وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

الثلاثاء، آب ٣١، ٢٠١٠

لأبي الأسود الدؤلي صاحب أمير المؤمنين علي (ع)

قد وجهها إلى معاوية ، ينسب فيها قتل الإمام لمعاوية وأنصاره


ألا أبلغ معاوية بن حـرب ... فلا قرّت عيون الشامتينـا

أفي شهر الصيام فجعتمونا ... بخير الناس طراً أجمعينـا

قتلتم خير من ركب المطايا ... وذللها ، ومن ركب السفينا

ومن لبس النعال ومن حذاها ... ومن قرأ المثاني والمئينـا

الجمعة، آب ٢٧، ٢٠١٠

القرآن الكريم..علويا

نـــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

نسبة الى امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، من خلال الاجابة على الاسئلة التالية:

اولا: كيف نقرا القران الكريم؟.

ثانيا: كيف نجسده؟.

ثالثا: ومن اين ناخذ علومه؟ وعلى يد من نتعلم اسراره؟ ولمن نلجأ لنفهم معانيه ونغوص في اعماقه؟.

للجواب على السؤال الاول، يلزمنا، اولا، ان ننتبه الى حقيقة في غاية الاهمية، وهي؛

ان القران الكريم هو معجزة الرسول الكريم محمد بن عبد الله (ص) وهو المعجزة الخالدة للاسلام والتي لا تقف عند حد زماني او مكاني معين، وبذلك تختلف معجزة رسولنا الكريم عن معاجز بقية الانبياء والرسل، فاذا كانت معاجز الرسل والانبياء آنية (وقتية) فان معجزة الرسول الكريم خالدة لا تقتصر على زمان او مكان معينين، وهذا يعني بانه (القران الكريم) يجب ان يكون قادرا على الاجابة على كل اسئلة البشرية الى قيام يوم الدين، بمعنى آخر، انه يجب ان نجد في طياته وآياته الكريمة كل الحلول لكل المشاكل التي نعيشها، ليس نحن، هذا الجيل فقط، وانما كل الاجيال التي تعاقبت منذ نزول القران الكريم والتي ستتعاقب الى قيام يوم الدين، والا لما صدق عليه وصف المعجزة الخالدة، والمصدر الخالد، فهل ان القرآن الكريم كذلك هو اليوم؟.

بنظرة سريعة الى واقع الحال، سنجد ان القران الكريم اليوم ليس كذلك؟ فهو لم يحل مشاكلنا، كما اننا لم نجد فيه الاجوبة على مختلف اسئلتنا، ما يعني ان السر في احد امرين:

فاما ان يكون القران ليس كما وصفته للتو، من كونه معجزة الرسول الكريم الخالدة، الذي تجد فيه البشرية كل ما تحتاجه من اجل حياة افضل، وهذا مستحيل، فلقد ثبت الله تعالى هذه الحقيقة في العديد من الايات، كما في قوله تعالى {افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} وفي قوله {ذلك بان الله نزل الكتاب بالحق} و {هو الذي نزل عليك الكتاب بالحق} و {وما من دابة في الارض ولا طائر يطير بجناحيه الا امم امثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ} و {افغير الله ابتغي حكما وهو الذي انزل اليكم الكتاب مفصلا} و {الله الذي نزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب} و {وما كان هذا القران ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين} وفي قوله {ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم} و {ولقد صرفنا للناس في هذا القران من كل مثل فابى اكثر الناس الا كفورا} و {ولقد صرفنا في هذا القران للناس من كل مثل وكان الانسان اكثر شئ جدلا} وغيرها الكثير من الايات التي تشير الى هذا المعنى.

او ان يكون السر في الانسان ذاته، والذي لا يعرف كيف يقرا القران الكريم او لا يعرف كيف يتعامل معه، وكيف يستفيد منه، فمثله في هذه الحالة كمثل المريض الذي يصف له الطبيب دواءا لا يستفيد منه، لانه لا يعرف كيف ومتى ياخذ الدواء.

وبمراجعة سريعة للعلاقة التي تربطنا بالقران الكريم سنجد بان السر في النقطة الثانية، بعد ان حولنا القران الكريم الى مجموعة تعاويذ نقراها عند الحاجة، فاذا اراد احدنا، مثلا، ان يرزقه الله ولدا قرا الاية الفلانية، واذا ارادت الام ان تستعجل نصيب ابنتها تقرا السورة الكذائية، واذا اشتهى احدنا ان يوسع الله عليه رزقه قرا السورة العلانية، واذا مات احد هرعنا الى القران الكريم لنقرا بعض آياته على قبره ليرحمه الله ويسكنه فسيح جنانه، وهكذا، ولكن؛

هل ترانا رجعنا الى القران الكريم نبحث فيه عن حلول لمشاكلنا الاجتماعية؟ وهل عدنا اليه عندما تتدهور العلاقة بين افراد الاسرة الواحدة؟ وهل قراناه لنعرف الحل المناسب الذي يقدمه لنا عندما تزداد وتنتشر الامراض الاجتماعية في مجتمعاتنا، كالجريمة المنظمة والفساد المالي والاداري والتحلل الخلقي وغير ذلك؟ هل عدنا اليه لنتلمس في آياته الكريمة معالم الطريق لحياة سعيدة ملؤها الصحة والامن وحسن الجوار والاسرة السعيدة والرفاهية؟ وهل عدنا اليه لنتعلم كيف نقيم نظاما سياسيا عادلا ومستقرا يقوم على اساس مبادئ الحرية والشراكة والشورى؟ وهل قرانا قصص الامم السالفة بطريقة نتعلم فيها كيف ولماذا تنقرض امم وشعوب؟ وكيف وبماذا تنهض امم وشعوب اخرى؟ وهل لجانا الى آياته اذا ما داهمنا خطر قيام نظام شمولي استبدادي وراثي قمعي بوليسي لنعرف كيف الخلاص وبماذا؟ وهل تعلمنا منه كيف نواجه الاعلام المضلل والدعاية السوداء؟ وهل علمتنا سوره وآياته كيف نتحاور وكيف يحترم بعضنا وجهة نظر البعض الاخر، بلا تعصب اعمى من اجل الوصول الى الحقيقة؟ ابدا ابدا، لاننا لم نعد نتعامل مع القران كمرجع لحل مشاكلنا او من اجل حياة افضل، انما حولناه، كما قلت آنفا، الى تعاويذ متفرقة لا اكثر ولا اقل.

الم اقل لكم بان السر فينا وليس في القران الكريم، في طريقة تعاملنا وطبيعة علاقتنا معه وليس في آياته المحكمات؟.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فاننا حولنا آيات القران الكريم الى رموز وصور واشكال ميتة لا حياة فيها ولا حراك، من خلال اهتمامنا بقراءته فقط، فاذا بنا نتبارى في تجويده وترتيله، ونتسابق في ختم اجزائه خاصة في شهر الله الفضيل رمضان المبارك، فهذا ختمه مرة في هذا الشهر الفضيل وذاك ختمه مرتين وثالث ختمه ثلاث او اربع مرات وهكذا، بسرعة بسرعة حتى لا يلحق بنا احد، اما اذا سالنا انفسنا، في كم آية تدبرنا في شهر رمضان الكريم؟ وفي كم آية تفكرنا؟ وكم آية تركت في نفوسنا وعقولنا اثرا فغيرت سيرتنا او بدلت فهمنا ووعينا للاشياء والاحداث او بدلت من سلوكياتنا المنحرفة او من علاقاتنا السيئة؟ فهذا ما لا يهتم به احد ولا يسال عنه احد.

