وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

السبت، نيسان ٣٠، ٢٠١١

ثقافة العفو .. قوة

نــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

قراءة في حلقات

ان العراق الجديد الذي يحتاج الى ثقافة جديدة، لا بد ان تعتمد التغيير الذاتي اولا.

هذا ما اتفقنا عليه في الحلقات الماضية من هذه القراءة.

وقلنا، بان من الثقافات التي يحتاجها العراق الجديد، هي؛

اولا: ثقافة الحياة

ثانيا: ثقافة التعايش

ثالثا: ثقافة المعرفة

رابعا: ثقافة الحوار

خامسا: ثقافة الجرأة

سادسا: ثقافة الحب

سابعا: ثقافة النقد

ثامنا: ثقافة الحقوق

تاسعا: ثقافة الشورى

عاشرا: ثقافة الاعتدال

حادي عشر: ثقافة الوفاء

ثاني عشر: ثقافة المؤسسة

ثالث عشر: ثقافة الحاضر

رابع عشر: ثقافة المسؤولية

خامس عشر: ثقافة الشفافية

سادس عشر: ثقافة الانجاز

سابع عشر: ثقافة القانون

ثامن عشر: ثقافة الانفاق

تاسع عشر: ثقافة الدعاء

عشرون: ثقافة الفرصة

واحد وعشرون: ثقافة العدل

اثنان وعشرون: ثقافة المعرفة

ثلاثة وعشرون: ثقافة العفو

عندهم، اقصد في بلاد الغرب، اذا نبهت احدهم الى خطا ارتكبه فانه يعتذر لك ثم يشكرك، اما عندنا، اقصد في بلاد العرب والمسلمين، فانك اذا نبهت احدا الى خطا ارتكبه فانه يشتمك ويعتدي عليك وربما يقتلك، بعد ان يرعد ويزبد ويزمجر ويصرخ.

هذا الحال ينطبق على كل مستويات المجتمع، بدءا من الرئيس والمرؤوس وانتهاءا بالشارع مرورا بالمدرسة والجامعة والعائلة وغير ذلك.

فلم نسمع مثلا ان رئيسا اعتذر لشعبه، وان ابا اعتذر لاولاده وان زوجا اعتذر لزوجته وان معلما اعتذر لطالبه وان صاحب متجر اعتذر لزبون وان شرطيا اعتذر لسائق وان رجل امن اعتذر لمعتقل، وهكذا.

لماذا؟.

اعتقد ان الامر يعود الى ثلاثة اسباب:

السبب الاول؛ هو اننا نعتقد بان الاعتذار منقصة، وهو سبب للتحريض ضدنا، فاذا نبهك احد الى خطا ارتكبته فكانما طعنك في عنفوانك، فالرئيس اذا اعتذر لشعبه فان ذلك ينقص من قدره وبالتالي قد يحرض الشارع ضده لاسقاطه، والموظف اذا اعتذر لمواطن فان ذلك بمثابة اهانة للحكومة قد ينتهي الى فقدانها للهيبة، والاستاذ اذا اعتذر لطالب فهي الاهانة للعلم بعينها لا ينبغي ارتكابها.

اننا نتصور ان الاعتراف بالخطا او التقصير يقلل من شان الانسان، ولذلك يثور احدنا اذا اكتشف احد خطا في عملنا، ونسعى بكل جهدنا وبكل ما اوتينا من قدرة على التبرير والاحتيال والكذب والتزوير وربما نعطي الرشاوى لهذا او ذاك من اجل ان لا نعترف بخطا او نتستر عليه على الاقل اذا امكنتنا الحيلة.

السبب الثاني؛ هو اننا لا ننشد التطور، وكلنا نعرف فان عدم الاعتراف بالخطا وعملية التطور على طرفي نقيض لا يجتمعان، والعكس هو الصحيح، فالاعتراف بالخطا هو المنفذ الحقيقي للولوج الى عالم التطور.

السبب الثالث؛ هو اننا لا نحترم الاخر، وقبل ذلك لا نحترم انفسنا ولذلك نتهرب من الاعتراف بالخطا حتى لا نعتذر لاحد من اجل ان لا يسبب لنا ذلك اية منقصة.

ان كل ذلك خطا في خطا في خطا.

ففي الغرب، وكما اسلفت، عندما تنبه احدا الى خطا فانه يعتذر لك ويشكرك، لانه يعتبر التنبيه خدمة كبيرة جدا تسديها له.

فاما الاعتذار لك، فلانه يحترمك ويقدر نباهتك، من جانب، ولانه اساء الى حقوقك بارتكابه الخطا، ولذلك يعتذر لك على التقصير الذي بدر منه تجاه حقوقك عنده.

واما تقديمه الشكر لك فلانه يعتبر ان تنبيهك اياه على الخطا الذي ارتكبه تجاهك دليل على حرصك على انجاح عمله، فلو لم تنبهه الى الخطا لواصل عمله بنفس الطريقة والتي قد تجره الى ارتكاب خطا اكبر.

انه يعتقد بان تنبيهك له دليل حرصك على مصلحته الشخصية، من جانب، من اجل ان لا يرتكب الخطا مرة اخرى ما قد يسبب له الفشل فالطرد من موقع العمل، كما انه دليل على حرصك على المصلحة العامة، والتي يمثلها مجموع اعمال الافراد في اي مجتمع من المجتمعات، من جانب آخر.

فضلا عن ذلك فانه يعتبر تنبيهك اياه على الخطا ليصححه ويتجنب ارتكاب امثاله منفذ لتطوير العمل، فالخطا يجر الى الخطا كما يقولون، فاذا لم تنبهه الى الخطا فقد ينتهي به الامر الى اخطاء متكررة وبذلك فسوف لا يقدر على تطوير عمله الذي سيبنى على خطا او اخطار متكررة.

لقد سئل مرة رجل ثمانيني عن سر نجاح حياته الزوجية مع زوجته الثمانينية هي الاخرى، فعزا سر هذا النجاح الى كلمتين فقط، بسيطتين ولكنهما ثقيلتين في نفس الوقت، الا وهما: شكرا و عفوا، فعندما تنجز له زوجته عملا ما يبادرها بالشكر، وعندما يرتكب بحقها خطا ما يبادرها بالعفو، او عندما ترتكب بحقه خطا ما يحاول ان يعفو عنها من دون تعظيم الامور وتضخيمها والذي ينتهي بالزوجين الى مشاكل عويصة، ومن الواضح جدا فان حياة زوجية تقوم على اساس هتين العبارتين لا يمكن ان تنتهي بالفشل ابدا، لانهما كلمة سر السعادة.

ذات الامر ينطبق على كل مناحي الحياة، فالمسؤول الذي يعتذر للناس عندما يرتكب خطا ما بحقهم، وان الشعب الذي يشكر المسؤول عندما ينجز له عملا حسنا ما، فان العلاقة بينهما ستكون مبنية على الثقة المتبادلة وعلى الحب والاحترام والاعتراف بالاخر وبما ينجز وينجح في تحقيقه، والعكس هو الصحيح، فالمسؤول الذي يرد على تنبيه الناس له على خطا ارتكبه بالرصاص الحي والدبابات والطائرات والمقابر الجماعية والسلاح الكيمياوي والانفال، فان العلاقة بين الطرفين سوف تكون علاقة غير سليمة قائمة على اساس التربص والعنف وعدم الثقة والتشنج المستمر الى ان يقضي الله امرا كان مفعولا، كأن يخرج مثل هذا المسؤول من بالوعة كما حصل للطاغية الذليل صدام حسين، او ان يرمى في مشفى عسكري بانتظار محاكمته بعد حكم شمولي دام 30 عاما كما هو اليوم حال الطاغية الذليل الاخر فرعون مصر، او كما هو حال من ينتظر من حكام النظام السياسي العربي الفاسد الذين بداوا يتساقطون كاوراق الخريف الواحد تلو الاخر، بانتظار محاكمتهم على ما اقترفوه من جرائم مروعة بحق شعوبهم الصابرة.

والعفو على نوعين، عفو من ذنب وعفو عن ذنب، ولكل شروطه ومقوماته.

اما الاول، فلا يمارسه المرء الا اذا:

الف؛ كان يؤمن بان ذلك لا يقلل من شانه، بل على العكس فان الاصرار على الذنب هو الذي يقود الانسان الى السقوط امام الاخرين، خاصة اذا كان الذنب بحق المجتمع، كما هو حال النظام السياسي، فذنب الحاكم بحق الشعب لا يمكن ان ينساه الناس، ولكن العفو منه اي الاعتذار منه قد يقلل من غضب الشعب عليه، شريطة ان يكون في اوله، اما اذا استمر الخطا عقودا طويلة من الزمن ليتحول الى جريمة بحق الشعب، فان الف اعتذار والف عفو والف ندم لا ينفع.

