وقفت سيدة النساء يوماً على قبر ابيها النبي الاقدس صلوات الله عليهما، وقبضت قبضة من تراب قبره المبارك فشمته ثم بكت وأنشأت تقول: ماذا على مَنْ شمّ تربة أحمدٍ أن لا يشّمَ مدى الزمانِ غواليا ... صُبّتْ عليَّ مصائبٌ لو أنّها صُبّتْ على الأيامِ صِرنَ لياليا ***** ووقف الامام عليّ يوماً على قبر الزهراء صلوات الله عليهما وانشأ يقول: أرى عللَ الدنيا عليَّ كثيرة وصاحبها حتى الممات عليلُ ... لكل اجتماعٍ من خليلينِ فرقة وكلُ الذي دونَ الفراقِ قليلُ ... وإنّ افتقادي فاطماً بعد أحمدٍ دليلٌ على أنْ لا يدومَ خليلُ

الأربعاء، كانون الأول ٢٩، ٢٠١٠

بعثي ... لم تتلطخ اياديه بدماء عائلتي (22)

القصة:

بقلم : محمد الجاسم

حين يكون المرء في سن الخامسة عشرة من العمر يكون عنده كل شي بمعنى المغامرة والفضول و حب التعرف وإثبات الذات وسبر أغوار النفس لأستنطاق مكنوناتها من الموهبة والمعرفة ومعالجة الإمكانات المكبوتة بين سن المراهقة وسن الشباب.. ولذلك كنت في الثاني المتوسط والثالث المتوسط ارتاد جمعية رعاية الفنون والآداب في الناصرية مقابل سينما البطحاء الشتوية بصحبة الراحل أخي أحمد الجاسم وأكتب محاولات شعرية بالقلم الرصاص على دفتر مدرسي لكي أعرضها على معلمي الاول والدي الشاعر عبد الحسين الجاسم الذي زرع في نفسي غرسة العشق للغة العربية ومعلمي الثاني أحمد الجاسم ومدرّسي طيّب الذكر في اللغة العربية استاذ ماجد رحمه الله في متوسطة سومر ، ثم انني كنت استمتع كثيرا بالوقت الذي اقضيه مع زميلي سعد تحت اشراف ورعاية خاله الفنان التشكيلي الاستاذ كامل الموسوي حينما كنا نرسم (الستيل لايف) الحياة الجامدة ونقيم تخطيطات التماثيل الموجودة في مرسم المتوسطة.وليس بعيدا عن هذه الأجواء الثقافية ، إهتممت بالمطالعة وأقمت صداقة حميمة مع الكتاب وقد شجعني على المطالعة بشكلها المنهجي والمسؤول زميلي الرائع جمال أمين الذي استغل ابتعادي عن الاتحاد الوطني لطلبة العراق وبغضي لمسؤوله الشاب حازم ابن ناظر محطة قطار الناصرية فدعاني مرة الى (جلسة ثقافية راجلة) نتمشى فيها الى جانب ضفاف الفرات وعلى رصيف شارع المتنزه ليحدثني عن آخر كتاب قرأه وطلب مني الحديث عن آخر كتاب قرأته قبل أن يفاتحني بالإنضمام الى صفوف إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية.

لقد مضى على ذلك اللقاء الوحيد مع جمال أمين في الهواء الطلق عدة شهور

حاصرتنا بعدها امتحانات الثالث متوسط الوزارية ، وبعد استعدادات حثيثة من قبلي لخوض الأمتحانات الوزارية والمراجعة اليومية للكتب العديدة التي تثقل كاهل طلاب هذه المرحلة في البيت أو في بستان المرحوم الشيخ حمدان الكنزاوي الذي يمتد لمساحة واسعة وفسيحة خلف بيتنا في منطقة الثورة..في هذه الاثناء حضرت الى بيتنا مفرزة من مديرية أمن ذي قار بسيارة صغيرة بيضاء أجهل نوعها واقتادوني الى مديرية الامن الكائنة بجوار المحكمة ، حيث ابتدأ التحقيق معي من أول دخولي للباب الصغيرة المؤدية الى غرفة الاستعلامات وكان التحقيق الأبتدائي على شكل لكمات وشتائم بذيئة وصفعات على مؤخرة الراس لم يكن من الهيـّن على شاب مراهق ان يتحملها دون التصريح العلني بالبكاء.

كان ثمة ضابط ينادونه بكلمة سيدي بالملابس المدنية ينتظرني في غرفة صغيرة في الطابق الارضي وفي وسط الممر الكائن في المديرية.ابتدرني بالسؤال (هل انت شيوعي ) ؟

( لا والله استاد أنا لست شيوعيا انا لا أهتم سوى بالامتحانات وانا في الثالث وعندي بكالوريا )

أجبته بذلك وصورة جمال أمين تتراقص في عيني حيث رقرقها الدمع الحزين المتخلف من الإهانات الفظيعة التي تعرضت لها كرامتي في هذه الدائرة الحكومية.

عاود التأكيد(انت شيوعي وتقارير الاتحاد الوطني والمكتب الطلابي للحزب في المتوسطة تقول انك تحضر اجتماعات راجلة ) .

قلت له:(استاد لو كان بي خير وأستطيع أن اعمل شيئا كبيرا كالذي تتهمني به فإن الأجدر بي أن انجح بالبكالوريا لاحقق طموحي بالالتحاق بمعهد الفنون الجميلة ).

قال لي :( حلو.. يعني شيوعي ودمبكجي !!)

وقبل أن يهم بتوجيه صفعة قوية الى وجهي أدمت حاجبي وطرف عيني

قلت له :( لا استاد اريد اصير رسام)

كان يواجه براءتي وصغر سني بسيل من الشتائم والصفعات .. ثم دعا الشخص الواقف بجانبه وقال له:

(هذا لسانه طويل .. ينرادله تاديب)

فما كان من الشخص ذاك الّا أن انهار علي بالركلات على بطني وعجزي وعلى ظهري وكتفي بعد أن وقعت أرضا من على الكرسي حتى لم أعد اشعر بما يدورحولي .

لقد عاد اليّ وعيي في مساء نفس اليوم في بيت أهلي وقد كان ثمة ما يشبه مجلس فاتحة بدون جنازة بحضور والدي ووالدتي وأخي أحمد وأخي طه والصغارمازن وحبيبية أما اختي الكبرى فقد كانت تعيش في الحلة مع عائلتها وأخي الكبير ماجد في بغداد مع عائلته واختي رملة في معهد الفنون الجميلة في بغداد.

استمر التداوي فترة طويلة كنت خلالها أسير الهواجس والكوابيس الليلية لا افقه من الدنيا شيئا سوى القلق على خوض الامتحانات ولكني لم اتمكن البتة من مسك الكتاب والمراجعة مما أدى ذلك اضافة الى الحالة النفسية السيئة الى رسوبي بالامتحان الوزاري في تلك السنة ، الأمر الذي دفع العائلة ولاسباب اخرى للهجرة الى بغداد في العام التالي 1975.

لقد شاع في أوساط الطلبة في منطقة الأسكان في الناصرية بعد هذا الحادث وحوادث مشابهة طالت الطلبة ان حازم ناجي السامرائي مسؤول البعث في المتوسطة هو الذي كان يوافي مديرية أمن ذي قار بالتقارير الواشية والكيدية عن تحركات الطلبة الذين لم يركبوا قطار البعث آنذاك، لكني شخصيا لم أتحقق من ذلك بشكل أكيد الى يومنا هذا.


الأربعاء، كانون الأول ٢٢، ٢٠١٠

بماذا تنجح الحكومة الجديدة؟

نـــــــــــــــــــــــــــــــزار حيدر

NAZARHAIDAR@HOTMAIL.COM

ليس امام الحكومة العراقية الجديدة الا ان تنجح، وذلك لاربعة اسباب مهمة، وهي؛

اولا: فبعد مرور ثمان سنوات على التغيير، سوف لن يجد العراقيون ما يبررون به فشلها اذا فشلت او قصرت او اخفقت، فمن المفترض ان يكون الجميع قد تعلموا من التجربة وطوروا بها افكارهم وعقلياتهم وادواتهم، ما يساعدهم على تحقيق النجاح المرتقب.

ثانيا: ان كل من هو تحت قبة البرلمان، من كتل واحزاب، يشترك فيها، ولذلك فان فشلها يعني فشل كل هذه الاحزاب والكتل، ما سيوجه الى مصداقيتها ضربة في الصميم، بل والى كل العملية السياسية.

بمعنى آخر، فان الحكومة الجديدة لا تقف بازائها معارضة، لنقول، مثلا، اذا فشلت الحكومة فسنستبدلها بالمعارضة، طبعا بغض النظر عن صحة هذا الامر من عدمه، الا انني هنا اتحدث عن واقع سياسي قائم ليس بامكاني ان اغيره او ابدله، ولهذا السبب اقول، اذا فشلت الحكومة فستفشل كل هذه الاحزاب والكتل، ما يدخل العراق الجديد في دوامة السلطة والحكم، بل والعملية الانتخابية.