صحيح ان قراءة القران الكريم امر مستحب جدا، وان الابداع في قراءته، شكلا وصوتا ومضمونا، امر مستحب هو الاخر، ولكنه ليس الهدف ابدا، وليس المنتهى ابدا، وانما حثت الايات والروايات على القراءة والتجويد والترتيل من اجل ان يترك فينا الاثر المطلوب، والا فما فائدة القراءة المجردة والترتيل والتجويد الميت الذي لا يؤثر في نفوسنا وجوارحنا شيئا؟ اولم يقل القران الكريم متحدثا عن الاثر الذي تتركه آيات القران على جبل، فكيف لا تترك اثرها على القلوب وفي النفوس؟ يقول تعالى {لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}.

نعود الى السؤال الذي صدرنا به الحديث، وهو؛

كيف نقرا القران الكريم؟.

الجواب:

اولا: بطريقة التفكر والتدبر، لتترك آياته الاثر المطلوب.

والتدبر والتفكر لغة، يقال (تفكر اذا ردد قلبه معتبرا) اي ان التفكر في الاية يلامس القلب من جانب ويترك الاثر المطلوب من جانب آخر، ولذلك ورد في القران الكريم هذا المعنى بقوله عز وجل {افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها} فالذي يغلق قلبه بقفل كبير لا يمكنه ان يتفكر ابدا، وبالتالي لا يمكنه ان ان يعتبر بالايات باي شكل من الاشكال.

واذا عدنا الى الايات القرانية التي تحث على التدبر والتفكر، فسنكتشف حقيقة في غاية الاهمية، الا وهي ان كل آيات الله تعالى في خلقه لا يمكن ان يشعر بها الانسان او يتحسسها او يعتبر بها او يتلمس عظمتها وسرها وفلسفتها الا بالتفكر والتفكر فقط، ففي الايات:

{ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه اخلد الى الارض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب ان تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون}.

{انما مثل الحياة الدنيا كماء انزلناه من السماء فاختلط به نبات الارض مما ياكل الناس والانعام حتى اذا اخذت الارض زخرفها وازينت وظن اهلها انهم قادرون عليها اتاها امرنا ليلا او نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالامس كذلك نفصل الايات لقوم يتفكرون}.

{الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والارض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار}.

{وهو الذي مد الارض وجعل فيها رواسي وانهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

{ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.

{ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف الوانه فيه شفاء للناس ان في ذلك لآية لقوم يتفكرون}.

{ومن آياته ان خلق لكم من انفسكم ازواجا لتسكنوا اليها وجعل بينكم مودة ورحمة ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

{الله يتوفى الانفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الاخرى الى اجل مسمى ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

{وسخر لكم ما في السماوات وما في الارض جميعا منه ان في ذلك لآيات لقوم يتفكرون}.

{لو انزلنا هذا القران على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون}.
{افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.

اذن، فكل آيات الله تعالى الاجتماعية والاعجازية، في الافاق والكون والخلق، وآياته في الرزق وفي عظمة الخالق، بل وحتى آية الله سبحانه وتعالى في خلق القران الكريم، لا يمكن ان نفهمها ونستوعبها الا بالتفكر والتدبر، لان آيات الله من العمق والسعة ما لا يمكن ان تترك فينا اثرا من دون التدبر والتفكر، فضلا عن ان مرجعية آيات القران الكريم لا يمكن ان تتحقق من دون التدبر والتفكر.

من هنا جاء الحث المتواصل في احاديث رسول الله (ص) وائمة اهل البيت عليهم السلام، على التدبر والتفكر، لاستيعاب آيات الله تعالى وفهم آيات القران الكريم، ففي الحديث الشريف {تدبر ساعة خير من عبادة سنة، او سبعين سنة} كما ورد في صفة الصحابي الجليل ابا ذر الغفاري رضي الله عنه (وكان اكثر عبادته التفكر} فبالتدبر والتفكر يكون القران الكريم مصدرا ومرجعا خالدا نجد فيه الحلول المناسبة لمشاكلنا المستديمة والعويصة.

والغريب في الامر ان الله تعالى شاء ان يعاقب من لا يتدبر في آياته، بطريقة تفقده نعم الرؤية والاستماع والتعقل والتفقه، على الرغم من امتلاكه للعين والاذن والقلب، كما تفقده القدرة على فهم واستيعاب آيات الله تعالى والى الابد، كما اشارت الى ذلك الايتين الكريمتين:

{ولقد ذرانا لجهنم كثيرا من الجن والانس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم اعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها اولئك كالانعام بل هم اضل اولئك هم الغافلون}.

{ساصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الارض بغير الحق وان يروا كل آية لا يؤمنوا بها وان يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وان يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا ذلك بانهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين}.

ان الغفلة عن آيات الله تعالى تجر على العبد خسران نعمة التعقل والتفكر والفهم، وبالتالي فانه يخسر بذلك القران الكريم كمرجع ومصدر خالد يجد فيه الحلول اللازمة.

ثانيا: ان نستشعر آيات القران الكريم، فلا نمر عليها مرور الكرام، او ان نقراها لقلقة لسان، من اجل ان تترك فينا الاثر المطلوب، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عليه السلام يصف المتقين بقوله {اما الليل فصافون اقدامهم، تالين لاجزاء القران يرتلونها ترتيلا، يحزنون به انفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فاذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا اليها طمعا، وتطلعت نفوسهم اليها شوقا، وظنوا انها نصب اعينهم، واذا مروا بآية فيها تخويف اصغوا اليها مسامع قلوبهم، وظنوا ان زفير جهنم وشهيقها في اصول آذانهم} وكذلك في قوله يصف به اصحابه الميامين {أوه على اخواني الذين تلوا القرآن فاحكموه، وتدبروا الفرض فاقاموه}.

ثالثا: لقد شرع القران الكريم كل ما يخص الانسان الفرد والانسان المجتمع، وبعودة سريعة الى عدد الايات التي شرعت للانسان الفرد قياسا الى عدد الايات التي شرعت للانسان المجتمع، فسنجدها قليلة جدا، ما يعني بان القران الكريم صب اكثر اهتمامه على التشريع للانسان المجتمع.

حتى ايات الانسان الفرد انما شرعها الله تعالى من اجل ان تساهم في صياغة الانسان المستقيم الذي سيلعب دورا ايجابيا في المجتمع، فمثلا في الاية المباركة {ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر} تحث على ان يكون لصلاة الانسان اثرا مباشرا في بناء شخصيته ليكون عنصرا ايجابيا ومفيدا في المجتمع لا يرتكب الفحشاء ولا يفعل المنكر.

هذه الحقيقة غفلناها للاسف الشديد فلم نعد نهتم كثيرا بالجانب الاجتماعي لايات القران الكريم، وانما صببنا كل اهتمامنا على الجانب الفردي، وهذا خطا كبير جدا يجب ان ننتبه اليه من اجل ان نعود للقران عودة جماعية (اجتماعية) لنجد فيه الحلول المناسبة لمشاكلنا الاجتماعية، وما اكثرها واعقدها، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عليه السلام بقوله {انما بدء وقوع الفتن اهواء تتبع، واحكام تبتدع، يخالف فيها كتاب الله} وذلك عندما يغفل المجتمع عن الجانب الاجتماعي في كتاب الله العزيز، وهو حالنا وواقعنا المزري اليوم، وللاسف الشديد.

لقد لخص القران الكريم هذه الحقيقة في العديد من الايات لعل من ابرزها قوله عز وجل {نحن نقص عليك احسن القصص} وهذه الاية في سورة يوسف التي انصب قالبها في قصة نبي الله يوسف عليه السلام، وردت في القران الكريم كخارطة طريق اجتماعية من خلال صياغة الانسان الفرد بطريقة سليمة، يعتمد على الله تعالى ويهتم باخيه الانسان ويعذر ويسامح ويتجاوز ويحب الخير لغيره كما يحب الخير لنفسه، لا يغش ولا يخادع ولا يمد يده الى المال الحرام، ولا يرتكب الفساد الاداري ولا يميز بين الناس عندما يوليه الله تعالى مسؤولية ما او منصبا في الدولة، كما انه لا يخون من ياتمنه على ارزاق الناس واعراضهم ودمائهم، وغير ذلك من القيم والمناقبيات التي تبني الشخصية السليمة التي تفضي الى بناء المجتمع السليم.