باء: كان ينوي التصحيح والاصلاح وعدم الاسترسال معه، وفي الاية الكريمة {فمن عفا واصلح فاجره على الله انه لا يحب الظالمين}.

ان الخطا اذا تحول الى منهجية والى عملية مبرمجة فان الاعتذار منه لا ينفع ابدا، لان شرط الاعتذار هو ان يصمم المرء قبله على الاقلاع عنه وعدم الاصرار عليه، اما وقد تحول الخطا الى منهج فان معنى ذلك ان صاحبه غير مستعد لتركه من اجل ممارسة عملية الاصلاح المطلوبة، وفي مثل هذه الحالات يكون الاخر قد فقد ثقته ولذلك لم يعد بامكانه ان يصدق ما يقدمه المخطئ من اعتذارات متكررة، وهذا هو اليوم حال الشعوب العربية التي فقدت ثقتها بالنظام السياسي العربي الفاسد الذي ظل يمارس السلطة لحد الان اكثر من نصف قرن من الزمن، وفي كل مرة يحاول فيها الحاكم تقديم بعض التنازلات لثورة الشعب في محاولة منه للانحناء امام العاصفة التي تهب رياحها بوجهه بين الفينة والاخرى، لدرجة ان بعضهم كان يذرف دموع التماسيح من على الشاشة الصغيرة لاستدرار عواطف الناس، ولتاكيد تصميمه على التغيير والاصلاح، ولكن، ما ان تمر الازمة اذا بمنهجية الذنب والخطا والجريمة تعود مرة اخرى لتحكم بالحديد والنار، ولذلك نرى اليوم ان الشعوب في البلاد العربية لا تقبل ان تتنازل للحكم وللزعيم الحاكم باية صورة من الصور، فترفض، مثلا، ان تدع الحاكم يكمل المدة (الدستورية) لولايته، بل انها تصر على ان تخلعه من السلطة لتسميه ابد الدهر بالرئيس المخلوع، وكل ذلك بعد ان فقدت ثقتها بالنظام السياسي العربي الفاسد الذي ثبت من خلال عشرات التجارب انه لا يتغير طواعية وانه غير قابل للاصلاح لان الخطا عنده تحول الى منهج والى عملية مبرمجة، تعتمد القوة المفرطة والاجهزة البوليسية والامنية والتمييز والتضليل وهدر المال العام وفي احيان كثيرة تعتمد الفتوى الدينية التكفيرية والطائفية التي يصدرها وعاظ السلاطين وفقهاء التكفير، كما هو الحال بالنسبة الى النظام القبلي المتخلف الحاكم في الجزيرة العربية الذي يعتمد على فقهاء يصدرون فتاواهم تحت الطلب.

اما العفو عن ذنب، فانما يمارسه المرء اذا:

اولا؛ كان يشعر بالقوة وعلو الهمة فالضعيف لا يسامح احدا والهزيل لا يصفح عن احد مهما كان ذنبه تافها، وفي هذا المعنى قال امير المؤمنين عليه السلام {الحلم والاناة توأمان ينتجهما علو الهمة}.

والقوة لا تعني ان يمتلك المرء العظلات او الدبابات او السلاح الفتاك، ابدا، انما القوة تعني سمو الاخلاق اولا والايمان بالحق ثانيا، فالعالم قوي اذا كان يعتقد بعلمه ويؤمن به، والطالب قوي اذا كان يحب العلم والتعلم والمعلم واستاذ الجامعة قوي اذا كان متفانيا بالجهد التعليمي الذي يبذله من اجل تعليم الجيل الجديد، والنظام قوي اذا كان يعتقد بحق المواطن في الحياة الحرة الكريمة، اما النظام الديكتاتوري والاستبدادي فلا يمكن ان يحس بالقوة ابدا مهما امتلك من اسباب القوة العسكرية والامنية، فلقد ظل الطاغية الذليل يتبجح بمثل هذه القوة على مدى نيف وثلاثين عاما من سلطته الدموية في العراق الا انه سرعان ما انهار امام اول تحدي للقوة، وهكذا هم اليوم حكام النظام السياسي العربي الفاسد، فعلى الرغم مما يمتلكون من قوة عسكرية باهرة ومن اجهزة امنية وقمعية شديدة البطش الا انهم بدأوا ينهارون الواح تلو الاخر، وهم لا يشعرون بالامان ابدا، بل {اذا رايتهم تعجبك اجسامهم وان يقولوا تسمع لقولهم كانهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون} واذا تمكن احدهم من الافلات من بطش الثورة الشعبية من خلال الاستنجاد بالقوى الخارجية، كما هو الحال مع نظام آل خليفة الفاسد الحاكم في البحرين، فانه سينهار امام ثورة الشعب ان عاجلا ام آجلا، لانه لا يشعر بالامن مع كل ما يمتلك من قوة عسكرية وامنية كونه لا يشعر بانه يمثل شعب البحرين بشكل حقيقي وواقعي فهو يتعامل معه بتمييز طائفي قل نظيره في العالم، باستثناء نظام آل سعود الفاسد الذي يحكم في الجزيرة العربية بنفس الاسلوب وبنفس الطريقة والعقلية والادوات.

ثانيا: اذا كان يمتلك نظرة مستقبلية لا تدع عواطفه واحاسيسه تسيطر على عقله ومنطقه.

لقد عفا رسول الله (ص) عن اهل مكة من المشركين الذين ظلوا يقاتلونه بكل السبل والوسائل خاصة آل ابي سفيان وآل مروان ومن لف لفهم من القتلة والمجرمين، واطلق كلمته المشهورة بحقهم {اذهبوا فانتم الطلقاء} ليس خوفا منهم وهو المنتصر الفاتح، وليس خشية من بطشهم وهم الذين استسلموا له كرها وتحت حد السيف، وانما لان رسول الله (ص) كان يمتلك رؤية مستقبلية بعيدة المدى كانت بحاجة الى موقف عقلاني يهدئ الحال ويتجاوز عن الماضي ويقضي على الاحقاد والضغائن، فكان عفو الرسول الكريم (ص) عنهم بمثابة نزع فتيل روح الانتقام التي تجر الى الدم بلا هوادة.

ان انعدام روح العفو والصفح والتجاوز عند الانسان ــ الفرد، والانسان ــ المجتمع يغذي روح الانتقام والتي تغذي الحقد والكراهية في النفوس، ولذلك فلقد اكدت كل الديانات السماوية والقيم الاخلاقية والمناقبيات الانسانية على العفو كخيار لا يجوز الاستغناء والتنازل عنه، لان العكس من العفو هو الانتقام، والعكس من المودة والحب والتعاون والتسامح والتجاوز والعفو هو الكراهية والبغضاء والشحناء التي ان شاعت في المجتمع فسياكل بعضه بعضا، اما في حروب اهلية او في عداوات مختلفة العناوين واما في حالة من التفتت والتمزق والتشرذم وانعدام الثقة، التي تعمي بصيرة المجتمع، فلا يقدر على تحقيق نجاح يذكر.

ان المجتمع الذي تقوم علاقاته على اساس العفو والصفح والحلم المتبادل بين ابنائه، وبين الحاكم والمحكوم، لهو مجتمع ناجح قادر على استيعاب الخطا وهضم التقصير من اجل الصالح العام، اما المجتمع الذي تقوم علاقاته على اساس الانتقام والعداوة والكراهية وعدم العفو والصفح، خاصة بين الحاكم والمحكوم، فانما هو مجتمع متوحش لا يعرف معنى للخلاف الا الذي ينتهي الى عراك ومخاصمة، ولا يعرف معنى للراي والراي الاخر، كما انه لا يعرف معنى للمعارضة والرقابة وحرية الراي، لان الحاكم لا يتحمل اية كلمة تعارض سياساته فهو لا يحب ان يسمع الا كلمة القبول من الشعب، كما ان الناس لا يقبلون من بعضهم البعض الاخر الا ما ينسجم مع ما يؤمنون ويعتقدون به.