ثالثا: انها تشكلت حسب المقاسات التي توافق عليها الجميع، بما فيهم رئيس الوزراء وحزبه وكتلته البرلمانية، ولذلك فليس فيهم من يمكنه ان يبرر الفشل اذا ما حصل.

رابعا: كما ان الظروف السياسية والامنية تطورت بشكل كبير جدا لصالح العراقيين، كان آخرها القرارات الدولية الثلاثة التي اصدرها مجلس الامن الدولي الاسبوع الفائت، ما يساهم في تحسين الظروف السياسية بدرجة كبيرة، ينبغي توظيفها والاستفادة منها من اجل النجاح، هذا التطور الذي اسقط الكثير من الاعذار التي ظل بعض المسؤولين يسوقونها كحجج كلما سئلوا عن اسباب الفشل والتلكؤ.

ان مصير العملية السياسية برمتها مرتبط بمصير هذه الحكومة، بل ان مصير التجربة الديمقراطية برمتها مرتبط، الى حد كبير، بمصير هذه الحكومة، ولذلك فانها لا تمتلك خيارا الا ان تنجح لتنجح معها العملية السياسية ولتنجح التجربة الديمقراطية ولينجح العراق الجديد، الذي سيتحول بهذا النجاح الى نموذج يحتذى، بعد ان راهن الجميع على فشله خوفا من عدوى الديمقراطية، ولقد راينا كيف انهم بذلوا كل ما يملكون من دون ان يوفروا شيئا لاسقاط التجربة والتخلص من مخاطرها، فوظفوا فتاوى التكفير التي حرضت على القتل والتدمير، ووظفوا المال الحرام لتحريض المغرر بهم للذهاب الى العراق لتفجير انفسهم بالعراقيين، كما انهم وظفوا الاعلام الطائفي والعنصري الحاقد الذي ظل ينعق كالغربان ليل نهار من اجل تدمير العملية السياسية التي يشهدها العراق منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان عام 2003، ولولا صبر العراقيين وحكمتهم ومثابرتهم لكانت التجربة اليوم في خبر كان.

فبماذا، يا ترى، ستنجح الحكومة الجديدة؟ وباية ادوات ووسائل؟.

اولا: ستنجح الحكومة اذا كان بامكان رئيس الوزراء اقالة الوزير الذي لم يثبت كفاءته وقدرته على الانجاز، من دون ان تعطل كتلة الوزير او حزبه هذه القدرة التي يجب ان يتمتع بها رئيس الحكومة لنقول بان الوزراء وزراءه وليس وزراء الكتل والاحزاب.

ثانيا: كما انها ستنجح اذا مارس مجلس النواب كامل صلاحياته في الرقابة عليها، يحاسب ويعاقب ويستجوب ويقيل ويحجب الثقة عمن يراه مقصرا او مسوفا او فاشلا، وزيرا كان ام برنامجا، لا فرق، من دون ان يتعرض للضغوط المعرقلة من قبل كتل المستهدفين، اما اذا ظل البرلمان مشلول اليدين لا يقوى على الرقابة، ولم يكن بامكانه ان يستجوب وزير بسبب دفاع كتلته او حزبه عنه، فان البرلمان سيفشل في هذه الحالة في اداء نصف مهمته ان لم اقل كلها، لان التشريع سوف لا يكون صحيحا اذا غابت الرقابة، فالتشريع والرقابة، برايي، جناجان لا يطير مجلس النواب الا بهما معا، اما اذا جرب ان يطير بواحد منهما فسيسقط حتما.

ثالثا: لقد ثبت لي شخصيا ان مشكلة العراق الاولى تكمن في انعدام (الامانة) عند من يتصدى للمسؤولية، اما الكفاءة والخبرة والتجربة وغير ذلك فامور تاتي في الدرجة الثانية، والا، الم يتصد للكثير من الوزارات السابقة وزراء يحملون اعلى الشهادات والاختصاصات؟ فلماذا فشلوا اذن؟.

ان الامانة هي العنصر الاهم في المنظومة المطلوبة لتحقيق النجاح، فماذا ينفعنا الوزير الحاصل على اعلى الشهادات اذا كان لصا محترفا؟ وماذا ينفعنا الوزير صاحب الخبرة المتراكمة اذا كان مرتشيا؟ وماذا ينفعنا الوزير الكفوء اذا كان فاسدا اداريا وماليا؟.

ان كل تجارب النجاح اثبتت ان اول صفة يجب ان نبحث عنها في المسؤول هي (الامانة) ثم بقية الصفات المطلوبة لكل موقع من مواقع الدولة، فالامانة هي القاسم المشترك الذي يجب ان يجتمع عليه كل المسؤولين، وهو القاسم المشترك الذي تجتمع وتتراكم عنده النجاحات، فبالامانة يمكن ان يعوض المسؤول عن اي نقص آخر في شخصيته، اما اذا فقد المسؤول صفة الامانة فان اية صفة اخرى لا يمكن ان تعوضها ابدا.

ولذلك، فليس غريبا ان تصف قريش، الجاهلية والظالمة والكافرة التي تعبد الاصنام، رسول الله (ص) بالامانة، وذلك قبل البعثة النبوية الشريفة، فتسميه بالصادق الامين، فكانت تلجا اليه لحل مشاكلها، وتلوذ به للفصل في نزاعاتها، وتثق بحلوله وتتمسك بقوله وكل ذلك لما يتميز به من (امانة) وهو بعد في ريعان الشباب وفي قريش من الكهول والشيوخ الكثير.

وفي القران الكريم تتحدث آياته عن ثلاث تجارب في النجاح كان عمادها الامانة اولا، الاولى هي قصة موسى عليه السلام بقوله {قالت احداهما يا ابت استاجره ان خير من استاجرت القوي الامين} والثانية هي قصة نبي الله يوسف عليه السلام في قوله {قال اجعلني على خزائن الارض اني حفيظ عليم} و{وقال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي فلما كلمه قال انك اليوم لدينا مكين امين} اما الثالثة فهي قصة نبي الله سليمان بقوله {قال عفريت من الجن انا اتيك به قبل ان تقوم من مقامك واني عليه لقوي امين}.

اما عن رسول الله (ص) فان القران الكريم يكرر صفة (الامانة) فيه مرات عديدة لتوكيدها ولتنبيه الناس الى مدى اهمية هذه الصفة في تحقيق النجاح، سواء في تبليغ الرسالة او في تحقيق مصالح الناس، كما في قوله عز وجل {اني لكم رسول امين} كما ان (الامانة) هي الصفة الابرز في الملاك الذي نقل الوحي من الله تعالى الى نبيه ليبلغه عباده، فقال تعالى {نزل به الروح الامين}.

لماذا؟.

لان اول ما يغلب، بضم الياء، عليه المسؤولون هو الخيانة، فاذا احس الناس ان المسؤول ليس امينا وانه يخونهم فانه سيفقد مصداقيته عندهم، ما يدفعهم الى التشكيك في كل ما يقوله ويفعله ويدعيه، حتى اذا حلف باغلظ الايمان، الامر الذي سيدفعه الى الفشل دفعا.

وبالمناسبة، فان الامانة والصدق توءمان سياميان لا ينفصلان، فالصادق امين، والعكس هو الصحيح، فالامين صادق وصدوق، وبالصدق والامانة يكسب المسؤول ثقة الناس، والى هذا المعنى اشار امير المؤمنين عيله السلام بقوله {الكذاب والميت سواء، لان فضيلة الحي على الميت الثقة به، فاذا لم يوثق بكلامه فقد بطلت حياته} لماذا؟ يجيب عليه السلام بقوله {لا سوأة اسوا من الكذب} و {الكذاب يخيف نفسه وهو آمن} و {ان من عدم الصدق في منطقه فقد فجع باكرم اخلاقه} ولكل ذلك كان عليه السلام يوصي بالصدق على اية حال، فيقول عليه السلام {عليك بالصدق في جميع امورك} لانه {ما السيف الصارم في كف الشجاع باعز له من الصدق}.

ان على المسؤولين ان يشنوا حملة واسعة ضد الكذب، ابتداءا من انفسهم، ليشيعوا الصدق الذي سينتج الثقة المتبادلة، والا فان مصداقيتهم في خطر عظيم.

ان انتشار الكذب على السن المسؤولين اشاع جوا من عدم الثقة، وسوء الظن، ولذلك فاننا اليوم بامس الحاجة الى استبدال هذا الجو الموبوء بالكذب وانعدام الثقة بجو آخر ملؤه الصدق والمصداقية والثقة المتبادلة، وليس في الامر غرابة او شذوذ، فلقد قال امير المؤمنين عليه السلام {من وضع نفسه موضع التهمة فلا يلومن من اساء به الظن }.