اما في قوله تعالى {ان الذي فرض عليك القران لرادك الى معاد} والفرض هنا بمعنى الايجاب، اي اوجب عليك العمل به، اي بما فيه من الاحكام، وهي بالتاكيد اشارة الى الجانب الاجتماعي بالدرجة الاولى، لان مهمة الرسول الكريم، كما هو واضح، بناء المجتمع الصالح من خلال بناء الفرد السليم.

رابعا: ان نعمل بالقران الكريم فلا نكتفي بقراءته والتدبر فيه، ففي وصيته الى ولديه الحسن والحسين عليهما السلام بعد ان ضربه عدو الله ابن ملجم، يقول امير المؤمنين عليه السلام {والله الله في القران لا يسبقكم بالعمل به غيركم} وفي هذا النص تستوقفنا حقيقتان؛

الاولى؛ هي ان الامام يحث على العمل بالقران، اي بآياته وسننه وقواعده وطرقه التي تنتهي الى السعادة في الدارين، وهذه الحقيقة يستوحيها امير المؤمنين عليه السلام من كتاب الله العزيز ذاته، ففي آيات مثل {شهر رمضان الذي انزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} {ان هذا القران يهدي للتي هي اقوم} {وننزل من القران ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} حث واضح على العمل بالقران الكريم، والا كيف يمكن ان تكون آياته فيها هدى وشفاء وخارطة طريق اذا اكتفى الناس بقراءته فقط دون العمل به؟ ففي هذه الحالة ستنطبق عليهم الاية المباركة {وقال الرسول يارب ان قومي اتخذوا القرآن مهجورا} فهم بالتاكيد لم يهجروا قراءته، وانما هجروا العمل به والتمسك بهديه.

الثانية؛ هي ان هذا القران ليس للمؤمنين فقط وانما للناس كافة، لذلك فان الامام عليه السلام يحذر المسلمين من ان ياخذ غيرهم بهديه ويتركونه، وهذا ما يحصل اليوم، فان امما واقواما عملت بهدي القران الكريم فتقدمت، والمسلمين هجروا هديه واكتفوا بقراءته فتاخروا.

لقد وردت آيات كثيرة تشير الى ان هذا القران للناس كافة، منها قوله عز وجل {ولقد ضربنا للناس في هذا القران من كل مثل}.

بقي ان نجيب على السؤال الاخير، وهو:

من اين ناخذ علوم القران الكريم؟ وعلى يد من نتعلم اسراره؟ ولمن نلجأ لنفهم معانيه ونغوص في اعماقه؟.

سنجد الاجابة على هذا السؤال بشكل واضح وجلي اذا عرفنا منزلة اهل البيت عليهم السلام، وتحديدا منزلة امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، من القرآن الكريم، فعندها سنعرف لمن يجب ان نلجا لنتلو القران الكريم حق تلاوته.

فاما بالنسبة الى منزلة اهل البيت عليهم السلام، فيمكننا ان نستكشفها من خلال النصوص التالية التي اوضح فيها امير المؤمنين عليه السلام منزلتهم من القران الكريم:

{هم، اهل البيت، موضع سره، ولجأ امره، وعيبة علمه، وموئل حكمه، وكهوف كتبه، وجبال دينه، بهم اقام انحناء ظهره، واذهب ارتعاد فرائصه، فاين يتاه بكم؟ وكيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم؟ وهم ازمة الحق واعلام الدين والسنة الصدق، فانزلوهم باحسن منازل القران، وردوهم ورود الهيم العطاش، ايها الناس، خذوها عن خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم (انه يموت من مات منا وليس بميت، ويبلى من بلي منا وليس ببال) فلا تقولوا بما لا تعرفون، فان اكثر الحق فيما تنكرون، واعذروا من لا حجة لكم عليه، وانا هو، الم اعمل فيكم بالثقل الاكبر، واترك فيكم الثقل الاصغر؟}.

{نحن شجرة النبوة ومحط الرسالة، ومختلف الملائكة، ومعادن العلم، وينابيع الحكم}.

{اين الذين زعموا انهم الراسخون في العلم دوننا، كذبا وبغيا علينا، ان رفعنا الله ووضعهم، واعطانا وحرمهم، وادخلنا واخرجهم، بنا يستعطى الهدى، وبنا يستجلى العمى، ان الائمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم، ولا تصلح الولاة من غيرهم}.

{نحن الشعار والاصحاب، والخزنة والابواب، ولا تؤتى البيوت الا من ابوابها، فمن اتاها من غير ابوابها سمي سارقا}.

{فيهم، اهل البيت، كرائم القران، وهم كنوز الرحمن، ان نطقوا صدقوا، وان صمتوا لم يسبقوا}.

{هم عيش العلم، وموت الجهل، يخبركم حلمهم عن علمهم، وظاهرهم عن باطنهم، وصمتهم عن حكم منطقهم، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه، هم دعائم الاسلام، وولائج الاعتصام، بهم عاد الحق في نصابه، وانزاح الباطل عن مقامه، وانقطع لسانه عن منبته، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية، لا عقل سماع ورواية، فان رواة العلم كثير، ورعاته قليل}.

هذا هو موقع اهل البيت من القران الكريم، اما موقع امير المؤمنين فحدث ولا حرج ويكفيه بهذا الصدد حديثين عن رسول الله (ص) بحقه، الاول قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) {علي مع الحق والحق مع علي، لا يفترقان حتى يردا علي الحوض} والثاني قوله (ص) {انا مدينة العلم وعلي بابها، فمن اراد دخول المدينة فلياتها من بابها}.

لقد وصف امير المؤمنين عليه السلام علاقته ومكانته من القران الكريم بقوله {انما مثلي بينكم كمثل السراج في الظلمة، يستضئ به من ولجها، فاسمعوا ايها الناس وعوا، واحضروا آذان قلوبكم تفهموا} وكذلك في قوله عليه السلام {تالله لقد علمت تبليغ الرسالات، واتمام العدات، وتمام الكلمات، وعندنا، اهل البيت، ابواب الحكم وضياء الامر} وهو القائل {لقد علمني حبيبي رسول الله (ص) الف باب من العلم، يفتح لي من كل باب الف باب}.

ان امير المؤمنين عليه السلام هو الاقرب الى القران الكريم، بل هو القران الناطق، وهو عدل القران، وهو احد الثقلين، فلقد استوعبه وفهمه كما نزل على رسول الله (ص) وهو القائل عليه السلام {والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيم نزلت واين نزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا، ولسانا مسؤولا، وفي نص آخر، ولسانا طلقا} وفي آخر {سلوني عن كتاب الله فانه ليس من آية الا وقد عرفت بليل نزلت ام بنهار؟ في سهل ام في جبل؟}.

كما ذكرت كل كتب التاريخ ان رسول الله (ص) قال اكثر من مرة {معاشر الناس، هذا علي اخي ووصيي وواعي علمي وخليفتي في امتي على من آمن بي، الا ان تنزيل القران علي، وتاويله وتفسيره بعدي عليه} وقوله (ص) {علي يعلم الناس بعدي من تاويل القران ما لا يعلمون}.