في النموذج الاول تجري عملية الاصلاح والتطوير بكل سلاسة وبساطة، لان الحاكم والمحكوم مستعدان لقبول الاخر والتجاوز عن الخطا والاعتذار عن التقصير، ففي مثل هذا المجتمع يعتذر الحاكم للرعية اذا اخطا او قصر او فشل فلا يحاول ان يماطل بالاسباب او يراوغ او يتحجج باعذار واهية لا اساس لها من الصحة، كما انه لا يحاول ان يبحث عن كبش فداء لرمي المشكلة في رقبته ليخرج منها سالما، ابدا، انه يتحمل المسؤولية كاملة، وبكل شجاعة واقتدار وايمان، كما انه لا يحاول استخدام العنف ضد الرعية اذا ما اشرت على خطا او فشل في اية مؤسسة من مؤسسات الدولة، اما الرعية فانها تصفح عن الحاكم اذا ما قدم اعتذارا لها على خطا او تقصير ارتكبه بحقها لانها تثق بوعوده وتصدق اعتذاره، ولذلك نسمع الاعتذار على لسان اعلى مسؤول بمثل هذه المجتمعات، وهي المجتمعات التي تحكمها انظمة ديمقراطية يتسنم المسؤول موقعه في السلطة عن طريق صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة، كما اننا نسمع ونشاهد في مثل هذه المجتمعات تقديم الكثير من المسؤولين لاستقالاتهم من مناصبهم بسبب خطا او فضيحة بسيطة او فشل في مهمة، وكل ذلك يحصل ببساطة وسلاسة ومن دون تعقيد.

اما في النموذج الثاني فان عمليات التغيير والاصلاح لا تجري الا بانهار الدماء وبجيش من الايتام والارامل وبتدمير البلد وخيراته، كما هو الحاصل اليوم في البلاد العربية، لماذا؟ لان الحاكم لا يعتذر عن خطا ارتكبه، بل عن جريمة ارتكبها، فهو يشعر وكان الاعتذار يرسم نهاية حكمه، واذا صادف ان اعتذر الحاكم لشعبه ووعدهم بالاصلاح والتغيير فان الرعية لا تثق به كثيرا لان التجربة والخبرة علمتها بان اعتذار الحاكم انحناءة امام العاصفة وان وعود الاصلاح محاولة منه لامتصاص النقمة والغضب الذي يجتاح الشارع ضده، بل ان الشعب يرفض ان يمنح الحاكم اية فترة اضافية لانه يعرف بان مثل هذه الفترة من الاسترخاء والسكون سيوظفها الحاكم للانتقام من الشعب وليس لاصلاح الامور كما هو الحال مثلا في البحرين التي تشهد اليوم حالات انتقام سلطوية ضد الشعب البحريني تارة على الهوية واخرى على الانتماء المذهبي او المناطقي، بل ان السلطة في البحرين استعانت باسوأ قوات عسكرية طائفية حاقدة ضد شعب البحرين الا وهي قوات درع الجزيرة التي غسلت السلطات الحاكمة في الجزيرة العربية ادمغتها (طائفيا) وهي التي تتشكل من عناصر تنتمي باغلبيتها الى (الحزب الوهابي) الذي يعتقد بان قتل من يخالفه الراي والمعتقد يقوده الى الجنة ليحضر مأدبة غداء او عشاء مع رسول الله (ص).

اننا بحاجة الى اشاعة روح العفو والتسامح والصفح في مجتمعاتنا، خاصة في العراق الذي تراكمت فيه روح البغضاء والمشاحنة والحقد والكراهية والشك والتربص التي زرعها النظام الديكتاتوري البائد بسياساته العنصرية والطائفية والحزبية والامنية البغيضة، ليتحمل بعضنا البعض الاخر.

ليس بيننا من هو معصوم عن الخطا، ولكن ليس كل خطا يعالج بالقوة والعنف والعراك والخصام والقطيعة، فلقد قال امير المؤمنين عليه السلام عن تاثير العفو في عملية التاديب وهو يوصي ولده الامام الحسن السبط المجتبى عليه السلام {اذا استحق احد منك ذنبا فان العفو مع العدل اشد من الضرب لمن كان له عقل} شريطة ان يتبعه عتاب او من او اذى او تعيير، فلقد سئل الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام عن تفسير الاية {فاصفح الصفح الجميل} قال {العفو من غير عتاب}.

وذات مرة شكى الى رسول الله (ص) رجل من خدمه، فقال له: اعف عنهم تستصلح به قلوبهم، فقال يا رسول الله: انهم يتفاوتون في سوء الادب، فقال: اعف عنهم، ففعل}.

يجب ان نتعلم كيف يعفو بعضنا عن البعض الاخر، في البيت والمدرسة والجامعة ومحل العمل والسوق والشارع وبين الحاكم والمحكوم، طبعا من دون ان يعني ذلك ان نتجاوز على القانون او على الحق العام او على الالتزامات الاجتماعية والاخلاقية والعادات والتقاليد الصحيحة ابدا، فالعفو ليس فوضى وان التسامح والصفح عن الخطا لا يعني التجاوز على المحرمات مثلا او الثوابت ابدا.

لقد اكد الاسلام على ثقافة العفو في الكثير من النصوص القرآنية والسيرة النبوية وكذلك في نهج الائمة المعصومين عليهم السلام، ففي الاية {ان تبدو خيرا او تخفوه او تعفو عن سوء فان الله كان عفوا قديرا} وعن رسول الله (ص) {الا اخبركم بخير خلائق الدنيا والاخرة؟ العفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، والاحسان الى من اساء اليك، واعطاء من حرمك} انه الشعور بقوة الايمان وسمو الاخلاق الذي يجعل يد صاحبها هي الاعلى دائما، فهو الذي يبادر دائما من دون ان ينتظر الثمن، ربما.

وعنه (ص) {اذا اوقف العباد نادى مناد: ليقم من اجره على الله، وليدخل الجنة، قيل: من ذا الذي اجره على الله؟ قال: العافون عن الناس} اما الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام فيقول بهذا المعنى {ثلاث من مكارم الدنيا والاخرة: تعفو عمن ظلمك، وتصل من قطعك، وتحلم اذا جهل عليك}.

ان اشاعة ثقافة العفو تساعد على الحوار وقبول الاخر، وغض الطرف عن الخطا اذا لم يمس القانون العام، كما انها تعني القبول بالاصلاح والتطور والاستعداد لتصحيح الخطا من دون ان تاخذنا العزة بالاثم، الخطا.

انها تساعدنا على اسقاط الضغائن بيننا، كما قال رسول الله (ص) {تعافوا تسقط الضغائن بينكم} ويخطئ من يتصور بان االعفو مذلة ابدا، بل على العكس فالعفو {لا يزيد العبد الا عزا، فاعفوا يعزكم الله} على حد قول الرسول الكريم (ص) ولنتذكر دائما بان {الندامة على العفو افضل وايسر من الندامة على العقوبة} على حد قوله (ص).

كما ان ثقافة العفو تساعدنا على تجاوز الغضب عند الخلاف للوصول الى نتائج مرضية، وبها نستر عيوبنا التي لا يسلم منها احد، والى هذا يشير قول امير المؤمنين عليه السلام {الحلم غطاء ساتر، والعقل حسام قاطع، فاستر خلل خلقك بحلمك، وقاتل هواك بعقلك}.

لماذا تنتهي اغلب خلافاتنا العائلية مثلا الى الطلاق؟ وخلافاتنا السياسية الى القطيعة ان لم يكن اكثر من هذا؟ وخلافاتنا الحزبية الى الانشقاق واحيانا الى التقاتل والتصفيات الجسدية والتسقيط السياسي والحزبي؟ ومعارضاتنا للسلطة الى القتل وسفك الدماء؟ وحواراتنا الثقافية الى الخصام والعراك واحيانا باستخدام الايدي والارجل ان لم يكن بالسلاح؟.

لماذا تفشل اغلب صداقاتنا وشراكاتنا؟.

لماذا لم نتعلم لحد الان فن الخلاف وفن فض النزاعات؟.

الجواب؛ لاننا لا نعرف كيف نعفو فلا نتحلم عند الخلاف والغضب، الحلم الذي يصفه امير المؤمنين عليه السلام بقوله {الحلم عشيرة} ولم نتعلم فن الصفح، ولا زلنا لم نتعلم بعد ثقافة تقبل التاشير على الخطا من قبل الاخر لاننا نعتبر ذلك طعنا بشرفنا او بعقلنا او برجولتنا ولذلك لا نسمح لاحد ان ينبهنا الى خطا ارتكبناه ولا نقبل من احد ان يخبرنا بفشل.

واذا اردنا ان نتعلم ثقافة العفو فان علينا ان نؤمن بان الخطا هو تجاوز على حق من حقوق الاخر، فاذا تعاملنا مع الخطا على هذا الاساس، فاننا سنشكر من ينبهنا الى خطا ثم نعتذر عنه، كما هو الحال في بلاد الغرب مثلا، لان التنبيه في هذه الحالة يساعدنا على اعادة الحق الى صاحبه، والذي تجاوزنا عليه بعمد او من دون عمد.