يقول امير المؤمنين عليه السلام {يوشك ان يفقد الناس ثلاثا، درهما حلالا، ولسانا صادقا، واخا يستراح اليه} والعياذ بالله.

ولكثرة ما سمع العراقيون من المسؤولين وقادة الكتل والاحزاب، من قصص اللصوصية والرشاوى والفساد المالي والاداري بمختلف اشكاله، ممزوجة بالكذب على رؤوس الاشهاد، لذلك فان مصداقيتهم اهتزت بدرجة كبيرة جدا، ما صنع فجوة واسعة بينهم وبين الشارع العراقي، ولذلك فان على الحكومة الجديدة ان تبذل قصارى جهدها من اجل اعادة مد جسور الثقة بينها وبين المواطنين، والا فان اتساع فجوة الشك والريبة بينها وبينهم، سوف لا يساعدها على تحقيق برنامجها الحكومي ابدا، كما ان ذلك سيقلل من فرص نجاح الديمقراطية في العراق الجديد، لان اتساع هذه الفجوة سيدفع بالناس الى الاحجام عن المشاركة في الانتخابات القادمة، ما يضعف مصداقية صندوق الاقتراع.

تاسيسا على ذلك، فانا ارى ان اول خطوة يجب ان يتخذها مجلس النواب وكذلك الحكومة الجديدة، هو تاسيس لجنة مختصة لملاحقة المفسدين، من اجل انزال اشد العقاب بحقهم، والعمل على اعادة كل الحقوق الى نصابها، خاصة المال العام الذي يجب ان تسترده الحكومة من كل من سرق واعتدى عليه، وعلى وجه الخصوص اولئك اللصوص الذين سرقوا اللقمة من افواه الاطفال وذوي الدخل المحدود، ولا يقولن احد ان (ما فات مات) ابدا، فلقد قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام في اول خطاب له بعيد توليه الخلافة ببيعة عامة {الا وان كل قطعة اقطعها عثمان، وكل مال اعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال، فان الحق لا يبطله شئ، ولو وجدته قد تزوج به النساء وملك به الاماء وفرق في البلدان لرددته، فان في العدل سعة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه اضيق} فالحق لا يسقط بالتقادم، والمال المسروق لا يضيع بمرور الايام، خاصة اذا كان اللصوص لازالوا على قيد الحياة، وما اكثرهم في العراق الجديد.

ان مثل هذا القرار سيطمئن الشارع العراقي على حقوقه وعلى المال العام، وسيساهم في ترميم الثقة بينه وبين المسؤولين، وسوف لن يتصور العراقيون بان هؤلاء المسؤولين، كمن سبقهم، همهم الدينار والدرهم، تسنموا مواقعهم من اجل تحقيق الاثراء الحرام من المال العام، ومداراة اقاربهم وعشائرهم واحزابهم وترضيتهم بتوزيع المناصب عليهم.

كما ان مثل هذه الخطوة ستثبت للعراقيين بان اللص ليس بامكانه ان يفلت من العدالة مهما كان اسمه وعنوانه وعشيرته وحزبه وزيه وموقعه.

انها خطوة ستثبت للعراقيين بان الحكومة الجديدة لا تصانع احدا ولا تضارع حزبا ولا تتبع المطامع، ولذلك فهي تستحق الثقة والدعم لتنفيذ برنامجها الحكومي.

ثم تواصل هذه اللجنة عملها بكل جد ومثابرة من اجل مراقبة المسؤولين لتضع يدها على المفسدين واللصوص لحظة السرقة، فلا تاخذها في الله لومة لائم ولا تخشى الا الله في عملها، ويستحسن ان يتشكل ديوان يحمل اسم (ديوان المظالم) مهمته ملاحقة المال العام لاعادته الى الخزينة.

ومن مهام هذا الديوان هو انصاف المظلومين الذين تجاوز فساد المسؤولين عليهم، ليس في سرقة اموالهم ولقمة عيشهم فقط، وانما كل من ظلمه مسؤول بسبب الفساد الاداري، فابعده عن المكان المناسب وقدم آخر غير مناسب بدلا عنه، اما بسبب رشوة استلمها او واسطة تقدم بها او بمحاصصة مذهبية او اثنية او سياسية او حزبية، او ان فرصة فاتته بسبب فساد المسؤول الذي منحها قريبه واضاعها عليه، او انه ظلم عن حقه بسبب الروتين والبيروقراطية القاتلة، ان كل امثال هؤلاء يجب ان تنصفهم الحكومة الجديدة، سواء كانوا في العراق او خارجه، فلكل عراقي حق في هذا البلد، ليشعر العراقيون بان حكومة جديدة بالفعل قد تشكلت ليس بالاسم والشخوص فقط وانما بالمنهجية والبرنامج والفعل قبل القول.

لقد ظلم عراقيون كثيرون خلال السنوات التي اعقبت سقوط الصنم، ولقد حان الوقت لانصافهم، فليس هناك اي داع او مبرر لبقائهم مظلومين، وصدق امير المؤمنين عليه السلام عندما قال {وليس شئ ادعى الى تغيير نعمة من الله وتعجيل نقمته من اقامة على ظلم، فان الله سميع دعوة المظطهدين، وهو بالظالمين بالمرصاد}.

ان تشكيل لجنة خاصة لهذا الغرض تاخذ على عاتقها البحث عن كل مظلوم، في داخل العراق وخارجه، ولاي سبب كان، لانصافه واعادة حقوقه كاملة، امر في غاية الاهمية، فلقد صرف السياسيون وقادة الكتل والاحزاب اكثر من عشرة اشهر يوزعون (الحقوق) على انفسهم وفيما بينهم، فلقد حان الوقت اليوم ليصرف هؤلاء معشار الوقت الذي صرفوه على تقاسم الكعكة على انفسهم، لانصاف المظلومين من الناخبين الذين لولاهم لما وصل احدهم الى موقع المسؤولية الذي هو فيه.

ان على الحكومة الجديدة ان تبحث هي عن المظلومين، فان فيهم الكثير ممن لم يتمكن من الوصول الى المسؤول لعرض ظلامته، اما بسبب تعففه او بسبب حواشي المسؤولين وبعض جلاوزتهم الذين لا يتمكن المظلوم من اقتحام عيونهم وتحطيم اسوارهم للوصول الى غايته.

يقول امير المؤمنين عليه السلام:

واجعل لذوي الحاجات منك قسما تفرغ لهم فيه شخصك، وتجلس لهم مجلسا عاما فتتواضع فيه لله الذي خلقك، وتقعد عنهم جندك واعوانك من احراسك وشرطك، حتى يكلمك متكلمهم غير متعتع، فاني سمعت رسول الله (ص) يقول في غير موطن {لن تقدس امة لا يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير متعتع} ثم احتمل الخرق منهم والعي، ونح عنهم الضيق والانف يبسط الله عليك بذلك اكناف رحمته، ويوجب لك ثواب طاعته، واعط ما اعطيت هنيئا، وامنع في اجمال واعذار}.

ان امور البلاد لا تستقيم اذا اكتفى هؤلاء بارضاء انفسهم فقط، وانما ستستقر الامور بانصاف العامة من الناس وليس الخاصة، ولقد اشار امير المؤمنين عليه السلام الى هذه الحقيقة في عهده الى مالك الاشتر بقوله {وليكن احب الامور اليك اوسطها في الحق، واعمها في العدل، واجمعها لرضى الرعية، فان سخط العامة يجحف برضى العامة، وان سخط الخاصة يغتفر مع رضى العامة، وليس احد من الرعية اثقل على الوالي مؤونة في الرخاء، واقل معونة له في البلاء، واكره للانصاف، واسال بالالحاف، واقل شكرا عند الاعطاء، وابطا عذرا عند المنع، واضعف صبرا عند ملمات الدهر من اهل الخاصة، وانما عماد الدين، وجماع المسلمين، والعدة على الاعداء، العامة من الامة، فليكن صغوك لهم، وميلك معهم}.

رابعا: واخيرا، فان الحكومة الجديدة بحاجة الى بذل كل ما في وسعاها من اجل تفعيل دور المستشارين في كل مفاصلها.

ان الوزير قائد في موقعه، مهمته الاولى ادارة الوزارة في عملية توازن دقيقة بين الواقع والطموح من المشاريع من جهة، وبين ما هو متاح من الاموال المرصودة من الميزانية العامة للدولة من جهة اخرى، من اجل التقليل من العبء الذي يتحمله كاهل المواطن، ومن اجل النهوض بالواقع الى مستويات افضل واحسن، وكل هذا لا يمكن ان يضطلع بمسؤوليته الوزير لوحده، بل ان عليه ان يعتمد على مستشارين مهمتهم الوحيدة هو تقديم الدراسات اللازمة والافكار الخلاقة لكل مشروع تنوي الوزارة تنفيذه.