مما تقدم وغيره الكثير جدا، يؤكد لنا حقيقة في غاية الاهمية وهي ان معلم القران الاول بعد رسول الله (ص) هو امير المؤمنين عليه السلام، ولذلك يجب ان لا ناخذ القران من غيره فنتيه كما تاه من اخذه ممن يجهل آياته ومعانيه ولم يسبر اغواره، فالقران الكريم الذي يصفه امير المؤمنين عليه السلام بقوله:

{ان الله سبحانه انزل كتابا هاديا بين فيه الخير والشر، فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدفوا عن سمت الشر تقصدوا} {والله سبحانه يقول: (ما فرطنا في الكتاب من شئ) وفيه تبيان لكل شئ، وذكر ان الكتاب يصدق بعضه بعضا، وانه لا اختلاف فيه، فقال سبحانه: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) وان القرآن ظاهره انيق، وباطنه عميق، لا تفنى عجائبه، ولا تنقضي غرائبه، ولا تكشف الظلمات الا به} {وتعلموا القران فانه احسن الحديث، وتفقهوا فيه فانه ربيع القلوب، واستشفوا بنوره فانه شفاء الصدور، واحسنوا تلاوته فانه انفع القصص} {وكتاب الله بين اظهركم، ناطق لا يعيا لسانه، وبيت لا تهدم اركانه، وعز لا تهزم اعوانه} {ذلك القران فاستنطقوه، ولن ينطق، ولكن اخبركم عنه: الا ان فيه علم ما ياتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم} {ثم انزل عليه الكتاب نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يضل نهجه، وشعاعا لا يظلم ضوؤه، وفرقانا لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهدم اركانه، وشفاءا لا تخشى اسقامه، وعزا لا تهزم انصاره، وحقا لا تخذل اعوانه} {واعلموا ان هذا القران هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يظل، والمحدث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القران احد الا قام عنه بزيادة او نقصان، زيادة في هدى، او نقصان من عمى، واعلموا انه ليس على احد بعد القران من فاقة، ولا لاحد قبل القران من غنى، فاستشفوه من ادوائكم، واستعينوا به على لأوائكم، فان فيه شفاءا من اكبر الداء، وهو الكفر والنفاق، والغي والضلال، فاسالوا الله به، وتوجهوا اليه بحبه، ولا تسالوا به خلقه، انه ما توجه العباد الى الله بمثله} {وان الله سبحانه لم يعظ احدا بمثل هذا القران، فانه (حبل الله المتين) وسببه الامين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره، فالقران آمر زاجر، وصامت ناطق، حجة الله على خلقه، اخذ عليهم ميثاقهم، وارتهن عليهم انفسهم، اتم نوره، واكمل به دينه، وقبض نبيه (ص) وقد فرغ الى الخلق من احكام الهدى به} ان هذا القران لا يمكن ان نهتدي بهديه الا اذا اخذناه من مصدره الاول بعد الرسول الكريم (ص) الا وهو امير المؤمنين الامام علي بن ابي طالب عليه السلام، فهو باب علم رسول الله (ص) وهو عيبة علمه، فكيف نريد ان نتعلم القران ونهتدي بهديه اذا تسورنا المدينة ولم ندخلها من الباب؟ كما فعل كثيرون عندما اخذوا القران من غير امير المؤمنين فتاهوا ولم يهتدوا، واضلوا كثيرا ممن خلق، اذا بهم يفسرون القران على اهوائهم ويفهمون آياته بغير ما انزل الله تعالى فتحولوا الى قتلة ومجرمين، يعيثون في الارض فسادا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملخص المحاضرة التي القيت في مركز الامام علي (ع) في العاصمة واشنطن، في الليلة التاسعة من شهر رمضان المبارك.

25 آب 2010

الاثنين، آب ٢٣، ٢٠١٠

بغداديات ... الحلقة الرابعة من (اعادة تربية)

بتوقيع : بهلول الكظماوي
............................


بداية اعتذر للقراء الكرام عن تأخيري للحلقة الرابعة من ( اعادة تربية ) و التي تتناول خسّة و دنائة و نذالة ضعيفي النفوس ممن اشتركنا معهم في معارضة نطام صدام و الذين طبعوا في وقتها العملة العراقية المزورة ( و ذلك بعد قمع انتفاضة اهلنا في شعبان/ آذار 1991 مباشرةً ), والتي من المعلوم للجميع أن نظام قمعي كنظام الطاغية صدام اذا مسك احدهم يحمل هكذا عملة مزورة سيقضي نحبه تحت سياط جلادي صدام و تحت تعذيب جلاوزته من قلع للأضافر و سمل للعيون و جدع للانوف بغض النظر فيما اذا كان حامل هذه العملة المزورة مجرما قاصداً مصرّاً في ترويجها ام بريئ جاهل بما يحمله من ممنوعات ( و بالطبع ان الغالبية الساحقة ممن سيقبض عليهم هم ابرياء جاهلين لما يحملونه معهم و غير واعين ان العملة التي يحملونها مزيفه, وذلك لأن من يزيف و يروج لها يستغل بساطة و جهل الناس و عفويتهم ) وانا هنا ساحاول أن اختصر ما لدي من وثائق, ارجو ان احتفظ لنفسي ببعضها لتدفن معي و الى الابد لأني لا اسمح لنفسي أن اكون طرفاً يهدم طرفاً لتستغل هذا الهدم اطراف اخرى لأغراض و منافع سياسية أو انتخابية أولاً , وأن لا اسمح لنفسي أن اثلج قلوب البعثيين و التكفيريين ثانياً.
بالطبع رافق هذا العمل المشين, عمل اقذر منه وهو تهريب ما سرقته عصابات الجريمة المنظمة من ممتلكات اثناء الانتفاضة, اهمها سيارات المواطنين العراقيين مع ما سرقوه من سيارات الدولة العراقية على اعتبار انها ممتلكات دولة ظالمة يجوز مصادرتها , ثم تم تهريبها الى ايران ,و تركيا لتباع هناك تحت عنوان مجهولية المالك وليشتريها و يتاجر بها المتاجرون بالدين من ادعياء المعارضة العراقية آنذاك.
عزيزي القارئ الكريم:
لك أن تتصور اي كارثة حلّت بشعبنا العراقي حينما تسلط هكذا دنيئي نفوس على الشعب العراقي المظلوم ليتنافسوا ايهم يحكم الشعب المسكين بعد ذهاب الطاغية و بعد رحيل الاحتلال ( هذا اذا كان للاحتلال نية في الرحيل ).
هذا الخطر الذي ما ان احس به حينها العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله الا ونصحني بأن اترك الموضوع عليه وان ابتعد انا عنه حرصا على سلامتي .
وبالفعل استطاع رحمه الله أن يقضي نهائياً على هذا الطريق الغير مشروع الذي سار عليه ضعاف النفوس من المتاجرين بالدين.
عزيزي القارئ الكريم:
اختصر بوثيقتين لعلامتين موقرين تنص على أن طبع و ترويج العملة المزورة باطلة و تؤكدعلى عدم جواز التعامل بها.
فالوثيقة الاولى للسيد كاظم الحائري حفظه الله و رعاه والثانية للسيد مرتضى العسكري رحمه الله.اليكموها ادناه:
مع ملاحظة ان السيد العسكري رحمه الله وقع ورقته باسم ابو نوري (الكنية) ويذكر فيها بقلب موجوع انه ليس بمرجع ينفع استنكاره ليستنكر وهذا ما يشبه كلام الامام علي -ع -( لا رأي لمن لا يطاع ) .

عزيزي القارئ الكريم:
على الاغلب .هذا آخر ما اسطره بيدي, وآخر ما تسمعوه مني لأني وصلت الى آخر المطاف, حيث ما كل ما يعرف يقال, أوكما يقول المثل العراقي ( العظّة بالجلال)


ودمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي.
امستردام في 22-8-2010
e-mail: bhlool2@hotmail.com
mailto:bhlool2@gmail.comm

الثلاثاء، آب ١٧، ٢٠١٠

دليل تدني مستوى وعيهم السياسي

نـــــــــــــــزار حيـــــــــــــدر

عن مقارنات بعض السياسيين بشأن تأخر تشكيل الحكومة:

ابدى نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، اسفه العميق لتدني مستوى الوعي السياسي لدى بعض السياسيين في بغداد، خاصة بعض اعضاء مجلس النواب الجديد، والذي يدفعهم للبحث عن مقارنات غير صحيحة وغير دقيقة وغير موفقة لتبرير فشلهم في اداء مهامهم الدستورية وواجباتهم الوطنية ازاء الشعب العراقي.