ومتى ما تعامل المسؤول في الدولة مع الخطا على هذا الاساس فانه سيتوسل الى الناس لينبهوه على الخطا ليعيد الحق الى نصابه والى اصحابه، اما المسؤول الذي يتعامل مع الموقع وكانه ضيعة ورثها عن ابيه او امه، كما هو الحال مع الانظمة القبلية الحاكمة في البحرين مثلا او الجزيرة العربية او المغرب او الاردن، فانه بالتاكيد لا يقبل ان ينبهه احد الى خطا واذا حصل ان حدث مثل هذا فانه لا يعتذر على خطا لانه يتعامل مع الناس كعبيد ورثهم من ابيه او امه، فان شاء تكرم عليهم وان شاء منع، والمنع هنا لا يعتبره خطا ليعتذر منه، ولا يعتبره حق من حقوق الناس ليعيده الى اصحابه، وتلك هي مشكلة النظام السياسي العربي الفاسد الذي استولى على البلاد والعباد اما بالوراثة او بالانقلابات العسكرية (السرقات المسلحة).

اخيرا، فان علينا ان نتذكر بان الدنيا دول، وهي يوم لنا ويوم علينا، فاذا عفونا فسيعفو عنا الاخرون، وليس بيننا من لم يمر بمثل هذه الظروف، ولقد كتب امير المؤمنين عليه السلام في عهده الى مالك الاشتر لما ولاه مصر يقول {يفرط منهم، الناس، الزلل، وتعرض لهم العلل، ويؤتى على ايديهم في العمد والخطأ، فاعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى ان يعطيك الله من عفوه وصفحه}.

فالحذر الحذر من التشهير، وعلينا ان نتسلح بثقافة العفو والصفح والتسامح، فهي مفتاح بناء المجتمع السليم الذي يبني علاقاته على اسس متينة لا تهزها العواصف ولا تهدمها الاعاصير، وصدق امير المؤمنين عليه السلام الذي كتب في عهده الانف الذكر موصيا {وليكن ابعد رعيتك منك، واشنأهم عندك، اطلبهم لمعائب الناس، فان في الناس عيوبا، الوالي احق بسترها، فلا تكشفن عما غاب عنك منها، فانما عليك تطهير ما ظهر لك، والله يحكم على ما غاب عنك، فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب ستره من عورتك}.

28 نيسان 2011

الجمعة، نيسان ٢٢، ٢٠١١

(بغداديات) .. ما زاد حنون في الاسلام خردلة

بتوقيع: بهلول الكظماوي


نزولاً عند رغبة الاخوة القراء الكرام الذين زاد الحاحهم في الفترة الاخيرة بان اعاود الكتابة كما كنت, وخصوصاً بعد تركي لمواضيع الهزل و الذي يصفوه الاخوة الكرام دائماً بالادب الساخر تارة و تارة اخرى بالمعارض الساخر, او المعارض المستهزئ, حيث اتسمت مواضيعي الاخيرة بالجدية والدخول المباشر الى الفكرة والاقلال من الكتابة الا في حالات خاصة و فترات متباعدة عكس ما كنت عليه في بغدادياتي السابقة كـ ( فاتك القطار , بين حانه او مانة ضاعت لحانه, لباس القروي, الميت ميتنه و نعرفه اشلون مشعول صفحة, الله يرحم ذاك الاب, لطم شمهودة, من الباب للمحراب, اليدري يدري و اللي ما يدري كمشة عدس, نصيحة الشيطان, خلف بن امين و عباس خريكة, ملة فطم, مله فهيمة, دفتر عبد كور, الامريكاوي, ذيابة ابراهيم عرب, صاية و صرماية, بوز الجلب,زيارة البحارنة, الجلبي ماكل كباب, عيارات حجي عبود, حارف رويسه.......الخ, اذ يصعب حصرها جميعاً, فمجموعها اكثر من خمسمائة حكاية تروي كل واحدة منها قصة مثل بغدادي, و هي تحاكي مرحلتها , اذ اعتدت ان اضع تاريخاً في نهاية كل واحدة منها).

و لكن المشكلة انني وصلت الى قناعة بان الوقت قد تغير, ولكل مقام مقال, اذ حتى الكلام الجاد قد لا ينفع في كثير ممن انغمس في العملية السياسية التي تتمظهر برمّتها على شكل محاصصات تخلو تماماً من اي معارضة جديّة تتورع من الاستعانة بالمستعمر الاجنبي المحتل من اجل الدخول في المحاصصة.

وان وجدت بعض مظاهر المعارضة الجادة و القوية فهي لا تتعدى مظاهر صورية للمعارضة و ضغوط من اجل الاشتراك في المغانم المتأتّية من المشاركة السياسية.

اما معارضة من اجل تصحيح الاخطاء , اوترشيد المسيرة ونصح العاملين من اجل تحسين خدمات المواطن العراقي و عزته و حفض كرامته فهذا لا وجود له في قواميس غالبية المشاركين بصالحهم و طالحهم على حد سواء. الّا ما رحم ربي و هم من النادرين.

واختفت من ادبيات محاصصينا الاحاديث الشريفة و الامثال الحكيمة التي كنا نسمعها على السنتهم او نقرأها في كتاباتهم كـ :

*من نعم الله عليكم حاجة الناس لديكم.

*رعاية شؤون الأمة تكليف و ليست تشريف.

*من سمع منادياً ينادي يا للمسلمين و لم يجبه فليس بمسلم.

*ما بات غني متخم الّا على حساب فقير جائع.

*ٍٍانما هلك الذين من قبلكم انهم كانوا اذا سرق فيهم القوي تركوه وان سرق فيهم الضعيف اقاموا عليه الحد.

*الضعيف عندي قوي حتى آخذ الحق له, و القوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه.

*من اعان ظالماً سلطه الله عليه.

عزيزي القارئ الكريم :

نزولاً عند رغبة هؤلاء الاخوة الكرام الذين طلبوا مني المداخلة حول نشاط دول الخليج لاجل منع انعقاد مؤتمر القمة العربية القادم في العراق عقوبة له لوقوفه الى جانب شعب البحرين.

لاجل ذلك أكتب باختصار ما يلي :


(((ما زاد حنون في الاسلام خردلة.....ولا النصارى لهم شغل بحنون)))


في رأيي ان من يلهث وراء ما يسمى بالقمة العربية المزمع عقدها في بغداد والتي تضم ما لف من مترأسين و متأمّرين و مملوكين امثال الاميين المتخلفين حكام الخليج , اما ان يكون هؤلاء اللاهثين فاقدي العقل ( عقل سز ) واما أن يكون بدون شهامة و نخوة عراقية ( غيرة سز ) كما هو التعبير التركي الذي جعل الرئيس التركي اردوغان يفصل عرى اللهاث وراء الاتحاد الاوربي بعد لهاث من سبقه لعشرات السنين و اتجه الاتجاه الصحيح نحو امته العربية و الاسلامية.

والّا ماذا يجبر شعب حضارات بابل و آشور و اكد و سومر و و و .

ماذا يجبر شعب علي و الحسين و ابي حنيفة و الكيلاني؟

ماذا يجبر شعبنا العملاق بتاريخه و حضارته و ثقافته , وحتى ثروته الوطنية والذي يتبجح وزراء نفطنا باننا سنصدّر عن قريب اثني عشر مليون برميل يومياً.

ماذا يجبرنا في اللهاث وراء من قال فيهم رب العزة:

بسم الله الرحمن الرحيم

(((لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. صدق الله))) التوبة آية 47

ماذا يجبرنا ان نلهث وراء حكام متخلفين لعقد مؤتمرهم في بغداد , بعد خمسة و ستين سنة من اغتصاب فلسطين والتي لم تحقق كل مئآت مؤتمراتهم الدوارة لكل العواصم العربية, لم تحقق تحرير شبراً واحداً من التراب المغتصب, ولم تحل اية معضلة لفرد من افراد الامة العربية.

فيا ترى ماذا سيحقق لنا هؤلاء الحكام الفاشلون الآيلون الى السقوط تحت ضربات شعوبهم التي خلعت اعنتها, ولم يبق لهؤلاء الحكام الظلمة الا التعاون على الظلم و العدوان لقهر ارادات شعوبهم الكارهة لهم, عسى ان يسعفها ظلمها و عدوانها في الخلاص من قبضة هذه الشعوب.

فلنستحي قليلاً من حضاراتنا يا عراقيين.