ان مهمة الوزير ادارية وقيادية وليست تنفيذية، ولذلك فهو بحاجة مستمرة الى الافكار الجديدة التي تساعده على التطوير والتحسين، ولا يكون ذلك الا بالمستشارين الذين يقدمون مثل هذه الافكار بشكل مستمر وبلا انقطاع، ولذلك قيل (قل لي من هم مستشاروك، اقل لك من انت) لان المسؤول بمستشاريه، ليس فقط الوزير ، وانما عضو مجلس النواب كذلك، وكل مسؤول آخر في الدولة.

ان مشكلة القائد في موقعه تبدا عندما يفقد الرؤية، فيخطط وينفذ بلا رؤية، فكيف للقائد ان يحصل عليها؟.

ان الرؤية عملية مهمة جدا لتحقيق النجاح، وهي لا يحصل عليها من هو في خضم العمل اليومي بتفاصيله التي تستنزف جهده الفكري وطاقته البدنية، وهنا ياتي دور المستشار الذي يمكنه افضل من غيره ان يرى الصورة بشكل اشمل، فهو لا يكتفي بالنظر الى جانب منها دون الجوانب الاخرى، وانما ينظر الى اللوحة بكامل ابعادها وبكل تفاصيلها، ولذلك نرى مثلا هنا في الولايات المتحدة ان المسؤول في موقع السلطة، بمن فيهم الرئيس الاميركي، يعتمد كثيرا جدا على استشارات مراكز الابحاث والدراسات التي تقدم استشاراتها بشكل مستمر، لانها ترى الصورة افضل حتى من الرئيس نفسه الذي ينغمس عادة في جزئيات العمل اليومي ما يفقده القدرة على النظر الى الصورة بشكل شامل لتحديد الرؤية المطلوبة.

هنا اود ان اشير الى نقطة في غاية الاهمية، الا وهي:

ان في العراقيين الكثير جدا من العقول والخبرات والكفاءات، سواء في داخل العراق او خارجه، الا ان ابتلاء العراق الجديد بمبدا المحاصصة ضيع الكثير جدا من الفرص عليه للاستفادة من هذه الخبرات، كما انه اضاع الفرص امام هذه الخبرات لخدمة البلد وشعبه، ولذلك فانني ارى ان يصار الى تشكيل لجنة خاصة مرتبطة بشكل مباشر بالسيد رئيس الوزراء مهمتها البحث عن الخبرات والكفاءات والاستفادة منهم كمستشارين، كل واختصاصه، وليس بالضرورة ان يطلب، بضم الياء، منهم الاقامة في العراق، فلقد اتاحت لنا التكنولوجيا الحديثة مختلف الطرق والوسائل السريعة والسهلة والبسيطة للتواصل مع مثل هذه الخبرات من اجل تقديم افضل الاستشارات للنهوض بالعراق الذي ينتظر الكثير جدا من الافكار الخلاقة والجهود لتحقيق النجاحات المطلوبة.

ان مهمة هذه اللجنة المختصة صناعة شبكة واسعة من المستشارين تنتشر في كل بقاع العالم، بدءا من العراق، لجمع وتحليل الافكار التي يقدمها المستشارون المرتبطون في هذه الشبكة.

اما المعايير التي يلزم ان تعتمدها هذه اللجنة في اختيار المستشارين، اللذين قد يدخلوا مستقبلا في الجهاز التنفيذي، فهي:

اولا؛ معيار الانتاج، واقصد به انتاج الافكار الصحيحة والسليمة.

يقول امير المؤمنين عليه السلام {ثم اعرف لكل امرء منهم ما ابلى، ولا تضمن بلاء امرئ الى غيره، ولا تقصرن به دون غاية بلائه، ولا يدعونك شرف امرئ الى ان تعظم من بلائه ما كان صغيرا، ولا ضعة امرئ الى ان تستصغر من بلائه ما كان عظيما} اي، وبعبارة اخرى (لا تنظر الى من قال، وانظر الى ما قال) ويقول عليه السلام {لا تقبلن في استعمال عمالك وامرائك شفاعة الا شفاعة الكفاية والامانة}.

ثانيا؛ معيار الاختبار، اي اختبار الافكار التي ينتجها المستشار، وما اذا ثبت بمرور الزمن صحتها من سقمها، فلقد قال امير المؤمنين عليه السلام {من فسدت بطانته كان كمن غص بالماء، فانه لو غص بغيره لاساغ الماء غصته}.

ويقول عليه السلام {ثم انظر في امور عمالك فاستعملهم اختبارا، ولا تولهم محاباة واثرة، فانهما جماع من شعب الجور والخيانة، وتوخ منهم اهل التجربة والحياء}.

هذا من جانب، ومن جانب آخر، فان على كل مسؤول في العراق، بدءا من الرئاسات الثلاثة فنازلا، ان يتعلموا فن الاصغاء ويروضوا انفسهم على الاستماع لهؤلاء المستشارين، كما ان عليهم ان يهتموا اكثر فاكثر بالقراءة ليطلعوا على ما تكتبه الخبرات العراقية في الصحف والمجلات البحثية ومواقع الانترنيت، ولعل هذا الامر بحاجة الى ان يوظف كل مسؤول عنصرا بجانبه مهمته متابعة ما يكتبه الخبراء وتلخيص الافكار الجيدة والمقترحات العملية والمقترحات المهمة لتقديم الملخص الى المسؤول للاطلاع عليها، فاذا وجد فيها ما يساهم في تطوير مشروع او حل معضلة، يحوله الى الجهة المختصة لدراسته واتخاذ اللازم للاستفادة منه، من اجل ان لا يهمل المسؤول فكرة خلاقة او رايا سليما.

20 كانون الاول 2010

الأحد، كانون الأول ١٩، ٢٠١٠

أرواحنا سواتر دون عودة البعث من جديد

بيان الحركة الشعبية لاجتثاث البعث في العراق

في سابقة خطيرة تنبئ بانهيار الديموقراطية في العراق وترجيح كفة الإرادة السياسية بضيق أفقها المصلحي والأناني على كفة الحالة الدستورية والقانونية التي يفترض أن تسود الحراك النيابي والحكومي في العراق ينبري أعضاء من مجلس النواب للتصويت على قرار رفع الحظر عن ثلاثة من قيادات القائمة العراقية المشمولين بالمساءلة والعدالة هذا اليوم والذين سبق وأن وجهت إليهم هيئة دستورية وشرعية منبثقة عن البرلمان العراقي بموجب الدستور تهمة الترويج لافكار الحزب الذي ملا العراق بالمقابر الجماعية وأنشا على أراضيه أكبر شريحة بشرية من الأيتام والارامل والثواكل، ألا وهو حزب البعث الصدامي الممنوع وفق الدستور العراقي من النشاط والإشتراك في العمل السياسي لكونه حزبا إجراميا بأمتياز.

أن تصويت البرلمان العراقي اليوم على رفع حالة الحظر عن الأشخاص الثلاثة صالح المطلك وظافر العاني وعبد الستار الكربولي يعتبر قفزا صارخا على إرادة المواطن الذي صوت على الدستور والذي أوصل السياسيين الى مقاعد البرلمان الحالي للدفاع أن مصالحه وتمثيل أمانيه وتطلعاته والإرتفاع بمستوى ازدهاره وليس لإعادة البعثيين الى دفةالحكم تدريجيا ليعودوا بالعراق نكوصا الى عهد الديكتاتورية.ان ما حدث هذا اليوم يشكل خيبة أمل لا نظير لها للشعب العراقي ومثار ندم عارم على هبّـته في الثورة البنفسجية الخالدة .ان الاعضاء الذين حرصوا على ممارسة حقهم الدستوري في رفض التصويت على هذا القرار المجحف بأن يتمتعوا بالقدر الكافي من المسؤولية الوطنية والمبادرة برفع الدعاوى القضائية ضد الذين يجرجرون البعث الى داخل العملية السياسية التي بنيت بدماء وأشلاء ضحايا البعث أنفسهم للحيلولة دون تطبيع القرار وأفراغه من محتواه ورد كيد الكائدين الى نحورهم .إن القضاء العراقي النزيه وغير المنحاز قادر على اعادة الحق لأصحابه ومعاقبة كل من تسبب في عودة البعث للواجهة السياسية سواء من النواب أو من الحكومة على السواء.لذلك فإن الحركة الشعبية لاجتثاث البعث في العراق تحذر الذين انبطحوا أمام ارادة البعث للعودة الى الساحة السياسية وتقديم التنازلات تلو التنازلات الى ممثليهم في القائمة العراقية وغيرها مقابل ثمن بخس اسمه الكرسي الذي لو دام لغيرك لما وصل إليك ..كما تستنكر الحركة هذا الألتفاف السافر على الدستور العراقي وإذابة هيبته وقوته القانونية واختزاله في صفقات التوافق المصلحية ومعالجة الأشكاليات التي هي من اختصاص القضاء وهيئاته الدستورية بطريقة الترضيات السمجة والإرضاءات الشاذة واذا استمر التداعي والانبطاح امام ارادات القوائم المروجة لعودة البعث والاستخفاف المريع بالقانون في العراق فأن الشعب لن يسكت وسوف يكون له الموقف المناسب حينئذ.