واضاف نــــزار حيدر الذي كان يتحدث على الهواء مباشرة الى الزميل الاستاذ فلاح الفضلي في النشرة الخبرية الرئيسية لقناة (الفيحاء) الفضائية الليلة:

لو كان هؤلاء يشعرون بانهم ناجحون في اداء واجباتهم الوطنية والدستورية، وفي انجاز ما عليهم ازاء الشعب العراقي الابي، لقارنوا انفسهم بالبريطانيين الذين لم يستغرقوا سوى اقل من ثمان واربعين ساعة مرت على اجراء الانتخابات التشريعية ليشكلوا الحكومة الائتلافية الجديدة، ولكنهم يشعرون بالفشل ولذلك يبحثون عن مقارنات في حالات استثنائية في هذه الدولة او تلك لتبرير فشلهم هذا والمتمثل تحديدا في تاخرهم بتشكيل الحكومة الجديدة والذي استغرق اكثر من خمسة اشهر لحد الان من دون ان نرى اي نور في نهاية النفق، ومع ذلك فان مثل هذه المقارنات غير دقيقة وغير صحيحة بالمطلق، فدول مثل بلجيكا او ايطاليا عندما تاخر فيها تشكيل الحكومة الجديدة بعد احدى الانتخابات البرلمانية:

اولا: فان ظروف هذه الدول السياسية والامنية والسيادية لم تكن تشبه ظروف العراق الحالية ابدا، ولذلك لا يجوز المقارنة، فان مثل هذه الدول لم تكن ترزح تحت طائلة البند السابع من بنود مجلس الامن الدولي، كما انها لم تكن دول منقوصة السيادة ترزح تحت احتلال دولة اجنبية، كما هو الحال بالنسبة الى العراق اليوم، فضلا عن ان تلك الدول لم تشبه ظروفها الامنية ظروف العراق الحالية الذي يترقب تاريخ الواحد والثلاثين من الشهر الجاري وهو موعد تغيير المهام القتالية للقوات الاجنبية (الاميركية تحديدا) الى مهام المساعدة والتدريب، الى جانب سحب جل هذه القوات ليبقى منها (50) الفا فقط تتمركز في معسكراتها، ما يعني بان العراق يمر نهاية الشهر الجاري بمنعطف امني وسياسي خطير يتطلب منه ان يكون مستعدا بالكامل لتسلم مهام الملف الامني الذي يواجه تحديات الارهاب والعنف وتعدد الولاءات في المؤسسة العسكرية وغير ذلك، فكيف سيكون كذلك ولما تتشكل الحكومة الجديدة بعد؟.

كما ان الحالة الاقتصادية والخدمية والتعليمية والصحية وغير ذلك في مثل تلك الدول لم تكن متدهورة كما هو عليه الحال اليوم في العراق، والذي يرتبط فيه ملف اعادة البناء والاستثمار بالاستقرار السياسي والامني الذي يعرقله تاخر تشكيل الحكومة الجديدة، وهذا ما اشار اليه حتى بيان مجلس الامني الدولي الاخير الذي صدر مطلع الشهر الحالي، والخاص بالحالة في العراق.

ان في مثل تلك الدول، مورد المقارنة، انظمة سياسية مستقرة، وديمقراطيات عريقة، لايهددها الارهاب ولا تهددها دول الجوار التي تحكمها انظمة وراثية وعسكرية استبدادية وبوليسية شمولية، وليس هناك من يتربص بها الدوائر للانقضاض على تجربتها لحظة تحين فيها الفرصة، كما هو الحال في العراق الذي تتربص بتجربته السياسية الجديدة قوى عديدة داخلية، تتمثل بايتام النظام البائد ومجموعات العنف والارهاب، وخارجية تتمثل بعدد كبير من دول الجوار والمحيط، فضلا عن الاعلام الطائفي الذي يعبئ ضدها ليل نهار.

ثانيا: فضلا عن ان الخلاف والتاخر، في بلجيكا مثلا، لم يكن بشان من سيخلف رئيس الوزراء المنتهية ولايته الدستورية، او من الذي فاز في الانتخابات ومن الذي لم يفز، ابدا، فصندوق الاقتراع حدد هوية الفائز، والملك بادر الى تسمية رئيس الوزراء الجديد فورا، كما ان رئيس الحكومة المنتهية ولايتها اعلن عن نهاية سلطته الدستورية فور الاعلان عن نتائج الانتخابات، والذي ثار الخلاف بشانه هو تشكيلة الحكومة فحسب، اما في العراق فلا زال الخلاف يدور على تسمية الفائز في الانتخابات النيابية الاخيرة، فيما لا يزال رئيس الوزراء المنتهية ولايته يصر على التجديد لولاية ثانية، كما ان رئيس الجمهورية، والذي لم يتم انتخابه في البرلمان الجديد لحد الان، لا يعرف لمن يوكل مهمة تشكيل الحكومة الجديدة لانه بالاساس لا يعرف من هو الذي يستحق التسمية ليشكل الحكومة، ففي العراق كل الفرقاء فائزون وكلهم يريدون ان يعهد، بضم الياء، اليهم تشكيل الحكومة، وانهم جميعا يريدون ان يشتركوا في تشكيلها، فلم يشا احد في العراق ان يؤدي دور المعارضة تحت قبة البرلمان.

ثالثا: ان التاخر الذي شهدته مثل تلك البلدان شمل تشكيل الحكومة فقط، اما بقية مؤسسات الدولة فلم يصبها شئ ابدا، ففي بلجيكا مثلا لم يتعرض الملك لشئ كما ان البرلمان باشر عمله فور الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية، اما في العراق فان الدستور عطله السياسيون عندما جمدوا تسمية رئاسة مجلس النواب الجديد، كما انهم شلوا عمل المجلس نفسه، وهو اعلى سلطة تشريعية في البلاد عندما قرروا، وبالاجماع، ان تكون الجلسة الاولى مفتوحة الى اشعار آخر، فيما اضحى موقع رئيس الجمهورية شاغرا من الناحية الدستورية.

رابعا: الحقيقة الاخرى التي لا تدع مجالا للمقارنة بين حالة العراق ومثيلاته من الدول الاخرى التي تاخر فيها تشكيل الحكومة الجديدة، هو ان الخلافات التي تاخر بسببها تشكيل الحكومة الجديدة انحصرت في الفترة الزمنية الممتدة كحد اقصى بين لحظة اعلان نتائج الانتخابات والى ما قبل نهاية السقف الزمني الذي يحدده الدستور لتشكيل الحكومة الجديدة، اما في العراق فان الخلافات التي اخرت تشكيل الحكومة الجديدة استمرت متجاوزة السقف الزمني الذي حدده الدستور العراقي لتشكيل الحكومة الجديدة.

خذ مثلا على ذلك، فعندما ثار الخلاف بشان اسم الفائز في الانتخابات الرئاسية الاميركية في العام 2004 بين المرشحين الجمهوري جورج بوش والديمقراطي آل كور، فان هذا الخلاف استمر في الفترة المحصورة بين اجراء الانتخابات والى ما قبل تاريخ الاستحقاق الدستوري، وهو العشرين من كانون الثاني من السنة اللاحقة، يوم اداء الرئيس الجديد للقسم الدستوري ودخوله البيت الابيض، ولذلك فان الخلاف لم يؤثر على الاستحقاقات الدستورية ابدا، اما في العراق فان الدستور الان ركل على الرف فلم يعد احد يتحدث عنه وعن استحقاقاته وتوقيتاته ابدا.