ودمتم لاخيكم . بهلول الكظماوي/ امستردام

امستردام في 17-4-2011

e-mail:bhlool2@hotmail.com

bhlool2@gmail.com


السبت، نيسان ١٦، ٢٠١١

انعقادها في بغداد..اهانة

قال نـــــزار حيدر، مدير مركز الاعلام العراقي في واشنطن، انه كان يتمنى ان تبادر الحكومة العراقية الى الاعلان عن رفض العراق استضافة (القمة العربية) القادمة في بغداد، قبل ان تبادر دول الخليج، وبايعاز من المملكة العربية السعودية، الطلب من جامعة الدول العربية الغاء انعقادها في بغداد، مؤكدا بان انعقادها في العاصمة بغداد لا يشرف العراق ولا يشرف العراقيين الذين يبذلون اقصى جهودهم من اجل بناء نظام سياسي ديمقراطي يقف على النقيض من النظام السياسي العربي الفاسد الذي يقوم على اساس التوريث والسلطة الديكتاتورية والحكم الشمولي والبوليسي الذي يتعامل مع الشعوب العربية بالحديد والنار، ومع حقوق الانسان بالسحق المنظم.

واضاف نـــــزار حيدر، الذي كان يتحدث اليوم على الهواء مباشرة الى الزميل الاستاذ فلاح الفضلي في النشرة الخبرية الرئيسية لقناة (الفيحاء) الفضائية:

ان هذا الموقف الخليجي، السعودي المنشأ، المعادي للعراق الجديد، هو حلقة في سلسلة المواقف المعادية التي ظلت تقودها المملكة العربية السعودية ضد العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003 ولحد الان، فالهدف العدواني لم يتغير، انما الذي تغير هو الاسلوب والادوات، فتارة حارب السعوديون العراق بفتاوى التكفير التي ظل يصدرها فقهاء البلاط ووعاظ السلاطين، لتحريض صغار السن المغرر بهم والتي غسلت ادمغتهم المدارس الدينية المنتشرة في المملكة والتي تحرض على الكراهية والتكفير والعدوان على الاخر الذي يختلف معهم، وتارة بالتشكيك والطعن في ولاءات الاغلبية من الشعب العراقي، وها هم اليوم يحرضون على العراق بطريقة جديدة، وكل ذلك من اجل اسقاط التجربة الديمقراطية التي ترتعد منها فرائصهم كونهم والديمقراطية على طرفي نقيض لا يجتمعان، ولذلك فان العراق سوف لن يستقر، بل ان المنطقة سوف لن تستقر وان شعوب المنطقة، ومعها الشعب العراقي، سوف لن يعيشوا بامن واستقرار ووئام الا بعد ان يسقط آل سعود عن السلطة بثورة الشعب في الجزيرة العربية، لانهم يقودون اخطر نظام (ديني) تكفيري متعصب مدعوم بالمال والاعلام والفتوى الدينية التي تصدر عن فقهاء البلاط حسب الطلب.

انهم يقودون حرب الارهاب على الانسانية والحضارة والمدنية، ففي مملكتهم باض الارهاب وفقس وفرخ، وفي مدارسهم نشأ جيل من الشباب المعتوه الذي لا يعرف معنى للحياة ولا يعرف معنى للتعايش ولا يعرف معنى للوفاق ولا يعرف معنى للراي والراي الاخر ولا يعرف معنى للحب، ولذلك نجحت شبكات الارهاب في تجنيده ليتحول الى مفخخات بشرية لقتل الناس الابرياء في كل مكان، بدءا بنيويورك وليس انتهاءا بالعراق الذي تحمل العبء الاكبر في هذه الحرب.

ان انعقاد القمة في بغداد اهانة للعراقيين، كما انها اهانة عراقية للشعوب العربية التي تناضل اليوم وتضحي بكل غال ونفيس من اجل الانعتاق من ربقة النظام السياسي العربي الشمولي والبوليسي الفاسد، ولا اعتقد بان العراقيين يقبلون ان يوجهوا مثل هذه الاهانة الى اشقائهم في البلاد العربية الاخرى، خاصة وانها، الشعوب العربية، تحاول ان تستلهم مبادئ النظام السياسي الجديد والذي تسعى لاقامته على انقاض النظام السياسي العربي الفاسد، من العراق الذي مر قبلهم بثمان سنوات بنفس التجربة وان كانت بعض الادوات تختلف عما هو عليه الان في اغلب البلاد العربية باستثناء ليبيا الذي اضطر شعبها الى ان يستنجد بالمجتمع الدولي كما حصل في التاسع من نيسان عام 2003 في العراق، ربما لان الطاغية القذافي مارس بعض الاساليب التي مارسها من قبله الطاغية الذليل صدام حسين، عندما سخر القوة بكل اشكالها لقمع انتفاضة الشعب العراقي ضد سلطته في العام 1991 ابان حرب تحرير الجارة الكويت من احتلاله العسكري الغاشم.

انها اهانة لانهار الدماء التي سالت في العواصم والمدن العربية التي ثارت شعوبها ضد جلاديها من الحكام المستبدين، وانها اهانة للضحايا ولاسرهم وللشباب الذي يقود اليوم ثورة التغيير، وانها اهانة للتاريخ ولسنة التغيير التي ارتقبتها الشعوب العربية عقودا طويلة من الزمن، وانها اهانة لارادة التغيير المستمرة لا محالة، وانها اهانة للكرامة وللشرف وللتضحيات وللمقدسات ولكل ما تقسم به الشعوب المظلومة.

ان من المعيب جدا ان يظل حتى الان، وبعد كل الاحداث التي شهدها ويشهدها العالم العربي، بعض الساسة العراقيين يحلمون ويتطلعون الى انعقاد القمة العربية المرتقبة في العاصمة بغداد، وكانها ستحقق المعجزة للعراق الجديد، وللشعب العراقي الذي لقي الامرين من النظام السياسي العربي الفاسد الذي بدا يتهاوى اليوم كقطع الدومينو، وحجتهم في ذلك ان القمة ستعيد العراق الى محيطه العربي، فاي محيط هذا الذي يتكلمون عنه؟ اهو محيط الدم والقتل والتدمير والذبح الذي تمارسه السلطات البوليسية في البلاد العربية التي تشهد اليوم ثورة تغييرية شاملة تحاول اقتلاع النظام السياسي الفاسد من جذوره؟ ام هو محيط التخلف والامية والتآمر الذي لا ينتهي ضد بعضهم البعض الاخر؟ ام انه محيط الطائفية المقيتة والعنصرية البغيضة والاعلام التضليلي؟ ام انه محيط وعاظ السلاطين وفقهاء البلاط الذين يصدرون فتاواهم التكفيرية والطائفية حسب طلب الحاكم الظالم لخدمة اهدافه التدميرية ولاثارة النعرات الطائفية والعنصرية بين ابناء الامة الواحدة.

ان على السياسيين في العراق ان يغسلوا ايديهم من النظام السياسي العربي الفاسد، فالتغيير سيكنس ما بقي منه ان عاجلا ام آجلا، واذا كانت سلطات آل سعود قد تمكنت من قمع انتفاضة شعب البحرين البطل بالحديد والنار في اطار عملية غزو عسكري مخجلة ومعيبة، تفتقر الى الرجولة والشهامة، فانها سوف لم ولن تنجح في القضاء على جذوة الثورة الشعبية ابدا، لانها لازالت، وستظل، تعتمل في نفوس الشعب الى ان تسقط عرش آل خليفة الفاسد وبقية العروش المتهاوية الحاكمة في الخليج، هذه الانظمة القبلية المتخلفة المهترئة، التي اثبتت التجربة انها عصية على التغيير الا بالثورة الشعبية التي تكتسح النظام السياسي الفاسد من جذوره، كما حصل في تونس الخضراء ومصر الكنانة، وكما يحصل اليوم في اليمن السعيد وليبيا المختار.

ان عليهم ان يصطفوا الى جانب الثورات الشعبية التي يقودها الشباب في مختلف البلدان العربية، فهي الخيار وهي الرهان، متمنيا عليهم ان ينشطوا ذاكرتهم وكيف انهم كانوا يكرهون اي نظام او حاكم في البلاد العربية كان يصطف الى جانب نظام الطاغية الذليل بالضد من ارادة الشعب العراقي التواق للحرية، فكيف يجيزون لانفسهم بان يصطفوا الى جانب النظام السياسي العربي الفاسد وهم يرون كيف انه يتهاوى الواحد بعد الاخر امام ثورات الشعوب العربية؟.

حذار ان يفعلوا ما يسبب كراهية الشعوب التواقة للحرية لهم، فالشعوب لا ترحم، والتاريخ لا يرحم، ولهم في الطاغية الذليل وبقية الطغاة الذين مروا على شعوبنا عبرة.