نحن أمة لا تنسى شهداءها .. اجتثاث البعث رسالتنا الى الإنسانية

الحركة الشعبية لاجتثاث البعث في العراق

بغداد 18 كانون الاول 2010


الخميس، كانون الأول ١٦، ٢٠١٠

السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى اولاد الحسين وعلى اصحاب الحسين

السلام عليك يا ابن رسول الله ، السلام عليك يا ابن خاتم النبيين ، السلام عليك يا ابن فاطمة سيدة نساء العالمين ، السلام عليك يا ابن أمير المؤمنين ، السلام عليك أيها المظلوم الشهيد . بأبي أنت وأمي ، عشت سعيداً ، وقتلت مظلوماً شهيداً .

لعن الله أمة قتلتك ، ولعن الله أمة ظلمتك ، ولعن الله أمة سمعت بذلك فرضيت به . السلام عليك يا ولي الله وابن وليه ، لقد عظمت الرزية وجلت المصيبة بك علينا وعلى جميع المؤمنين ، فلعن الله أمة قتلتك وابرء الى الله اليك منهم في الدنيـا والآخـرة .

الثلاثاء، كانون الأول ١٤، ٢٠١٠

(بغداديات) .. ايها الحسينيون: ( حباُ بالحسين , لا تشوّهوا ثورة الحسين-ع)

بتوقيع : بهلول الكظماوي



بسم الله الرحمن الرحيم


قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى و فرادى و تتفكّروا ما بصاحبكم من جنّة , ان هو الاّ نذير لكم بين يدي عذاب شديد. صدق الله العلي العظيم . سبأ آية 46

الآية الكريمة أعلاه تدعوا إلى تحرر الشخص من العقل الجمعي بأن يتجرّد للتفكير بمفرده او بمعيّة شخص ثان لا اكثر لغرض التقابل بالمحاكمات العقلية و حتى يصدق عليه معنى التجرد و التحرر من الجو العام للفكر الراكد الذي يدور بدوامة الحلقة المفرغة .
يطلق مصطلح ( العقل الجمعي ) على حالة عامة يمتاز بها المجتمع في تفكيره و سلوكه نتيجة تراكمات فكرية راكدة امتاز بها هذا المجتمع , أو قد يكون ورثها من أسلافه ( هذا ما وجدنا عليه آبائنا ) أو اكتسبها من مجتمعات اخرى احتك بها و تطبّع بطباعها .
و غالباً ما تترابط هذه الحالة ( العقل الجمعي ) بحالة اخرى يطلق عليها ( نظام القطيع ) التي تتّسم و تمتاز بتقليد من يتجرّأ و يبادر إلى عمل ما فيتبعه الآخرون بدون تمحيص أو تفكير أو إدراك لما يقومون به,و هي حالة من الاتكالية و وضع المسؤولية على المبادر, و لا مبالاة بخواتم الأمور و العواقب التي تتبع اثر أفعالهم .
وربما تقود الاتكالية إلى الادعاء بغياب المبادر ( القائد ) المتذرّع به , وان حصلت المبادرة فسنرى الاتكاليين يتذرعون بشتّى الأعذار للتنصل من دعمه فضلاً عن الانقياد إليه :
( إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله , قال هل عسيتم أن كتب عليكم القتال الاّ تقاتلوا , قالوا و ما لنا الاّ نقاتل\في سبيل الله و قد اخرجنا من ديارنا و أبنائنا , فلما كتب عليهم القتال تولّوا الاّ قليلاً منهم و الله عليم بالظالمين ) سورة البقرة, آية 246 .
و لهذا بين الفينة و الأخرى نجد الكثير من الحركات المهدوية ترجئ أي عمل لتغيير المجتمعات نحو الأحسن , ترجئه إلى ظهور الأمام المهدي (ع) بدون أن تحسب أن للمهدي موطّؤن لسلطانه قبل ظهوره ,ويمهدون له انصاره الارضية قبل مقدمه .
و مثلما هي الاتكالية في المبادرة على الاخرين , كذلك هي الاتكالية و التثاقل في البحث و التمحيص عن الاصلح و الاجدى و الاستعاضة عن عناء البحث بالاستماع الى نصح الاخرين و دعاياتهم حتى بدون الاطمئنان الى صدق و امانة هؤلاء الناصحين فيما اذا كانوا ينصحون و ينقلون المعلومة ويوصلوها بامانة ام لأغراض و مصالح فئوية و منافع شخصية .

من خطاب امامنا الحسين (ع) في توضيح اسباب ثورته يقول (ع) :
اني ارى الناس عبيد الدنيا , والدين لعق على السنتهم , يحوطونه حيث ما درّت معائشهم , فمتى ما محّصوا بالبلاء قل الديّانون .
والحسين هو سليل الامام علي ( ع ) .

علي الذي حطم بيديه الشريفة اصنام الكعبة , فكان المبادر الاول الذي لم يتجرأ احد من قبله على الاساءة الى آلهة الجاهلية , وعلي هو من رأس اول فوج تعليمي و اشرف على اول مدرسة لمحو الامية في صدر الاسلام الاول , فكان الاسير يعلم عشرة من المسلمين مقابل شراء حريته و اطلاق سراحه من الاسر .
واليوم نحن ابناء تلك الحضارة العظيمة و الرسالة السمحاء التي جاءت لتخرج الناس من عبادة الاصنام والاوثان و اخراج البشرية من الظلمات الى النور و نمتلك هذا التراث العظيم لاهل بيت رسول الرحمة ,اليس حري بنا ان نمتثل للرسالة الداعية الى طلب العلم من المهد الى اللحد ؟
فوالله لو تواجد الحسين (ع) بجسمه بين ظهرانينا اليوم لحث ابناءنا على طلب العلم الذي هو فريضة على كل مؤمن و مؤمنه و لو كان بالصين (أي في اقاصي الدنيا )!
اليس الاحرى بنا أن نحث ابناءنا على التحصيل العلمي و الدراسات العليا بدل من اشاعة الخرافات و العادات و البدع الضارة المسيئة لمذهب اهل البيت (ع) حتى صرنا موضع للسخرية و التهكم من قبل الوهابية و السلفية و تنظيمات آل سعود و الدوائر الاستكبارية العالمية التي تريد بنا شرا .
انظروا اعزائي القراء الكرام الى ما تكتبه صفحاتهم الالكترنية و ما ينشرونه على موقع اليوتيوب و امثاله من مشاهد مقززة من التطبير و الدماء و خصوصاً تطبير الاطفال و التشهير و الاستخفاف بمذهب اهل البيت (ع) !
اين هم خلفاء الشهيد المهندس عارف البصري ( رح ) الذي كان يشجع دارسي العلوم الحديثة و طلبة الجامعات و طلبة الدراسات العليا ؟
اين هم من خلفوا الشهيد السعيد جواد الزبيدي الذي كان يرعى المواهب العلمية و الطاقات الشبابية ؟
اين فينا روح الاب والمعلم الاكبرالسيد مرتضى العسكري في تأسيسه لمدارس منتدى النشر بالكاظمية و لمدارس الامام الجواد و كلية اصول الدين في الكرادة
و جمعية الصندوق الخيري الراعية للمستوصفات الطبية الشعبية في الكاظمية , واين منا عمله العملاق في تأسيس اكثر من مائة مكتبة في الكثير من المحافضات والقرى و الارياف و القصبات العراقية تحت اسم مرجعية السيد محسن الحكيم ( رح ) بغية نشر العلوم و المعارف و محاربة الجهل و الخرافة بين ابناء الشعب العراقي و سد العجز و النقص للدولة العراقية في هذاالمضمار .
اعزائي القراء الكرام:
اميركا المجرمة عدوة الشعوب الحرة وراعيه لكل الدكتاتوريات و الحركات الهدامة بالعالم , وليست اولها أو آخرها دكتاتورية صدام و حزبه و حركة طالبان الارهابية الامريكية المنشأ اضافة للحركات الوهابية الضارة بمنطقتنا.