خامسا: وفق كل هذا وذاك، فان مثل هذا الخلاف يحدث مرة كل قرن ربما في بلد من تلك البلدان، والتي تتمتع بالاستقرار والتنمية في ابهى صورها، وبحالة دستورية قل مثيلها، اما في العراق فان طريقة تعامل السياسيين والكتل البرلمانية مع الموضوع ينبئ عن امكانية تكرار مثل هذا التاخر والتلكؤ كل اربعة اعوام وتلك هي المصيبة، فلقد راينا كيف ان الازمة ثارت قبل اربع سنوات لتتكرر اليوم، وستتكرر بعد اربع سنوات اذا ما ظلت العقلية نفسها لم تتغير، ولكل ذلك اعتقد ان على كل السياسيين ان لا يتعبوا انفسهم في البحث عن مقارنات في دول العالم لتبرير فشلهم، فالفشل في هذه الحالة عراقي بامتياز.

ان نواب الشعب يتحملون اليوم مسؤولية تاريخية ووطنية كبرى، فالتجربة بين ايديهم، والديمقراطية في ملعبهم، فاذا اخفقوا في التوصل الى توافقات مرضية تفضي الى تشكيل الحكومة باسرع وقت ممكن، فانهم سيتحملون مسؤولية ضياع التجربة كاملة، وليتذكروا بانهم بهذه الطريقة حولوا العراق الى فرجة.

كما ان عليهم ان يتذكروا بان من ورائهم شعب يتضور الما من انعدام الخدمات وعلى مختلف الاصعدة، فالى متى يبقى العراقي يعاني من انعدم الكهرباء والماء الصالح للشرب وضعف الخدمات الصحية وسوء قطاع التعليم، واستفحال ظواهر الفساد المالي والاداري في مرافق الدولة، وانتشار ظواهر مثل البطالة والفقر والغلاء وغير ذلك؟.

ان عليهم ان يتذكروا بان العراقيين اذا سكتوا زمنا فلن يسكتوا دهرا، فسيبادر هذا الشعب يوما لعقابهم، وحينها {ولات حين مندم} فليتقوا الله في شهره الفضيل، رمضان المبارك، بالعراقيين.

15 آب 2010

السبت، آب ١٤، ٢٠١٠

اللهم اني صائم ... (قصة رمضانية)

بقلم محسن العبيدي الصفار
...............................

خرج سعيد من بيته فرحاً ومستبشراً بحلول شهر رمضان الكريم وأول أيام الصيام وسأل الله في بداية يومه أن يجعله خيراً وبركة وأن يوفقه لما يحب ويرضى وأن يغفر الله ذنوبه وذنوب كل المسلمين ركب سيارته وذهب الى السوبر ماركت كي يشتري الأغراض التي أوصته زوجته بشرائها أخرج الورقة من جيبه فلم يصدق ما يرى:

1- رز 20 كيلو

2- بطاطس 30 كيلو

3- عصير 10 قناني

أمسك سعيد بهاتفه وطلب رقم البيت فردت عليه زوجته فسألها مستغرباً:

- يا حبيبتي خير شو فيه عندنا وليمة؟

- لا حبيبي ما فيه وليمة ولا شي بس هذا شهر رمضان وكل عام وأنتَ بخير

- أي ما فهمت شو دخل رمضان بهالقائمة الغريبة

- يا حبيبي شهر رمضان ونحنا كلنا صايمين بدنا على الإفطار والسحور نعمل شي لقمة حلوة نحطها بالثم ( الفم )

- أي لقمة وأي ثم يا مرة؟ لو أسد أو نمر بياكل هاللقمة بده يصير عنده تخمة وعسر هضم ليش هو شهر الصيام وإلا كثر الطعام؟

- خلص سعيد إشتري اللي قلتلك عليه.

- أمري لله الواحد القهار اللهم إني صائم.

إشترى سعيد الأغراض وخرج من السوبر ماركت ووضع الأغراض في سيارته وإتجه نحو عمله جلس خلف مكتبه وفتح أول ملف وبدأ بإستقبال المراجعين عندما دخل زميله متأخراً بنصف ساعة وجلس خلف مكتبه بادره سعيد قائلاً:

- كل عام وأنت بخير صياماً مقبولاً وذنباً مغفوراً

- شكراً أخي سعيد بس وحياتك إن سأل المدير قله اني جيت على الوقت.

- بس أنا صايم أخي وما فيني أكذب وأنت كمان وما يصير تكذب.

- هاذا مو كذب خلص إنت قلله هيك وأنا آخذ الذنب على كتافي.

- كيف يعني؟

- يعني إذا يوم القيامة حاسبوك على هالكذبة أنا رح أعترف أني اللي وزيتك عليها.

- أستغفر الله ربي العظيم وأتوب إليه آسف أخي هالكلام ما اله معنى ولا تزر وازرة وزر أخرى وما راح أقدر أكذب.

إمتعض الزميل من كلام سعيد وفي هذه الأثناء دخل مراجع وإتجه نحو زميل سعيد وقدم له معاملة لإنجازها ردّ عليه الموظف قائلاً:

- أخي شرف بكره.

- ليش بكره؟ الشغلة كلها يا دوبك توقيع.

- يا حبيبي أنا صايم مالى جلادة الشغل.

- انت صايم من شان حالك وإلا منشاني أنا؟ انت عم تقبض معاشك صايم وإلا مش صايم لازم تمشي شغل الناس

غضب زميل سعيد وأحمر وجهه وأخذ يصرخ بالمراجع:

- إطلع بره ولك انت راح تعلمني شو أعمل؟ ولك مين أنت ولاه؟ لو كان عندك واسطة ما كان وقفت بالطابور هيك إمشي وهاي معاملتك ما راح تمشي وبدك ترجع تعملها من أول وجديد

حزن سعيد لما يرى وقال لزميله:

- يا حبيبي انت صايم حرام عليك تفتري على الناس بهالشكل والزلمة ما غلط يعني الرسول (ص) كان يحارب هو والمسلمين في شهر رمضان انت ما لك جلادة توقع؟

- ايه خلاص يا سعيد إرحمني انت كمان من محاضراتك.

نهض سعيد وأخذ الورقة من المراجع ووقع له عليها وإعتذر بالنيابة عن زميله وخرج المراجع وهو يدعو له بكل خير.

في نهاية الدوام خرج سعيد من العمل وإتجه الى البيت قاد سيارته وفوجيء بالسائقين يقودون سياراتهم كالمجانين وأحدهم يسب ويلعن وزمامير لا تتوقف عند الإشارة الحمراء أنزل سعيد زجاجة سيارته وقال لسائق جنبه:

- يا خيّ ليش كل هالتزمير؟ راسنا راح يفقع من الصوت

- ولك يا خيّ بدي أوصل على البيت أنام لي شي ساعتين قبل الإفطار

- طيب ما كلنا صايمين بس مو دليل نمشي مثل المجانين ونعمل حوادث وبدل الإفطار نروح على المستشفى.

- يا خيّ حاجة نصايح شكلك واحد بلا شغلة ولا عملة . وأخذ يزمر

وصل سعيد الى البيت وسلّم زوجته الأغراض التي طلبتها وصلى الفرض وأخذ قيلولة نهض بعدها على صوت مدفع الإفطار جلس الى المائدة وذهل عندما راى الاكل الذي عليها يكفي عشر اشخاص وقال في نفسه الله فرض الصيام صحة للبدن ,على هالشكل ماراح يخلص رمضان الا يكون طلع عندنا الكولسترول !! تعوذ بالله من الشيطان وجلس على المائدة وبدأ بالدعاء ولاحظ أن الجميع من زوجته وأولاده مستعجلين ويأكلون على عجل وكأن احدا يطاردهم فقال لهم:

- يا حبايبي صحيح انكم جوعانين بس ما بيسوى هيك تاكلو بسرعة ما يصير,معدتكن ما فايت عليها شي طول اليوم .