اليس من المخجل ان تحتضن بغداد عاصمة العراق الديمقراطي الذي يمثل برلمانها الشارع العراقي بشكل حقيقي من خلال صناديق الاقتراع في انتخابات حرة ونزيهة، جوقة من الطغاة المنبوذين من قبل شعوبهم والذين لا يمثلون شيئا؟ اوليس من المعيب ان تحتضن بغداد العراق الجديد وجوها معتقة اكل الدهر عليها وشرب، تمثل جوقة القتلة والسفاحين والمجرمين؟ ماذا ستقول بغداد لشعب البحرين الذي ينزف دما على يد آل خليفة؟ وماذا ستجيب شعب الجزيرة العربية الذي يئن تحت سياط نظام قبلي طائفي؟ وماذا ستجيب شعب اليمن الذي يزهق النظام الحاكم ارواح شبابه بدم بارد وبارخص الاثمان؟.

احذرهم من مغبة الاسترسال مع امانيهم المريضة في عقد القمة المرتقبة في بغداد، هذه القمة التي لا طائل من ورائها، وان ضرر انعقادها في بغداد اكثر بكثير من فوائد انعقادها، هذا اذا كان لانعقادها اية فائدة تذكر، فهي، بالاضافة الى ذلك، ستكون سبب في خسارة العراق ملايين الدولارات بلا طائل، والشعب العراقي باحوج ما يكون الى مثل هذه الاموال.

انصحهم ان لا يشغلوا انفسهم بالتوافه من الامور وبكل جهد لا ينفع العراق والعراقيين، وانصحهم بان ينشغلوا، بدلا عن ذلك، بقضايا العراق لايجاد الحلول الناجعة لمشاكله العويصة، فالعراقيون ليسوا بحاجة الى ان تبذلوا جهودكم وتصرفوا اموال العراق على قمة لا تغني ولا تسمن من جوع، وانما بحاجة الى جهودكم للايفاء بوعودكم التي قطعتموها على انفسكم في يوم جمعة الغضب العراقي في الخامس والعشرين من شباط المنصرم.

ليس امامكم الكثير من الوقت لتثبتوا حسن نواياكم ازاء الوعود التي قطعتموها للعراقيين التواقين الى التغيير الحقيقي في حياتهم اليومية، وعلى مختلف الاصعدة.

ان من المضحك المبكي ان تبرر انظمة الخليج دعوتها الجامعة العربية عدم عقد القمة في بغداد، كون العراق وقف الى جانب شعب البحرين البطل الذي ثار على جلاديه من اسرة آل خليفة الفاسدة.

انها تهمة لا ينكرها العراقيون وشرف لا يدعونه، فلماذا يحق للانظمة البوليسية ان تتعاطف مع جلاد البحرين ولا يحق للشعوب ان تتعاطف مع ضحاياه؟ ولماذا يحق للانظمة الفاسدة ان تتعاطف مع ثورة شعب ليبيا مثلا، ولا يحق للعراقيين ان يتعاطفوا مع ثورة شعب البحرين؟ ولماذا يحق للحكام المستبدين ان يحرضوا ضد بعضهم البعض الاخر ولا يحق للشعوب ان تتعاطف مع بعضها؟.

لقد لجا هؤلاء الطغاة حتى الى (الفتوى الدينية) لتصفية حساباتهم بعضهم مع البعض الاخر، فلماذا لا يحق للشعوب ان تصفي حساباتها مع الظالمين ولو بكلمة تاييد لهذه الثورة او تلك؟.

هل تعتقد هذه الانظمة الفاسدة انها لا زالت البوصلة التي تحدد اتجاهات الشعوب ومسارات اهتماماتها؟ افلا تعلم بان الزمن قد تغير وانه لم يعد زمن الطغاة وانما زمن الشعوب التي ستكنس ما بقي من مخلفات النظام السياسي العربي الفاسد وكل ما يتعلق به من مؤسسات مهترئة ومنها المؤسسة الدينية الفاسدة التي اثبتت المرة تلو الاخرى انها لا تصطف مع حق الشعوب في الحرية والكرامة وانما تصطف دائما وابدا مع الحكام والظلمة الذين يسومون الانسان سوء العذاب؟.

عن ما يمكن ان تفعله جامعة الدول العربية بشان الطلب الخليجي بالغاء عقد القمة في بغداد في مايس (أيار) القادم، قال نـــــزار حيدر:

ان جامعة الدول العربية هي جزء لا يتجزء من النظام السياسي العربي الفاسد، وهي ظلت تمثل هذا النظام على مدى اكثر من نصف قرن، فهي جامعة الحكام وليست جامعة الشعوب، انها جامعة الطغاة والديكتاتوريين والمستبدين، وليست جامعة الشعوب المظلومة المغلوب على امرها، والتي تسوقها السلطات الحاكمة بالحديد والنار، ولكل ذلك يجب ان ترحل هذه الجامعة مع النظام السياسي العربي الفاسد الذي بدا يتهاوى تباعا.

انها اليوم اضحوكة العالم، فبعد ان طلبت الجامعة من مجلس الامن الدولي وحلف الناتو قصف احد اعضائها (ليبيا) بكل سلاح ثقيل، وبعد ان ظلت تتلفع بالصمت ازاء ما يجري في تونس ومصر الى ان نجح التونسيون والمصريون في خلع الديكتاتور، وبعد ان تلفعت بصمت اهل القبور وهي ترى بام أعينها القوات السعودية الغازية تجتاح احد اعضائها (البحرين) لتقتل الشعب وتذبح النساء والاطفال وتجهز على الجرحى في المستشفيات، بعد كل هذا، هل بقي من الجامعة شئ؟ وهل بقيت لها قيمة تذكر؟ انها اليوم المزحة التي يتندر بها الصغير والكبير في البلاد العربية.

لقد تعاملت الجامعة مع ثورة الشعب في البحرين بطائفية بغيضة، وتعاملت مع ثورة الشعب في تونس ومصر بلاابالية مميتة عندما اصطفت الى جانب النظام الديكتاتوري حتى آخر لحظة من عمره، ومع ثورة شعب ليبيا بحقد دفين، وهكذا بالنسبة الى بقية ثورات الشعوب العربية، ما يعني انها فقدت مصداقيتها وخسرت تمثيلها الحقيقي ولم يعد لها اي مبرر، ولذلك يجب ان ترحل مع الراحلين.

12 نيسان 2011

الاثنين، نيسان ٠٤، ٢٠١١

الاعلام العراقي..تطور وتطلع

نـــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

لا يمكن لمنصف ان لا يرى الفارق الكبير في حركة الاعلام العراقي بين زمنين، فلقد كان الاعلام في زمن النظام الشمولي البائد احادي بكل معنى الكلمة، احادي في الخبر واحادي في التحليل واحادي في الصورة واحادي في كل شئ، اما اليوم، ومنذ التاسع من نيسان عام 2003، فان الاعلام العراقي حقق قفزات نوعية بعد ان انعتق من ربقة رقابة السلطة البوليسية، وهيمنة الزعيم، وشبح صورة القائد الضرورة، ومقص الرقيب او الحزب الحاكم.

ولذلك، فانا اعتقد بان الاعلام العراقي نجح، وبدرجة كبيرة، في التاثير على اتجاهات الراي العام، من جانب، وفي التاثير على مسارات مختلف الملفات في مؤسسات الدولة العراقية، ومشاريع الحكومة تحديدا، ان على الصعيد السياسي او الاقتصادي او غير ذلك، من جانب آخر.

ومن اجل ان يحقق الاعلام العراقي نهضة جديدة، فانا اعتقد انه بحاجة الى الامور المهمة التالية:

الاول: هو ان لا يكتفي بما يسمى بعمليات الكشف من خلال الرقابة، وانما عليه ان يتبنى نظرية ما يسمى هنا في الولايات المتحدة الاميركية وفي عموم بلدان العالم الديمقراطي، بـ (الحملات الاعلامية) من خلال المتابعة والمثابرة لتترك عمليات الكشف اثرا في الحياة العامة، فمثلا، لو كشف الاعلام تورط مسؤول ما بعملية اختلاس، فان على الاعلام ان يتبنى تنفيذ حملة اعلامية ضده الى ان يطرد من موقع المسؤولية، اما الاكتفاء بالكشف عن الفضيحة فان ذلك لا يكفي لترك التاثير المطلوب والنتيجة المتوقعة لمثل هذه الفضيحة، خاصة في بلد كالعراق الذي تحكمه المحاصصة التي تحمي اللصوص والارهابيين في اغلب الاحيان.