اميركا هذه مع كل ما فيها من تسلّط و استكبار و غطرسة و جبروت , احسّت بان العالم بدأ يلفظها اذ باتت مكروهة من كل سكان المعمورة , و بذلك لاول مرة في كل تاريخها الطويل المملوء بالعنجهية و الغطرسة و استعباد الشعوب , باتت اليوم عازمة على طوي صفحة اعتداءآتها و اعمالها الاجرامية والعدائية ضد كل بشرية العالم , واتجهت للاصلاح عسى ان تبقي على مصالحها التي باتت مهددة من كل شعوب العالم الحر , فهاهو التغيير الاصلاحي ظاهر للعيان يطال السياسة الامريكية رغم انف يمينها المتصهين , وما بين مصدق و غير مصدق بدأ الاصلاح بقيادة رئيسها المنتخب الجديد باراك اوبا ( الاسود من اصول افريقة اسلامية, على خلاف قاعدة شروط -قاعدة وسب-أي الدبور الحمر), أو هكذا يظهرون للعالم عسى وان يذرّوا الرماد في العيون للتغطية على جرائمهم, ولربما تسريبات ويكي لكس ( للضحية جوليان اسانج )تصب في ان اميركا لا يزال فيها من يتصدى لاظهار الحقيقة رغم تجذيفهم بعكس التيار.
ولكن هل يرعوي المتاجرون بالدين في منطقتنا و يستفيقوا قبل فوات الاوان والقرآن الكريم يهتف بهم : لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم .
و الرسول الكريم (ص) يتبرّأ من (الغشاشين) المتاجرين بالدين بقوله : من غشّنا ليس منّا .
و هذا علي (ع) يقول للذين يعظون الناس و يمطرونهم بالتوجيهات و التعاليم و النصائح لاغراض براغماتية نفعية , يقول لهم : ميدانكم الاول انفسكم فان قدرتم عليها كنتم على غيرها اقدر .
عزيزي القارئ الكريم :
فيما يلي ادناه مناظر و مشاهد بشعة تقشعر لها الابدان , وهي من ضمن ما يروجه المتاجرون في الدين و يشيعوا الخرافة والبدع الضالة المضلة ليسيطروا بها على الشباب الشيعي بغية اهداف نفعية , وانا حينما اسجلها هنا نقلا عن وكالة رويتر الذي استقت منها المعلومات الصفحة الالكترونية الايرانية مستميحاً العذر منكم لما اسببه من الم من رؤية هذه المناظر المقززة و المنفرة هادفاً القضاء عليها و الاستعاضة عنها باشاعة العلوم و المعارف العصرية و تثقيف شبابنا المسلم و توعيته , علماً ان الاطراف الاخرى مثل اخوتنا ابناء المذهب السني هم ايضاً مبتلون ببدع ضالة مضلة مثل الدرباشة واكل النارواكل الزجاج و الضرب بالسيف على البطن و الخاصرة و دق الخناجربالرأس وادخال المخايط في الانف و الخد ...الخ هي ايضاً تؤلمنا تماماً مثل ما يؤلمنا الخرافة عند البعض من اتباع المذهب الشيعي بدون فرق و نأمل منهم كأخوة مسلمين مثلنا أن يهبوا لتصحيحها هم ايضاً, و لا يفوتني ان اذكر ان عادات التطبير عند الهندوس في الهند و حتى الفلبين و عادات المسيحيين الارثوثوكس في اليونان و المكسيك هي اقدم من عاداتنا في البدع و الخرافات و نأمل لهم ايضاً بتصحيحها تنزيهاً للانسانية و رأفتاً بالآدمية.





و فيما يلي فتاوي الفقهاء و المراجع الشيعية في بطلان هذه العادات و البدع الضالة
فإليكم بعض آراء هؤلاء المراجع الشيعية العليا في جلد الذات وإدمائه الرأس..الخ

عزيزي القارئ الكريم :
بعد قرائتك لآراء المراجع العظام ادناه , ارجوا منك ان تبيّن رأيك بصراحة .... هل ستقول لمراجعنا معكم معكم ...... ام ستكون مع الطرف الآخر ( اي مع الدجالين والمحتالين المتاجرين بالدين و الوطن و بالطاقات الشبابية) لا سمح الله....؟


1 -آية الله العظمى السيد محسن الحكيم : [ إن هذه الممارسات ( التطبير ) ليست فقط مجرد ممارسات... هي ليست من الدين وليست من الأمور المستحبة بل هذه الممارسات أيضا مضرة بالمسلمين وفي فهم الإسلام الأصيل وفي فهم أهل البيت عليهم السلام ولم أرى أي من العلماء عندما راجعت النصوص والفتاوى يقول بان هذا العمل مستحب يمكن إن تقترب به إلى الله سبحانه وتعالى أن قضية التطبير هي غصة في حلقومنا ].

2 -آية الله العظمى السيد أبو القاسم الخوئي : في رد على سؤاله حول إدماء الرأس وما شاكل يقول : [ لم يرد نص بشرعيته فلا طريق إلى الحكم باستحبابه ]. المسائل الشرعية ج2 ص 337ط دار الزهراء بيروت.


3 -آية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر في جوابه لسؤال الدكتور التيجاني حين زاره في النجف الأشرف : [ إن ما تراه من ضرب الأجسام وإسالة الدماء هو من فعل عوام الناس وجهالهم ولا يفعل ذلك أي واحد من العلماء بل هم دائبون على منعه وتحريمه ] كل الحلول عند آل الرسول

ص 150 الطبعة الأولى 1997م للتيجاني.

4 -آية الله العظمى السيد أبو الحسن الأصفهاني : [ إن استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق وما يجري اليوم من أمثالها في مواكب العزاء بيوم عاشوراء باسم الحزن على الحسين عليه السلام أما هو محرم وغير شرعي ] كتاب هكذا عرفتهم الجزء الأول لجعفر الخليلي

5 -آية الله الشيخ ناصر مكارم الشيرازي : [ على المؤمنين الأخوة والأخوات السعي إلى إقامة مراسم العزاء بإخلاص واجتناب الأمور المخالفة للشريعة الإسلامية وأوامر الأئمة عليهم السلام ويتركوا جميع الأعمال التي تكون وسيلة بيد الأعداء ضد الإسلام، إذ عليهم اجتناب التطبير وشد القفل وأمثال ذلك... ].

6 - آية الله العظمى السيد كاظم الحائري : [ إن تضمين الشعائر الحسينية لبعض الخرافات من أمثال التطبير يوجب وصم الإسلام والتشيع بالذات بوصمة الخرافات خاصة في هذه الأيام التي أصبح إعلام الكفر العالمي مسخرا لذلك ولهذا فممارسة أمثال هذه الخرافات باسم شعائر الحسين عليه السلام من أعظم المحرمات.

7 -آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله : [... كضرب الرأس بالسيف أو جرح الجسد أو حرقه حزنا على الإمام الحسين عليه السلام فإنه يحرم إيقاع النفس في أمثال ذلك الضرر حتى لو صار مألوفا أو مغلقا ببعض التقاليد الدينية التي لم يأمر بها الشرع ولم يرغب بها ] إحكام الشريعة ص247.

8 -آية الله الشيخ محمد مهدي الأصفهي : [ لقد دخلت في الشعائر الحسينية بعض الأعمال والطقوس فكان له دور سلبي في عطاء الثورة الحسينية وأصبحت مبعثا للاستخفاف بهذه الشعائر مثل ضرب القامات ].عن كيهان العربي 3 محرم 1410هـ.

9 -آية الله العظمى السيد محسن الأمين : [... كما أن ما يفعله جملة من الناس من جرح أنفسهم بالسيوف أو اللطم المؤدي إلى إيذاء البدن إنما هو من تسويلات الشيطان وتزيينه سوء الأعمال ] كتاب المجالس السنية الطبعة الثالثة ص7.

10 -آية الله محمد جواد مغنية : [... ما يفعله بعض عوام الشيعة في لبنان والعراق وإيران كلبس الأكفان وضرب الرؤوس والجباه بالسيوف في العاشر من المحرم أن هذه العادات المشينة بدعة في الدين والمذهب وقد أحدثها لأنفسهم أهل الجهالة دون أن يأذن بها إمام أو عالم كبير كما هو الشأن في كل دين ومذهب حيث توجد فيه عادات لا تقرها العقيدة التي ينتسبون إليها ويسكت عنها من يسكت خوف الإهانة والضرر ] كتاب تجارب محمد جواد مغنية.



11 -آية الله الدكتور مرتضى المطهري : [ إن التطبير والطبل عادات ومراسيم جاءتنا من ارثودوكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم ]. كتاب الجذب والدفع في شخصية الإمام علي عليه السلام.


وهناك أسماء كثيرة ضد ظاهرة التطبير ومنهم :
آية الله محمد باقر الناصري وآية الله السيد محمود الهاشمي وآية الله العظمى

الشيخ الآراكي

... والعديد من كبار العلماء.


