تكفي لدفع رواتب منتسبيها ،ناهيك عن الأمور اللوجستية التي تضمن عمل هذه الهيئات وديمومتها ،علما أن هذه الهيئات لديها فروع في المحافظات كافة تحتاج إلى الأفراد والسيارات والخدمات الأخرى الضرورية لإنجاح عملها والضرب على أيدي المفسدين الذين ينهبون المال العام نهاراً جهاراً دون رادع أو دين.