أجابته زوجته:

- اليوم أول حلقة من المسلسل الرمضاني الجديد وبيبلش بعد 10 دقايق أي والله أنا بانطر رمضان من السنة للسنة بس كرما له!!

- لا حول ولا قوة إلا بالله انتي ناطرة رمضان كرمال العبادة وإلا المسلسل؟

- الإثنين

- الله يجيب عاقبتنا بخير مع هالمسلسلات بدل ما يكون رمضان شهر الذكر والدعاء والإبتهال صار شهر المسلسلات والأغاني والفوازير.

جلس سعيد في غرفته يتلو بعضاً من كتاب الله الكريم عندما رنّ جرس الهاتف أغلق سعيد كتاب الله وردّ على الهاتف وكان صديقه مجيد على الخط:

- صياماً مقبولاً أخي سعيد

- منا ومنك أخي مجيد كيف حالك؟

- تمام والله دخلك تجي معي نسهر بالخيمة الرمضانية؟

لم يكن سعيد قد سمع بهذا المصطلح من قبل ولكنه وافق ظناً منه أن الخيمة الرمضانية لابد وأن تكون مجلساً للدعاء وذكر الله!!

ركب سيارته وذهب الى العنوان الذي ذكره له صديقه فوجده أحد الفنادق الفاخرة سأل أحد الموظفين عن الخيمة الرمضانية فأشار له الى إحدى القاعات ذهب سعيد بإتجاهها فوجد صديقه مجيد بإنتظاره على الباب، دخل الرجلان وجلسا حول طاولة وهنا سأل سعيد صديقه مجيد:

- غريب شكل هالخيمة الرمضانية يعني جلسة رمضانية مابدها كل هالفخامة والبذخ !!.

- ليش شو الغريب فيها؟

- يعني الناس عم تاكل وتشرب !! والنسوان ما شاء الله لابسات ثياب تظهر مما تخفي ومو شكل حدا فيهم جاي يتعبد في خيمة رمضان.

- انت عم تمزح؟ انت فاكر خيمة رمضان مجلس دعاء وذكر؟

- أكيد شو بدها تكون غير هالشي؟ أي شي بده يحمل إسم الشهر الفضيل لازم يكون اله علاقة بالعبادة والذكر!

ولم يكد سعيد يكمل جملته حتى أمسك رجل بالمايكروفون وأخذ يقول:

- سيداتي سادتي أهلاً وسهلاً فيكم في خيمتنا الرمضانية وأول فقرة لها الليلة المطرب المبدع طنّان ترافقه الراقصة الشرقية نواعم.

صدم سعيد وشده وهو يرى الراقصة تخرج ببذلة الرقص الخليعة ترقص وخلفها المطرب يغني والناس ترقص طرباً معهما وأحسّ بأنه في كابوس هل يعقل أن تكون هذه الخيمة الرمضانية؟ فسق وفجور وطرب ورقص خليع.

نهض سعيد على عجل وخرج رغم إصرار صديقه مجيد على البقاء حتى آخر السهرة ولحق به مجيد الى موقف السيارات وقال له:

- هاي شو بك ليش هيك معصب؟

- وبتسأل كمان يا مجيد في شهر رمضان جايبني على كباريه؟ ولك أنا بحياتي ما فتت على هيك أماكن تقوم انت تجيبني بشهر رمضان على كباريه؟ حسبي الله ونعم الوكيل.

صحيح إحنا ناس ما نستاهل النعمة ربنا أعطانا فرصة لنكفّر عن كل ذنوبنا أعطانا شهر كامل نقدر نعوض فيه عن كل خطايانا اللي عملناها طوال السنة ونطلع في آخره بيض ونظاف نقوم نحنا نرفس هالنعمة برجلنا ونخلّي الشهر الكريم سلة نجمع فيها الذنوب ونكثرها ونطلع بآخره وذنوبنا دوبلت؟ بس شو بدي اقول الشيطان شاطر وأحسن شي أقول اللهم إني صائم.

وأقفل سعيد راجعاً الى بيته وهو حزين وظل طول الطريق يردد اللهم اني صائم .


الأربعاء، آب ١١، ٢٠١٠

رمضــان كريــم

المجتمع الدولي اكثر قلقا على العراق من بعض قادته

نــــــزار حيدر لـ (الفيحاء)

في قراءته للبيان الاخير لمجلس الامن

استغرب نــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، كيف ان المجتمع الدولي يشعر بالمخاطر التي تهدد العراق والعملية السياسية، اذا ما استمر تاخر تشكيل الحكومة الجديدة، فيما لم يشعر بذلك السيد رئيس الوزراء المنتهية ولايته، عندما قلل في حديثه المتلفز قبل ايام من المخاطر التي يتحدث عنها العراقيون اذا لم تتشكل الحكومة الجديدة في اقرب وقت؟.

واضاف نـــــزار حيدر الذي كان يتحدث لقناة (الفيحاء) الفضائية في نشرتها الاخبارية الرئيسية الليلة على الهواء مباشرة:

ان ما يجب ان يلفت انتباه العراقيين في تقرير ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق السيد آد ميلكرد وفي كلمة الامين العام للهيئة الدولية بان كي مون، وكذلك في البيان الذي صدر عن مجلس الامن الدولي الليلة، امران مهمان:

الاول: هو ان المجتمع الدولي بات يتحدث عن خطر حقيقي يحدق بالعراق وتجربته الديمقراطية اذا ما استمر الفرقاء السياسيون في نزاعاتهم التي اخرت الى الان تشكيل الحكومة الجديدة، بقول السيد ميلكرت (ان ذلك يساهم في عدم استقرار الأوضاع في البلاد، ويخلق ظروفا قد يتم استغلالها من قبل عناصر معارضة للتحول الديمقراطي في العراق، كما انها تشكل اختباراً حقيقياً للتحول العراقي نحو الديمقراطية، ومدى التزام الزعماء العراقيين بالتمسك بدستور البلاد) ما يعني ان المجتمع الدولي قد دق اليوم ناقوس الخطر، فهل سيعي (زعماء) الكتل السياسية ذلك فيتنازلوا عن بعض امتيازاتهم الشخصية والحزبية التي يغلفونها عادة بوشاح المصلحة الوطنية والخوف على مستقبل البلاد من الوقوع بيد غير امينة، للاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة؟.

الثاني: هو ان المجتمع الدولي تحدث، ولاول مرة، عما وصفه التقرير بالطريق المسدود الذي قد تصله العملية السياسية برمتها، بالرغم من ان السيد ميلكرت لم يصف الحال بمثل ذلك، الا ان مجرد ورود العبارة في التقرير الدولي انما هو دليل على ان الوضع في العراق يتعرض لمخاطر جمة قد تقوض جهود العراقيين الرامية الى بناء نظام سياسي ديمقراطي جديد.

انها قراءة شخصت المخاطر التي ستحدق بالعراق اذا ما استمر الوضع كما هو عليه الان، وهو ما كنت قد شخصته في مقالتي المؤرخة في (2 آب المنصرم)، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

الف: ان كل الانجازات الضرورية التي تتعلق بمصالح الناس، ستبقى متوقفة او متعرقلة اذا ما استمر الوضع بهذه الصورة، خاصة على صعيد الخدمات والبنى التحتية.

باء: ان الوضع الحالي انما هو دليل فشل السياسيين في التاقلم مع الحالة الدستورية التي يجب ان تحكم البلاد، وهي ستدخل البلاد في وضع حرج ينبغي ان لا يستمر طويلا.