عزيزي القارئ الكريم :

و قد قرأت جنابك للتو فتاوي و آراء اكابر فقهاء الشيعة و استأنست بآرائهم هذه , ارى انك قد تولدت لك القناعة في ان تضع يدك في ايدينا لمحاربة البدع الضالة و تنزيه الثورة الحسينية من الخرافة و التخلف التي الصقها بها المتاجرون في الدين, علماً اني كاتب هذه السطور قد اختصرت الموضوع و استغنيت لذكريات خاصة بي في مناقشة الثورة الحسينية مع صفوة الاصدقاء المقربين الى المرحوم والدي المتحرقين على سمعة الثورة الحسينية العطرة , تلك الثورة التحررية التي اصبحت منار لكل احرار العالم على مدى الاجيال , اذكرمنهم اضافة للعلامة الشيخ الوائلي ( رض ) المرحوم الدكتور احمد امين الكاظمي صاحب كتاب التكامل في الاسلام و الدكتور السيد علي الوردي حيث ايد الاثنان الآخران و وثقوا خبرتبرع السفارة البريطانية في سنوات 45 و سنة 46 و 47 للآف من الاكفان في العام الواحد من قماش الدوق الالماني الغالي الثمن على المطبرين في الكاظمية في وقت كان القماش الخام الاسمر الرديئ المسمى ( خام الشام) يندر الحصول عليه بسبب قلة التموين بعد انقضاء سني الحرب العالمية الثانية , و كذلك تبرع القنصلية الباكستانية في مدينة كربلاء المقدسة حينها بماءآت القامات و السيوف لمواكب التطبير رغم ان مذهب الدولة الباكستانية هو المذهب السني و ليس مذهب اهل البيت الشيعي اضافة لتأيييد الخبر من عميد مدينتنا المقدسة الشيخ الدكتور حسين علي محفوض الذي وافاه الاجل قبل سنة من الان .

وعليه لم يبق امامي الا ان اختصر وادعوك لسماع رأي استاذنا الكبير الذي تتلمذنا نحن الحسينيون على يده ( امير المنبر الحسيني الشيخ الدكتور احمد الوائلي رحمة الله على الرابط :

http://www.youtube.com/watch?v=3Ydee0yZ ... re=related


عزيزي القارئ الكريم :
اضم صوتي الى صوت الاخ الدكتور طالب الرماحي حيث وجه رسالته الى ولدنا الشاب السيد مقتدى الصدر , حسب الرابط التالي

http://thenewiraq.com/?p=1310

اما انا فلا اقتصرها على السيد مقتدى لوحده , بل اضيف اليها كافة بقية المراجع بدون استثناء, لاجل العمل على تحريم عادة التطبير الضارة بسمعة مذهب اهل بيت الرحمة (ع) في وقت نحن بحاجة الى تظافر الجهود و تجميع الطاقات لطلب العلوم و المعارف التي انحسرت عندنا في عراق المقدسات , العراق الذي كان اول من علم الناس الكتابة واول من سن القوانين و السنن , عراق الحضارات السبعة , عراق الانبياء و الائمة الاطهار , عراق الصالحينو المصلحين , عراق علي و الحسين و النعمان و الكيلاني, عراق التعايش السلمي بين كل الطوائف و الاديان و الاعراق , هذا التعايش المعول عليه ان يطرد الارهاب و الطامعين وان يرتقي بشعبنا الى مصاف الدول السعيدة التي تحترم مواطنيها بكل اطيافهم.


ودمتم لأخيكم : بهلول الكظماوي .

امستردام في 12-12-2010
E-mail:bhlool2@gmail.com

bhlool2@hotmail.com


السبت، كانون الأول ١١، ٢٠١٠

مهزلة أدباء الخمر والخلاعة

احمد البديري

لا زالت حملة اتحاد أدباء الخلاعة والخمور وجريدة المدى ذات التوجهات الشيوعية ومن التحق بركبهم الغارق في فوضى العبثية والثقافة الدونية متواصلة لجمع تواقيع زمر المتهتكين للمطالبة بحرية الفرد في ممارسة الدعارة والسكر والعربدة وممارسة جميع الرذائل والموبقات الهمجية والتي تعبر عن تحرر الفرد من جميع الصفات الإنسانية والقيم الدينية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية التي يتميز بها المجتمع العراقي عن جميع المجتمعات الإنسانية في كافة أنحاء المعمورة بالرغم من كل الكوارث والمآسي والفوضى التي شهدها تاريخ العراق المستباح وتعرض لها شعب بلاد الرافدين مرارا وتكرارا .
والحرية التي ينشدها ويتهافت ويتباكى عليها ذلك الجوق المتحرر من القيم تتعارض تماما مع الحرية التي أقرتها شرائع السماء ومخالفة للأنظمة والقوانين الوضعية لأنها لا تؤدي سوى إلى الفساد والانحراف والسقوط من جهة ومن ناحية اخرى فأنها سوف تكون سببا لشيوع الفوضى والانفلات في أنحاء البلاد وعدم الانضباط ذلك سيشكل تهديدا لأمن البلاد وقوانينها وقيمها الاجتماعية ولذلك فان مثل هذا التحرر يعتبر في أكثر البلدان العلمانية خطا احمر لا يسمح بانتهاكه أو نسفه فما بالك ببلد لا يزال في طور البناء والنهوض كما هو الوضع في العراق بالإضافة إلى الملفات الأخرى المعلقة والشائكة .

ولذلك يحذر علماء الغرب وفلاسفته من استغلال البعض لمفهوم الحرية بشكل خاطئ لإيجاد أنماط من الممارسات التي تهدد النظام الاجتماعي ووضعوا ضوابط وتعريفات واضحة لمصطلح الحرية وفي هذا السياق يقول الفيلسوف كانت : ( يجب أن تكن الحرية شرطا لإمكانية الواجب الأخلاقي ) ويتوسع آخرون في التشدد على مساحة الحرية وحدودها فيعلن مونتسيكو بصراحة أن ( الحرية هي الحق في القيام بكل ما تسمع به القوانين) وسواء قصد الرجل القوانين السماوية أو الوضعية فأن الحرية التي يطالب بها مسؤولي اتحاد أدباء المتحريين وإدارة جريدة المدى الشيوعية لا يمكن إدراجها وتصنيفها في خانة الحريات العامة أو الخاصة لأنها تنتهك تلك الحريات وتضرب بعرض الحائط القيم الأخلاقية والقوانين الاجتماعية .

لقد شهدت البلاد في مرحلة ما بعد سقوط نظام العفالقة فوضى عارمة واستيراد لمفاهيم تم استغلال عناوينها البراقة لنشر الإرهاب والفساد في أنحاء الدولة العراقية وبينما كانت الأجهزة الأمنية تتولى مهمة التصدي لمظاهر الإرهاب ومكافحة التطرف فكرا وسلوكا كان زمر المجون والخلاعة تقوم بنشر بؤر الفساد في أنحاء البلاد عموما وبغداد خصوصا والتي شهدت انتشار غير طبيعي في بعض مناطقها السكانية لحانات لخمور ودور الملاهي وهو ما أثار استياء السكان وتذمرهم وبالتالي التقدم إلى الأجهزة الأمنية بشكاوى عديدة لإنهاء مظاهر الابتذال العلني في شوارعها ويكفي تصور حجم الانتشار المخيف لمحال العربدة والخلاعة ارتفاع عدد الحانات والملاهي في بغداد من (50) في زمن حكم البعث إلى (500) في ظل حكم الأحزاب الإسلامية والفوضى العارمة ، والنسبة الأكبر من تلك البؤر لا تمتلك ولم تتحصل على الموافقات الأمنية والتراخيص الحكومية لفتح صالاتها الماجنة .
وتسبب إغلاق عدد من هذه البؤر إلى اشتعال فور الغضب والهيجان المنفلت من قبل أدباء ومثقفي الخلاعة والخمور في بغداد ليتداعوا تحت شعار يدل على جهلهم المركب بواقع المجتمع العراق وطبيعته المعتدلة ( بغداد لن تكون قندهار) في تجمعات خاوية وحملات لجمع التواقيع مطالبين الحكومة بوقف حملات إغلاق بؤر فسادهم وشذوذهم مطلقين العنان لإعلامهم المنفلت في إطلاق صيحاتهم الرعناء وتهديداتهم الجوفاء المعبرة عن مستوياتهم المتدنية أخلاقيا وثقافيا وشنوا حملة ضد مجلس محافظة بغداد ورئيسها صاحب القرار الشجاع ملصقين بشخصه شتى التهم والأوصاف ولا زالت جريدة المدى الخليعة تصدر صفحاتها للتباكي على مصير السكارى والمعربدين وتشن حملة تسقيط غير أخلاقية ضد الإسلام وشريعة الإسلام ورموز الإسلام وتياراته لوقفوهم بوجه رغباتهم الماجنة الخليعة .

إن الحرية الهدامة التي يتهافت على المناداة لها والتغني بها فخري كريم وجوقه وفاضل ثامر وشلله وبعض الشخصيات الكارتونية الهزيلة يدعو للسخرية والازدراء وتبعث على السخط من هذه المهازل التي تدعي الثقافة وتنتسب للأدب والأدباء وتفضح هذه المجموعة المتميزة بالشذوذ الأخلاقي والانحراف الاجتماعي والضلال الثقافي والعوز الأدبي ، ويبدوا انه تحول إلى جرثومة تسببت في هذيانهم وفقدان صوابهم إلى درجة عجزوا فيها عن كبح جماح شهواتهم ورغباتهم الحيوانية والصمود أمام إدمانهم المخزي فأخذوا يخلطون الحق بالباطل ويشرعون القوانين بالنيابة عن الدستور العراقي ما يتلائم مع إشباع رغباتهم واحتياجات شهواتهم المنحرفة .