ان الاعلام اليومي لا يترك اثرا كبيرا على مجريات الامور، اما الحملات الاعلامية فهي التي تترك الاثر المطلوب.

ثانيا: الملاحقة، من خلال متابعة تطورات الخبر بشكل حولي، فعندما ينفذ الارهابيون عملية اجرامية ضد كنيسة سيدة النجاة مثلا في العاصمة بغداد، ويخرج علينا بعدها رئيس الوزراء او الناطق باسم خطة فرض القانون، او عمليات بغداد، او اي مسؤول آخر، ليعلن عن تشكيل لجنة خاصة للكشف عن الحقائق، فينبغي على الاعلام ان يلاحق هذا (الخبر) بعد شهر من موعد التصريح ثم بعد شهرين ثم بعد ثلاثة اشهر وهكذا الى ان يحصل على النتيجة المطلوبة فيتعرف الراي العام على الحقائق والتفاصيل، وهذه هي مسؤولية الاعلام، اما ان يكتفي الاعلام بنقل خبر تشكيل اللجنة ثم لا يلاحق هذا الخبر، فان المسؤول قد يتنصل عنه باية ذريعة او حجة ممكنة، او بسبب ضغوط تمارس ضد الحكومة او ما اشبه، اما اذا لاحق الاعلام تطورات الخبر بشكل مستمر فهذا بحد ذاته سيشكل ضغطا على الحكومة يقطع الطريق امام اية محاولات للتنصل ولاي سبب كان.

يجب ان يشعر المسؤول ان هناك عينا ساهرة تتابع حركاته وسكناته، ما يحول بينه وبين الهرب او الفرار من المسؤولية ومن كل حرف ينطق به.

كذلك، فعندما يعلن المسؤول الفلاني عن نية وزارته في تنفيذ المشروع الفلاني في المكان الفلاني، فان على الاعلام ان يظل يلاحق تصريحات ووعود المسؤول بين الفترة والاخرى ليعرف الراي العام ما اذا كان المسؤول صادقا فيما قال، ام ان تصريحاته كانت للتهرب من موقف آني محرج امام الاعلام، او انه كان دعاية انتخابية ليس اكثر.

ان الملاحقة تساعد الراي العام على التمييز بين الصادق والكاذب من المسؤولين، ولقد قيل قديما بان الكلام والحديث ليس عليه ضريبة، اما صدق الحديث وتنفيذه والالتزام به فيتحمل اكبر الضريبة.

وان من بين من يلزم على الاعلام ملاحقتهم من المسؤولين، خمسة:

الاحمق، الذي لا يميز بين النافع من الامور من الضار، فمثله يريد ان ينفع الناس فيضرهم.

البخيل، الذي يعيد ميزانية دائرته، وزارة كانت ام غير ذلك، الى الخزينة العامة، رافضا صرفها في المشاريع بحجة او باخرى.

الفاجر، الذي يبيع مصالح الشعب بالادنى من المطامع، فهو لا يرعى المصلحة العامة ولا يحرص على اسرار الدولة.

الكذاب، الذي يعد ولا يفي ويلتزم فينقض التزاماته، فانه {كالسراب، يقرب عليك البعيد، ويبعد عليك القريب} على حد قول امير المؤمنين عليه السلام.

اللص، الذي يعبث بالمال العام ويبذر بالزمن الذي يمر على الناس من دون انجاز او نجاح.

هذا من جانب، ومن جانب آخر فان على الاعلام ان (يلاحق) الناجحين ليكشف عن نجاحاتهم فيلقي الضوء على انجازاتهم، وبذلك يكون الاعلام قد ساعد الراي العام على التمييز بين من هو ناجح وبين من هو فاشل من المسؤولين من اجل ان لا يختلط الحابل بالنابل، فلا يضيع حق ومكانة وقيمة الناجح بين جيش الفاشلين، وبذلك سيتحقق في المجتمع والدولة قول الله تعالى {ولا تزروا وازرة وزر اخرى}.

كذلك، فان على الاعلام ان يلاحق مصالح الناس وحقوقهم، خاصة الطبقة الفقيرة والمسحوقة، فيكشف عن القوانين المعرقلة التي تحول دون حصولهم على حقوقهم، فان عزة الناس وكرامته بنيل حقوقهم، والى هذا المعنى اشار الامام علي (ع) بقوله {لنا حق، فان اعطيناه، والا، ركبنا اعجاز الابل، وان طال السرى}.

ثالثا: الامر الهام الذي يجب ان ينتبه اليه الاعلام العراقي، هو، ان عليه ان يتحول الى موقع الهجوم في الدفاع عن العراق وتجربة العراقيين الجديدة في بناء النظام الديمقراطي.

فكلنا نعرف مدى حجم الجهود الجبارة، المادية والمعنوية، التي يبذلها اعداء العراق على الاعلام للنيل من تجربة نظامه الديمقراطي، ومحاولة تضخيم المشاكل والنفخ في نار الفتن وبكل اشكالها، فيما يسعى، بكل ما اوتي من حول ومن قوة، للتستر على النجاحات الكبيرة التي حققتها التجربة لحد الان، ومع كل هذا لا زال الاعلام العراقي يتخذ موقف المدافع الذي ينتظر هجمة اعلامية معادية ليصدها بشكل من الاشكال، وهو بهذا الموقف يشبه الى حد بعيد موقف فريق كرة القدم الذي ينتظر هجمات الفريق المنافس في ارضه، فهو، بهذه الحالة من المستحيل عليه ان يسجل هدفا على الخصم، لانه يستنزف كل طاقته في صد هجمات الخصم من دون ان يرد في ذهنه التخطيط للهجوم وتسجيل الهدف.

ان اعداء العراق غارقين في الفضائح اليومية وعلى مختلف الاصعدة، خاصة في هذه الايام التي تشهد بلدان العالم العربي ثورة تغييرية عارمة ضد النظام السياسي الفاسد، فلماذا لا يفكر الاعلام العراقي في البدء بحملة هجوم اعلامي منظمة ضدهم، على الاقل لاشغالهم بانفسهم، وتنبيه الراي العام في بلدانهم لمشاكل انظمتهم وفسادهم المستشري في كل مرافق الدولة؟.

لماذا لا يبدا الاعلام العراقي خطة منظمة لاجراء المقارنة بين ما يجري في بلدان اعداء العراق في ظل انظمة بوليسية تكمم الافواه وتصادر حرية الناس وتسحق حقوقهم، وبين ما يجري في العراق الجديد، في ظل نظام سياسي ديمقراطي تعددي يسعى لبناء البلد على اسس جديدة، صحيحة وسليمة، على الرغم من كل المعوقات والمشاكل والتحديات؟.

رابعا: ان الاعلام الناجح هو الاعلام القادر الى منع الخطا او التقصير او الفشل في مختلف مؤسسات الدولة، من خلال المبادرة للحديث عنه بكل الطرق والوسائل، بطريقة استباقية.

ان ذلك يحتاج من الاعلام ان يكون حاضرا في موقع ما قبل الحدث وليس في موقع الحدث، فعندما يعلن مسؤول ما عن خطته في الوزارة مثلا او في مديريته او ما اشبه، فان على الاعلام ان يناقشها مع الخبراء الذين سيكشفون عن مواطن الخلل فيها وبالتالي سيتوقعون الفشل بسبب مثل هذه المواطن، ما يساهم في التنبيه اليه قبل وقوعه، فاذا اصر الوزير او المسؤول على تبني وجهة نظره وفشل فان من حق الاعلام ان يضعه في قفص الاتهام على اعتبار انه كان قد نبهه الى مثل ذلك ولكن المسؤول لم يعر اهمية للموضوع.

في مثل هذه الحالات فان المسؤول سوف لن يمتلك الكثير من فرص المناورة او التبرير كأن يدعي بان ما قدمه من خطة كان افضل ما توصل له العقل العراقي او ما الى ذلك، لان الاعلام سيرد عليه وبالوثائق والادلة الدامغة، ويكذب دعواه على اعتبار انه (الاعلام) كان قد نقل صورا اخرى عن الموضوع هي اقرب للنجاح والواقع من تلك التي تشبث بها المسؤول.

يجب ان يمارس الاعلام دور الرقابة على مؤسسات الدولة في مواقع ما قبل الخطا او الفشل، والعمل للحيلولة دون فعل العكس، فلا يمنح مؤسسات الدولة فرصة الرقابة على الاعلام، وبذلك سيسير الاعلام امام الدولة وليس خلفها او حتى بجانبها، ما يمكن الاعلام من لعب دور ماقبل وقوع الخطاء او الفشل.