جيم: ان استمرار الحال الحاضر لا يساهم في استقرار الاوضاع في البلاد، ما يخلق ظروفا قد يستغلها المتربصون بالعملية السياسية الجديدة ممن لا يؤمن لا بالديمقراطية ولا بمبدا التداول السلمي للسلطة وبالشراكة الحقيقة بين مختلف مكونات المجتمع الدولي، خاصة من الارهابيين وايتام النظام البائد، المدعومين من الانظمة الشمولية البوليسية في المنطقة كالمملكة العربية السعودية والاردن وغيرها.

دال: ان الاسراع في تشكيل الحكومة الجديدة يعد بمثابة الاختبار الحقيقي لمدى التزام السياسيين في العملية الديمقراطية وفي الدستور تحديدا، فهي التي ستشير ما اذا كانوا يؤمنون بالفعل بالدستور الذي كتبوه بانفسهم، ام انهم ارادوه مجرد حبر على ورق يركلوه على الرف اذا ما تعارض مع مصالحهم الشخصية والحزبية، ويعودوا اليه حكما بينهم اذا ما وجدوا فيه المنقذ عندما يرون انفسهم في مهب الريح قد تغرق مراكبهم فتضيع مصالهم؟.

هاء: ان استمرا الحال على ما هو عليه الان، سيضيع على العراقيين وعلى بلادهم فرص البناء والاستثمار، لان العالم غير مستعد بالمرة لان يستثمر امواله في بلد قلق غير مستقر سياسيا.

واو: فضلا عن كل ذلك، فان استمرار مثل هذا الحال سيضيع على العراق فرصة اعادة سيادته من مجلس الامن الدولي من خلال تضييعه الجهود السياسية والديبلوماسية التي يبذلها للخروج من تحت طائلة البند السابع، والذي يجيز للامم المتحدة ومجلس الامن الدولي تحديدا التدخل في شؤون العراق كيف ومتى ما يشاء، وهو الامر الاكثر خطورة بالنسبة للعراق ومستقبله.

وعندما تحدث مجلس الامن اليوم بهذه الصيغة عن القرار الدولي رقم (833) الصادر في عام 1993 انما يكون قد ركل جهود العراقيين الرامية الى انتزاع السيادة من مجلس الامن، الى الوراء، ولفترة زمنية لا يعلم مداها الا الله والراسخون في العلم، فلماذا يضيع السياسيون كل هذه الجهود بنزاعاتهم التي لا طائل من ورائها؟.

زاء: ولا ننسى بان العراق مقبل على استحقاق امني خطير جدا يتمثل بانهاء الادارة الاميركية للحالة القتالية لقواتها وسحب جل هذه القوات بحلول نهاية الشهر الحالي، وذلك تنفيذا للجدول الزمني المنصوص عليه في الاتفاقية الامنية بين البلدين العراق والولايات المتحدة، الامر الذي يتطلب من العراقيين ان يكونوا على استعداد كامل لتحمل مسؤولياتهم الامنية والسيادية بشكل صحيح، ولا يمكن ان نتصور مثل هذا الاستعداد اذا كان البلد يعاني من ازمة سياسية خطيرة مثل التي يمر بها اليوم، فكيف يمكن للعراقيين ان يكونوا بمستوى المسؤولية التاريخية اذا لم يكونوا قد نجحوا في تشكيل الحكومة الجديدة؟.

ان المشكلة لا تكمن في تاخر تشكيل الحكومة الجديدة وفقا لاستحقاقات العملية الانتخابية الاخيرة، فحسب، وانما يكمن الخطر فيما يفرزه هذا التاخير من صراعات ومشاكل وتقاطعات وتنافر وتسقيط وعرقلة وفضائح بين الكتل السياسية، كما اشار الى ذلك السيد رئيس الوزراء في حديثه المتلفز مؤخرا، فكيف ستستمر الحكومة الحالية بتصريف الاعمال اذا كان الجو السياسي مشحون لهذه الدرجة؟ وكيف يمكن للدولة العراقية ان تتخذ القرارات اللازمة والمطلوبة للمرحلة الجديدة اذا كان مجلس النواب، السلطة التشريعية، غائبا عن الساحة ينتظر متى تنتهي الكتل السياسية من صراعاتها فتحل مشاكلها ليلتئم من جديد؟.

لقد جاءت قراءات المجتمع الدولي للمشهد السياسي العراقي اقرب الى الواقع والى قناعات الشارع العراقي من قراءات الكثير من الساسة العراقيين، خاصة زعماء الكتل الذين يحاولون في احاديثهم الصحفية واطلالاتهم على الشاشة الصغيرة تضليل الراي العام العراقي واثارة الفتن واللعب على وتر الطائفية والحرب الاهلية وما شابه ذلك، على قاعدة (علي وعلى اعدائي) او (انا وليأت من بعدي الطوفان) وفي تصورهم ان العراقيين ينسون او انهم لا يقراون ما بين السطور او انهم يصدقون كل ما يقال في مثل هذه الاحاديث والحوارات، وكان ذاكرتهم ضعيفة كذاكرة (الزعماء) التي اثبتت احاديثهم الاعلامية في الفترة الاخيرة بانها بالية فهم يقولون ما لا يفقهون ويتحدثون بلا ذاكرة.

كم اتمنى ان يتعلم الساسة العراقيون كيف يتحدثون للاعلام، حتى لا تتحول احاديثهم الاعلامية الى سبب للتشنج عندما يسعى كل واحد منهم الى مصادرة جهود الاخرين وتسجيل كل ما يتحقق في العراق الجديد باسمه وكانه الوحيد الذي حقق المنجز، ناسيا او متناسيا دور الاخرين، وذلك بعقلية اقصائية تذكرنا بعقلية الطاغية الذليل الذي كان يمن على العراقيين حتى لبسهم الحذاء، وكلنا يتذكر كيف انه وقف يوما يذكرهم بايام زمان الذي كانوا فيه حفاة فعلمهم كيف يلبسون الاحذية.

ان الدول لا تبنى بالعنتريات، كما ان المشاكل العويصة التي يمر بها العراق لا تحل بالاحاديث المتشنجة او بسياسة توزيع التهم ولغة التحدي الفارغة وسياسات التسقيط والاغتيال السياسي، التي بامكان كل من يتحدث ان ياتي بمثلها لو اراد، او باطلاق الادعاءات بلا دليل مقنع او حجة بينة، فالكلام بلاش كما يقول المثل، الا ان الدليل هو الذي يحتاج للاتيان به الى ثمن، وقد يكون غاليا احيانا او انه لا يوجد بالاساس في اغلب الاحيان في مثل هذه الاحاديث المتشنجة.

كما ان توزيع التهم للتملص من المسؤولية بعد تطهير ساحة الذات لا يمكن ان يساهم في ايجاد الحلول المناسبة للازمة، فان يخلط المتحدث الكذب والصدق في كلام مرتجل ومتسرع، يسقطه في عيون الناس، قبل ان يسقط خصومه.

ان على جميع السياسيين ان يكونوا حذرين في احاديثهم للاعلام، لتاتي بلسما لجراح العراقيين، وليست مبضعا يقطع ما بقي من اوصالهم، واوصال بلدهم النازف.

ان المتابع لاحاديث بعض زعماء الكتل في الفترة الاخيرة يلمس فيها بوضوح اسباب فشل السياسيين الى الان في تشكيل الحكومة الجديدة، كما انه يميز فيها اسباب الفشل الذي اصاب عمل مؤسسات الدولة في الفترة الدستورية المنصرمة، وهي احاديث عليهم وليست لهم لو كانوا يفقهون، كما انها تدينهم قبل ان تدين خصومهم، فاين كانوا فيما مضى ليتحثوا بمثلها اليوم؟ أبعد خراب البصرة كما يقول المثل العراقي؟ ام انها للتسويق الاعلامي ولذر الرماد في عيون الناس؟ او انها لتبرير الفشل؟ او انها للظهور بمظهر المظلوم لاستدرار عواطف الناس ودموعهم؟.

4 آب 2010