لقد تناسوا إن مطالبهم الهزيلة والسخيفة والتي يحلمون من خلالها تحويل بغداد إلى ( لاس فيغاس ) تتحدى مشاعر المجتمع العراقي الذي يحتكم إلى منظومة اجتماعية وأخلاقية فضلا عن ارتباطها وانقيادها لإحكام الشريعة الإسلامية والتي تشكل الدين الرسمي لـ (98%) من نفوس شعبه بمختلف قومياته وطوائفه ورغم الاختلاف في النظرية وسوء التطبيق إلا إن التمسك بمعالم الشريعة ورموزها يبقى ديدن العراقيين وقانونا يجب احترامه ومراعاته وعدم الانقياد لرغبات النفس الجامحة لخلق حالة من الانتهاك السافر للشريعة وقوانينها والآداب الاجتماعية ومسالكها .

إن الترف والإفلاس الفكري والثقافي أصبح السمة الأبرز في الوسط المتخلف والجماعة المتحررة من القيم والتي تنسب نفسها عدوانا وظلما لأفاق الثقافة والأدب ولقد تحول المشهد الثقافي العراقي بفعل هؤلاء إلى مشهد يعاني من الفقر المدقع على صعيد النتاج الثقافي والفكري رغم المخزون الثقافي والفكري الذي تكتنزه الساحة الثقافية في العراق وعلى الرغم من انقضاء (8) سنوات على زوال حقبة الدكتاتورية البعثية إلا أن المشهد الثقافي العراقي بقي يراوح في مكانه إذا لم يعلن تراجعه المخيف فعلا والذي أنقذه من الانهيار تصدي بعض المؤسسات المستقلة عن اتحاد أدباء الخمر والخلاعة لنشر ثقافة وأدب المرحلة الجديدة ، كذلك لم يكفر الكثير من زعماء الثقافة الكارتونيين اليوم عن خطاياهم أبان الحقبة البعثية عندما اغرقوا الساحة الثقافية العراقية بنتاجاتهم التملقية الممجدة للمجرم صدام ونظامه الدموي في حروبه الداخلية والخارجية وصولاته ضد ابناء العراق الاحرار في الجنوب والوسط من المعارضين لتسلط زبانيته وتشهد ملفات أرشيف الثقافة الثمانينية والتسعينية بفضائح أولئك المتلونين بالانسياق في التهليل والتمجيد لبطولات صدام السوداء ، ويبدوا أن تسلط صناع ثقافة البعث الدكتاتوري لا زالوا يسيطرون على مقاليد مؤسسات الثقافة والإعلام ولا زالت تلك الزمر الانتهازية تمارس دورها السلبي في تضليل القارئ والمتابع عن واقعه وإشغاله في ترهاتهم السخيفة وذلك من خلال تجاهل التطرق إلى تلك الحقبة المظلمة في تاريخ وأرشفة فصول أحداثها المأساوية وإدانة من تسبب في صناعتها وذلك لأن الكثير من أدباء الخمر والخلاعة .

ولا يزال الإقصاء والتهميش القتل العمد للطاقات والقامات الإبداعية الشبابية هو ديدن مسؤولي اتحاد الخمر والخلاعة ويعاني الكثير من المواهب الأدبية من الإهمال المتعمد من لدن مسؤولي الاتحاد وفروعه في المحافظات الذين يتميز اغلبهم لا يمتلكون المؤهلات اللازمة من ناحية الإمكانات والنتاج التاريخي الثقافي الذي يؤهلهم لتبوء منصب القيادة لأفواج المثقفين والأدباء في المحافظات وهذا ما أدى إلى غياب أو انحسار بروز الطاقات والأسماء التي تبث الدماء الجديدة في جسد الثقافة العراقية المنهك ، بل قد يصل الأمر ببعض فروع الاتحاد في المحافظات إلى القطيعة مع الثقافة والمثقفين في محافظاتهم والسكون إلى مقراتهم بعيدا عن ضجيج الأدباء ونتاجاتهم التي تبعث على القلق والانزعاج لديهم .

أن ما أهم أسباب التخلف والتراجع هو الآلية التي يصل بها أعضاء الاتحاد ومسؤولي فروعه إلى مناصبه القيادية والتي تجري في ضلال المحسوبية والمصالح المتبادلة ووفق مبدأ الانتهازي ( شيلني وأشيلك ) وليس عبر الاستحقاق والتأريخ الثقافي والانجاز الأدبي وخير مثال على ذلك الانحسار والفقر لفروع الاتحاد هو ما يحصل في ميسان التي عجز اتحادها عن التواصل مع مثقفي المحافظة وفشل في استكشاف المواهب والطاقات الثقافية المنتشرة في أرجاء المحافظة طوال السنوات الخمس المنصرمة بينما ليس بعيد عن مقره استطاع رجل يدير رابطة على الورق وبجهود ذاتية وإمكانيات معدمة نتيجة غياب الدعم الحكومي او المؤسساتي لرابطته من إنشاء مشروع ثقافي كبير وعملاق على صعيد المحافظة استطاع خلال السنوات الأربع او الخمس السابقة من استكشاف (150) طاقة ثقافية إبداعية في المحافظة من الشيوخ والشباب والنساء وحتى الأطفال ، واستطاع الباحث والأديب عبد الستار عبود من إنشاء اتحاد أدباء حقيقي في المحافظة عبر رابطته ( رابطة على الورق) والتي أغاضت نتاجاته التي بلغت أكثر من ( 160) كتاب و(700) بحث ودراسة وكراسات أدبية مختلفة جوق القياديين من أدباء الاتحاد الذي لم يتركوا الفرصة إلا وتعرضوا بالنيل والتشكيك والتسقيط للرابطة وأعضائها لأن ذلك ديدن المفلسين العاجزين .


إن مراجعة لأبرز الممارسات الثقافية لاتحاد أدباء الخمر والخلاعة تظهر بوضوح الاندفاع الذي يبديه مسؤولوه للدفاع عن حقوق الراقصات والمومسات اللواتي يحرمن من ممارسة بغائهن وخلاعتهن في الأرض العراقية وخير دليل على ذلك الانتفاضات الباسلة لأدباء الاتحاد أمام قرارات حكومات البصرة وبابل المحلية بمنع دخول الفرق الغربية وراقصتها للمشاركة في فعاليات مهرجان بابل الصدامي ومهرجان السيرك الفرنسي وهو ما شكل لوضيعي الاتحاد وأصحاب النفوس المريضة فيه ممن حرمتهم تلك القرارات وفوتت عليهم فرصة لمتابعة عروض التعري الراقصة وممارسة الرذيلة مع مومساتها وبغاياها من ضيفات الثقافة العراقية الماجنة ، وقد انطلق أولئك الشواذ في حملة إعلامية للتباكي على قمع الحريات والممارسات الحكومية الأصولية تجاه الحرية والثقافة بحسب زعمهم الضال وهو بلا شك انعكاس آخر لاستهتار هؤلاء ومدى ضحالة الفكر والثقافة التي يمتلكونها وابتعادهم عن واقع المجتمع العراقي المأساوي والجهل الذي يكتنف الكثير من فئاته على صعيد الثقافة والمعرفة مما يتطلب تضافر جهود الجميع في العراق من اجل النهوض والارتقاء بالمجتمع .

لقد كشفت هذه الحوادث عن حاجة العراق إلى مثقفيه الصادقين والواقعيين ليعيدوا الاعتبار والاحترام لهيبة ومكانة المثقف العراقي محليا وعربيا وعالميا وليمارس المثقف والأديب دوره الحقيقي ورسالته الصادقة في بث ثقافة المحبة والسلام واحترام الحريات وليس انتهاكها ، إن ابتلاء المؤسسات الثقافية المدنية لقيادات فاسدة ومنحرفة بالإضافة إلى تبوء شخصيات من خارج الوسط الثقافي للمؤسسات الثقافية الحكومية وخصوصا وزارة الثقافة أدى إلى اهتزاز مكانة المثقف وصورته المشرقة في نظر المتابعين والمراقبين لاقتصار أدوارهم على مواقف بائسة ومن منطلقات غير ثقافية للتصيد بالإسلام وشريعته والاستهزاء والتحدي بالمسلمين ومشاعرهم وثقافتهم وهذا ما يستدعي التحرك الفوري لانتشال الثقافة العراقية والمثقف العراقي من أحضان الانتهازيين والوصوليين ونبذ شذاذ الأفاق هؤلاء إلى حاناتهم وملاهيهم لممارسة هواياتهم المنحرفة ورغباتهم الشاذة وقطع الطريق إمام كل من يحاول أمركة العراق بثقافة الخلاعة والعربدة .

ahmedalbudayry@yahoo.com