ويستحسن، لتحقيق ذلك، ان يوظف الاعلام مخبرين سريين ينشغلون في اروقة مؤسسات الدولة، الاتحادية والمحلية، بالبحث عن امثلة على الفساد السياسي والاداري والمالي وسوء التصرف في موقع المسؤولية.

ان ذلك يقوي من ظاهرة (الاعلام التحقيقي) الذي يتحول بهذه الطريقة الى سيف مسلط على رقاب المسؤولين يحذرهم الفضيحة اذا اخطاوا قبل وقوعها، وبذلك يتحول الاعلام الى ممارسة دور (الوقاية) من الفشل وهو بالتاكيد افضل من دور (العلاج) من الفشل، خاصة في بلد كالعراق الذي يحتاج الى (الطب الوقائي) اكثر من (الطب المعالج) وعندها سيشعر الاعلام وكل العاملين في هذا المجال الى انهم يؤدون خدمة عامة تعتبر ضرورية لسلامة الديمقراطية وحماية البلاد والعباد، ولقد قال الرئيس الاميركي توماس جيفرسون، وهو احد الاباء المؤسسين للولايات المتحدة الاميركية (ان حريتنا تعتمد على حرية الصحافة، وهذه لا يمكن ان تقيد بدون ان تفقد).

خامسا: ان الاعلام الناجح هو الذي يوازن في ضيوفه وحواراته بين من هو من داخل المؤسسة الرسمية ومن هو من خارجها، من جانب، كما انه ياخذ بنظر الاعتبار التنوع وعدم تكرار نسخ الضيوف في برامجه وحواراته، خاصة اولئك الذين ثبت فشلهم وفراغ عقولهم وسذاجة تفكيرهم وضعف رؤيتهم للامور.

ان من الاخطاء الفاحشة التي يرتكبها الاعلام في العراق هو انه يكرر الضيوف ويقتصر على من هم من داخل مؤسسة الدولة، ما يضعف برامجه الحوارية ويساهم في عملية تسطيح الوعي الجمعي، الذي قد يضطر احيانا لمتابعة مثل هذه البرامج الحوارية مدة، الا انه بالتاكيد سوف لن يتواصل مدة طويلة مع مثل هذا الاعلام الذي سيفقد مصداقيته بمرور الوقت.

سادسا: ان فلسفة الاعلام تقوم على اساس كسب ثقة المتلقي، ومن المؤكد فان طريقة التغافل عن الخبر والحدث، خاصة اذا كان كبيرا ومهما، لا يساهم في تحقيق هذه الفلسفة، كما ان تقطيع الخبر بالطريقة التي تشوه حقيقته او دمج التفسير والراي مع الخبر او لي عنق الحقيقة، ان كل ذلك لا يساهم في تحقيق هذه الغاية للاعلام الذي يريد ان يكسب ثقة المتلقي او يحترم نفسه، ابدا.

على الاعلام ان يتذكر ضرورة الفصل بين الخبر والراي في الخبر، فالخبر كائن حي يلزم ان يصل الى المتلقي بصفاته الذاتية واحاسيسه الحقيقية، اما الراي ووجهة النظر السياسية فيعودان الى صفحات الاراء.

ان على الاعلام ان يلاحق الخبر مهما كانت ماهيته، فهذه هي مهمته، اما الفارق بين الاعلام المعادي والاخر الوطني، فبينما يسعى الاول لتفسير الخبر بطريقة تصب في غير مصلحة البلد والعملية السياسية، يسعى الثاني الى ان يفسر الخبر بالطريقة الايجابية التي تخدم البلاد.

اما اذا كان الخبر من السلبية بما لا تسمح بتفسيره بالطريقة الايجابية فان على الاعلام الذي يحترم نفسه ان لا يتورط في تكرار واجترار تفسيرات السلطة كالببغاء، لان ذلك يعرض مصداقيته للخطر.

ان اهم واعظم راس مال للاعلام الناجح هو المصداقية، وهي لا يمكن بناؤها الا بالصدق الذي يحترم عقول الناس ولا يغشهم او يستخف بهم، فالمتلقي اليوم يمتلك اكثر من خيار عندما يريد ان يختار الوسيلة الاعلامية التي يتابعها، فهو غير مجبر، كما في السابق، على ان يتابع الوسيلة الاعلامية الوحيدة، كما ان تعدد وتنوع الاعلام منحه فرصة الخيار من جانب وساعده على النهوض بوعيه السياسي والثقافي والمعرفي من جانب آخر، ولذلك تراه لا يصدق اي خبر ولا يقبل اي تحليل او تفسير، ولقد راينا كم من وسائل الاعلام سقطت في الحضيض لانها فشلت في اقناع المتلقي بصدق اخبارها وبجدية تحليلها للخبر او الحدث.

وعلى الاعلام ان يتذكر حقيقة في غاية الاهمية وهي انه بحاجة الى جهد عظيم ومستمر من اجل ان يبني مصداقيته عند المتلقي، الا ان خطا بسيطا او خبرا صغيرا كاذبا قد ياتي على كل الجهد العظيم الذي بذله من اجل بناء تلك المصداقية، فالاعتبار نتيجة جهد عظيم اما ضد الاعتبار فنتيجة لكذبة صغيرة او غش بسيط.

سابعا: ان بامكان الاعلام ان يفرض على مؤسسات الدولة، خاصة مجلس النواب، طريقة تحديد اولويات مشاريع القوانين، من خلال تسليط الضوء على ما يجب وما لا يجب البحث فيه، فعندما يتصور الاعلام ان القانون الف اهم واكثر ضرورة من القانون باء، فيما يرى مجلس النواب، مثلا، مشغول بالبحث في القانون جيم، فان على الاعلام ان يفعل كل ما بوسعه من اجل فرض القانون الف على طاولة البحث تحت قبة البرلمان، وبذلك يكون قد نجح في المساعدة على تحديد الاولويات، وهذه مسؤولية شاقة ومهمة في آن، على الاعلام ان يتصدى لها، ليكون صدى الشارع وليس صدى السلطة.

وفي هذا الاطار، فان على الاعلام ان يمارس دور (التثقيف الدستوري) للراي العام، فكما هو معلوم فان مؤسسات الدولة عادة ما تتشبث بكل مادة دستورية تصب في مصلحة المسؤولين خاصة، اما ما يتعلق من مواده بمصالح الناس، فانها لا تعير اهتماما كافيا بها، وهنا تشخص مسؤولية الاعلام الذي عليه ان يتبنى كل ما من شانه ان يحفظ كرامة المواطن وحقوقه من مواد الدستور.

ان على الاعلام ان يتحدث (دستوريا) عن امتيازات المواطن عندما تتحدث مؤسسات الدولة عن امتيازات المسؤولين.

كما ان على الاعلام ان يكشف الخروقات الدستورية التي يرتكبها اي مسؤول في اية مؤسسة من مؤسسات الدولة، كما هو الحال مثلا بشان موضوع نواب الرئيس الذين هم ليسوا نوابا من الناحية الدستورية، او موضوع رواتب الرئاسات، اذ ان عليه تقع مسؤولية كشف كل الحقائق والملابسات المتعلقة بهذا الشان، فمثلا، عندما يعلن السيد رئيس الوزراء بانه قرر اعادة نصف راتبه الشهري الى خزينة الدولة، فان على الاعلام ان يساله اولا عن راتبه الشهري، ليعرف الراي العام كم هو مقدار النصف، فاذا عرف المواطن العراقي ان راتبه الاسمي (50) مليون دينار شهريا، فعندها سوف لن يحسب قراره باعادة نصفه الى خزينة الدولة شجاعة او مبادرة تحسب له، وهكذا بالنسبة الى كل ما يقوله المسؤول، اذ يجب ان يسلط الاعلام الضوء على مثل هذه القرارات من الناحية الدستورية او الواقعية ليكتشف الراي العام الحقائق بنفسه فلا ينبهر بقرار او يعد آخر مكرمة او شجاعة من المسؤول.

يجب ان لا يغيب الدستور عن الاعلام لحظة واحدة، من اجل صناعة ثقافة دستورية جماهيرية، ليعرف المواطن ما له وما عليه من حقوق وواجبات، وكذلك ليعرف اين تجاوز المسؤول على الدستور واين التزم به، ففي الولايات المتحدة الاميركية، وفي كل البلدان المتحضرة، يدرس الطلاب الدستور في جل المراحل الدراسية، كما ان الاعلام ومختلف مؤسسات المجتمع المدني لا يغيب عنهم الدستور، لانه العقد الاجتماعي الاسمى الذي يرسم العلاقة بين الجميع، فكيف لا يعرف المواطن فحواه؟ او لا يعرف المسؤول نصوصه؟.

3 نيسان 2011